أسفرت فترة دونالد ترمب الرئاسية الأولى عن فوضى وارتباك في جميع أنحاء العالم، ودول قليلة فقط عرفت كيفية التعامل معه. وحالياً، يخشى كثيرون أن يلقى الحكام المستبدون، مثل فلاديمير بوتين وشي جين بينغ، معاملة أكثر ودية مقارنة بأقوى حلفاء الولايات المتحدة.
رغم ذلك، يرى عدد من الدول أن القلق من احتمال عودة ترمب سيكون أقل من المتوقع، فتثق دول مثل الهند وتركيا وإندونيسيا بقدرتها على التعامل معه بشكل جيد، بل وربما تجني من علاقتها مع الولايات المتحدة مكاسب أكبر مما حققته في عهد الرئيس جو بايدن.
ربما تكون هذه التوقعات ساذجة في تفاؤلها، فالتقلب هو الطبع الغالب في شخصية ترمب، فخلال رئاسته اتهم الهند -على سبيل المثال- أكثر من مرة باستغلال علاقتها مع الولايات المتحدة، وأشار مراراً إلى التعريفات الجمركية المرتفعة التي تفرضها على دراجات "هارلي ديفيدسون" النارية (ليس مصادفة أن هذه الدراجات يجري تجميعها في ولايتي ويسكنسن وبنسلفانيا المتأرجحتين)، كما انتقد الهند مجدداً في الآونة الأخيرة، واصفاً إياها بأنها من أشد الدول استغلالاً لنظام التجارة الدولية.
تباين العلاقات الهندية الأميركية بين ترمب وبايدن
لكن تفاصيل هذه الانتقادات تكشف الوضع، فحينها كان هناك خلافات بين قادة الهند والولايات المتحدة حول مجموعة من القضايا، بدءاً من العقوبات على إيران ووصولاً إلى اعتزام نيودلهي شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس 400". وانحسرت مخاوف ترمب بعدما نجحت الهند في استرضائه بخفض التعريفة الجمركية على الدراجات النارية محل الخلاف.
في المقابل، اعتبر بايدن، مثل معظم الرؤساء الأميركيين الآخرين، أن الشراكة مع دول مثل الهند تعتمد بشكل حاسم على القيم المشتركة، فدعم وتعزيز النظام العالمي القائم على القواعد واجب على كل الديمقراطيات الأخرى، وإذا خالفت إحداها هذا الالتزام، سواء بالالتفاف على العقوبات الأميركية أو الغش المفترض في التجارة، فإنها تضعف الطاقة والحماس اللذين يقودان العلاقة بشكل عام.
وعندما يكون الهدف هو مستقبل تتوطد فيه الهند والولايات المتحدة لأشد درجة على الإطلاق في ما يخص مجموعة كبيرة من القضايا، كما هو الحال بين أميركا وأوروبا، فأي إشارة على الخلاف بين الدولتين ستعيق العلاقة بينهما.
لذلك، ليس غريباً أن عدداً من أصحاب النفوذ الأميركيين ساورهم القلق من أن اتجاه الولايات المتحدة نحو الهند خلال رئاسة بايدن يُعد "رهاناً خاسراً". ومن جهتهم، استاء المواطنون الهنود من توقع أنهم يجب عليهم مواءمة قيمهم مع القيم الأميركية إذا أرادوا اعتبارهم شركاء نافعين للولايات المتحدة.
تزايد فرص المنفعة المتبادلة في عهد ترمب
علاوةً على ذلك، من العدل اتهام إدارة بايدن بالنفاق، فعند انتخابه، كثر الخطاب حول الشراكة مع الديمقراطيات متشابهة الفكر وإحياء المؤسسات متعددة الأطراف، ثم تخلى البيت الأبيض عن الاتفاقيات التجارية الجديدة المقترحة، وتأكد من عجز منظمة التجارة العالمية عن التعامل مع النزاعات.
