يدور الجدل الدائر في مجتمع العملات المشفَّرة حول ما إذا كان أداء بتكوين سيتفوق على "العملات البديلة"، والتي تعرّف عموماً بأنَّها عملات رقمية غير "بتكوين"، مثل "إيثيريوم"، و"سولانا"، و"كاردانو"، و"بولكادوت". يستند مناصرو "بتكوين" من المتشددين إلى أنَّ مخزن القيمة الحقيقي الوحيد هو "بتكوين"، لأنَّها غير مركزية تماماً، كما أنَّ عدد العملات التي يمكن أن تكون متاحة محدود للغاية. هذا صحيح. لكنَّ السؤال الحقيقي هو ما إذا كان مستثمرو العملات الرقمية بحاجة بالضرورة إلى مخزن حقيقي للقيمة، أو ما إذا كانت هناك مساحة للعديد من سلاسل الكتل التي تقوم بأشياء مختلفة.
يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنَّه قبل 2000 عام كان النظام المالي يتألف أساساً من الذهب. لم تكن هناك أسهم، أو سندات، أو أي شيء آخر في طريق توظيف الأموال باستثناء القروض غير الرسمية. لم يتغير الكثير خلال الـ 1400 عام التالية، حتى نشأت المؤسسات المالية الأولى، وبدأ التعامل مع الديون كأصل مالي. ظهرت أولى الشركات المتداولة في البورصة في القرن السابع عشر، وتطورت الأسواق المالية في كل من الأسهم والديون تدريجياً من هناك.
تطور النظام المالي
مؤخراً أصبح التمويل معقداً جداً نسبياً، فقد تحولت المشتقات البسيطة مثل العقود الآجلة، والخيارات إلى أشياء مثل مقايضات التخلف عن السداد، والتزامات الديون المضمونة، فضلاً عن طرق أخرى محيرة للعقل لتوزيع المخاطر. يُطلق على هذا الاتجاه اسم "الأموَلة"، ويؤكد كيف لعبت الثروة الورقية دوراً أكبر في الاقتصاد، في حين يتقلص دور الأصول الصلبة بشكل متزايد.
ينظر بعضهم نظرة قاتمة إلى "الأموَلة" بسبب التجربة غير السارة مع المشتقات الائتمانية خلال الأزمة المالية. لكنَّ الحقيقة هي أنَّ "الأموَلة" تتوافق بشكل عام مع مستوى معيشة أعلى بمرور الوقت. لا أحد يريد سماع هذا، لكنَّ "الأموَلة" والتعقيد أمران جيدان.
دخلت "بتكوين" إلى القطاع، وهي في الأساس ذهب رقمي. وتنطبق الانتقادات الموجهة للذهب على "بتكوين" أيضاً؛ فهي لا تفعل شيئاً؛ هي صخرة أليفة لا تدفع أي فائدة أو أرباح؛ لا تقلد أداء أي دين أو ورقة مالية. إنَّها تقبع هناك فحسب. ولكنَّها مثل الذهب، تعمل "بتكوين" كمخزن مطلق للقيمة. هناك كمية محدودة من الذهب في القشرة الأرضية، ويصبح استخراجها أكثر صعوبة بمرور الوقت، تماماً مثل بتكوين. يعمل الذهب أيضاً كحماية ضد سوء الاستخدام المنهجي للعملات الورقية من قبل الحكومات والبنوك المركزية، والتي تميل إلى خلق المزيد من المعروض بشكل تدريجي.
%55 من حاملي "بتكوين" دخلوا السوق في 2021
تزايد العملات المشفرة
لا يتجاوز عمر عالم العملات المشفَّرة 10 سنوات إلا قليلاً، وفي البداية كان هناك القليل جداً من العملات المشفَّرة إلى جانب "بتكوين". ولكن حدثت "الأموَلة" منذ ذلك الحين – فظهر المزيد والمزيد من العملات المشفَّرة التي تقوم بأشياء مختلفة. بعضها، مثل إيثيريوم، التي لديها تدفقات نقدية، ويمكن تقييمها على أساس تدفقاتها النقدية. وانخفضت نسبة القيمة السوقية لـ"بتكوين" من إجمالي القيمة السوقية لجميع العملات المشفَّرة بمرور الوقت، وتواصل الانخفاض حتى شكلت في يوم ما أقل من 1% من فئة الأصول، تماماً كما هو حال الذهب اليوم في السوق المالية الأوسع.
هذا لا يعني أنَّ سعر "بتكوين" سينخفض بالضرورة، ولكن يعني أنَّ العملات البديلة التي تملك استخدامات ستزيد قيمتها بمرور الوقت مقارنةً بـ"بتكوين". بمعنى آخر؛ فهي الأسهم، والسندات، ومشتقات عالم العملات المشفرة اليافع. بالطبع؛ يمكن لمصدري الأسهم دائماً إصدار المزيد من الأسهم، ويمكن لمصدري السندات دائماً إصدار المزيد من السندات، لكن هذا التخفيف لا يمنع الناس عادةً من الاستثمار في الأسهم والسندات. إنَّها ببساطة مسألة اختيار: هل تريد أصولاً ملموسة أم تريد أصولاً مالية؟
اشتريت "بتكوين" لأول مرة في عام 2019، وامتلكتها حتى يناير من هذا العام. لقد كان وقتاً جيداً لامتلاك "بتكوين" كمخزن للقيمة. لكني في هذا العام أصبحت مهتماً بالتمويل، واشتريت محفظة صغيرة من العملات البديلة، ولكل منها خصائصها المختلفة، فقد أصبح الرهان على فئة الأصول معقداً بشكل متزايد. أنا أيضاً أملك الذهب. بالتأكيد، هناك فترات تنعكس فيها "الأموَلة"، وتلعب الأصول الثابتة دوراً أكبر، مثلما يحدث عندما يبدأ التضخم في التصاعد، وتنخفض قيمة العملات. ولكن يبدو أنَّ ما لا يدركه مستثمرو الذهب و"بتكوين"؛ هو أنَّ هذا يعدُّ رهاناً ضمنياً على تقدم الإنسان في الاتجاه المعاكس، وهو ما لا يحدث غالباً.
كانت الطريق وعرة بعض الشيء مؤخراً، ولكن العملات الرقمية موجودة لتبقى، وسيتبع تقدمها تقريباً تاريخ الأصول المالية، باستثناء أنَّه سيحدث في إطار زمني مضغوط للغاية.