في عهد ترمب، كان "أميركا أولاً" مجرد شعار، جرى تنفيذه بشكل متفاوت وغير فعال، أما في عهد بايدن، أصبحت "السياسة الخارجية المعنية بالطبقة الوسطى" عقيدة حمائية صارمة. ليواجه شركاء الولايات المتحدة في آسيا وأوروبا صعوبات في إيجاد طرق للدخول إلى حصن أميركا الجديد.
الفكرة العامة، أن في عهد ترمب، هناك فرصة لتبادل المنفعة على الأقل، وسيثق المسؤولون في نيودلهي بقدرتهم على إعطاء الرئيس الجديد ما يحتاجه، سواء على المستوى السياسي أو الشخصي، فعقد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مؤتمرات انتخابية مشتركة مع ترمب، وتخطط شركة الأخير لإقامة عدد من المشروعات في الهند يفوق نظيرها في أي دولة أجنبية أخرى.
المصالح المشتركة تعزز التعاون مع أميركا
نظراً لحساسية الهند المبررة من انتقاد مؤسساتها الديمقراطية الضعيفة، سترحب نيودلهي برئيس أميركي يولي قدراً من الاهتمام بهذه القضايا، وكذلك بزعماء آخرين، فهناك قادة آخرون، مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يقدمون أنفسهم مثل ترمب، على أنهم مدافعون عن القيم التقليدية أمام الزحف الليبرالي، وداعمون للمصلحة الوطنية وسط نظام عالمي مضطرب.
ربما يزيد الرئيس الجديد عدد الدول المستعدة للتعاون مع واشنطن في قضايا مختلفة، عبر زيادة الاهتمام بتبادل المنفعة حيث تتوافق المصالح، والتركيز بشكل أقل على توبيخ الدول بشأن الليبرالية.
للتأقلم مع هذا العالم الذي يتزايد اعتماده على الصفقات، بالطبع يجب على الدول إدراك ما ستقدمه في إطار هذه الصفقة، فربما سيتعين على الهند التعهد بالتزامات أمنية راسخة، على سبيل المثال، والموافقة على شراء مزيد من الأسلحة الأميركية، والأمر المؤكد أنه سيتعين على الدول الأوروبية حمل جزء أكبر من عبء دفاعها العسكري وإبداء مرونة تجارية أكثر من المعتاد. وعلى خلاف ما حدث في 2016، يجب على عدد قليل من الدول الشعور بالقلق في الفترة الحالية.
خلاصة
يشير المقال إلى أن عودة دونالد ترمب للرئاسة قد تخلق فرصاً لبعض الدول للتعامل بفعالية مع الولايات المتحدة، رغم مخاوف الحلفاء التقليديين. دول مثل الهند وتركيا تعتقد أنها قد تجني فوائد من علاقة أكثر مرونة مع واشنطن في عهد ترمب، مقارنة بما شهدته في ظل إدارة بايدن، التي ركزت على قيم الديمقراطية والتعاون متعدد الأطراف.
خلال فترة ترمب الأولى، كانت العلاقات مع الهند متوترة أحياناً بسبب الخلافات التجارية، لكن أسلوبه المبني على المعاملات والمصالح الشخصية منح الهند مساحة للتفاهم معه عبر بعض التنازلات. في المقابل، تطلّب نهج بايدن التزاماً بالقيم المشتركة، مما أثار استياء بعض الدول، وخصوصاً الهند، التي تعارض بشدة أي انتقاد لمؤسساتها.
ويضيف المقال أن الهند وقادة آخرين مثل أردوغان قد يفضلون نهج ترمب الأقل انتقاداً للديمقراطية، مع التركيز على الصفقات والمصالح المتبادلة. ترمب قد يشجع هذه الدول على تقديم التزامات اقتصادية وأمنية مقابل تعزيز العلاقات، مما يفتح المجال أمام تعاون مرن يقوم على المنفعة المتبادلة بدلاً من التوافق القيمي.