مع ارتفاع درجات الحرارة وخروج العديد من الأوروبيين إلى الطرقات لقضاء العطلات على الشواطئ، كانت فكرة مقاعد السيارات المريحة حتى هذا الأسبوع، بعيدة تماماً عن أذهان الكثيرين منا. مع ذلك، وجدت "بي إم دبليو" نفسها متورطة فجأة في خلاف حاد حول خطط لفرض رسوم بقيمة 18 دولاراً شهرياً على مالكي السيارات، لتدفئة مقاعدهم.
اقرأ المزيد: "بي إم دبليو" تتمسك بأهداف الإنتاج رغم تزايد أزمات سلاسل التوريد
أفادت تقارير بأن مُصنّعة السيارات الألمانية تريد من السائقين في كل من بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وفي بلدان أخرى، أن يقوموا بشراء تحديث لبرنامج يُتيح الحصول على خاصية تدفئة المقاعد، إذا أرادوا ألا تبقى هذه الخاصية معطلة في سياراتهم، وذلك على الرغم من أن كل الأجهزة الضرورية المرتبطة بها تم إدماجها في سيارات الشركة بالفعل عند تصنيعها. وقد أثار هذا الأمر ردود أفعال عنيفة وفورية على الإنترنت.
اقرأ أيضاً: مُصنِّعو السيارات يشعرون بانفراجة في أزمة إمدادات الرقائق الإلكترونية
رغم أن الراحة الجسدية شتاء لسائقي السيارات ليست القضية الأكثر إلحاحاً للبشرية، إلا أن الأزمة التي تسبّبت فيها حملة العلاقات العامة، تُظهر المخاطر التي تواجهها الأعمال التجارية بسبب مطالبتها بمدفوعات صغيرة وسط أزمة تكلفة المعيشة، والأعباء المتزايدة التي يعاني منها الناس بسبب الاشتراكات المدفوعة، وخطر محاولة شركات تصنيع السيارات إعادة طرح نفسها على أنها عمالقة برمجيات.
اقرأ المزيد: "مرسيدس" تتجه لخفض إنتاج سياراتها التقليدية والتركيز على سيارات الأثرياء
سيُكلّف تفعيل هذه الخاصية في سيارة "بي إم دبليو"، 150 جنيه إسترليني (177 دولاراً) سنوياً، أو 350 جنيه إسترليني لتفعيلها بشكل دائم دون قيود. وقد وُصِفت هذه الخاصية على وسائل التواصل الاجتماعي بأنها "محاكاة ساخرة للرأسمالية في مرحلة متأخرة"، ومثال على "جحيم المعاملات المالية الصغيرة عبر الإنترنت"، في إشارة إلى المشتريات الإضافية داخل ألعاب الفيديو، والتي تستخدمها الشركات العاملة في هذا القطاع لتحقيق إيرادات إضافية.
ما زالت "بي إم دبليو"، "سخية" مع عملائها، حيث توفّر لهم عجلة قيادة ضمن المزايا الاعتيادية، إلا أن تدفئة عجلة القيادة هذه لتجنّب تجمّد أصابع السائق، قد تتطلب اشتراكاً آخر بتكلفة تقلّ قليلاً عن خاصية منع تجمّد باقي الجسد، علماً أن هذه الرسوم الاختيارية، لا تسري على العملاء الذين تشمل سياراتهم هذه المزايا فعلاً، كما هو الحال مع معظم العملاء في الولايات المتحدة.
تحديثات مدفوعة
قالت "بي إم دبليو" إن سياسة التسعير توفّر للعملاء المرونة لتجربة الميِّزات قبل شرائها، أو تضمين خاصية ما لم يطلبها مالك السيارة السابق. روّج المسؤولون التنفيذيون لهذه الترقيات المدفوعة للمرة الأولى قبل سنتين، عندما قامت الشركة المنافسة "تسلا" بإطلاق نظام دفع مماثل، رغم أن أحدث طرازات "تسلا" تشمل عجلات قيادة ومقاعد خلفية مُدفأة ضمن مزاياها الاعتيادية.
لكن هل من المستغرب أن عروض الاشتراك تلك ضغطت على وتر حساس؟ يُعدّ التحديث المبتكر الذي يُحسِّن أداء أو ملمس السيارة أمراً، في حين يبدو تركيب الأجزاء الميكانيكية الأساسية في المصنع ثم المطالبة بـ"فدية مالية" للتمكين من الوصول إليها، أمراً آخر، ماكراً ورخيصاً.
السيارات الجديدة باهظة الثمن أصلاً، حيث يتجاوز متوسط السعر 48,000 دولار في الولايات المتحدة حالياً، وينفق المشترون حوالي 650 دولاراً شهرياً على سداد القروض، وفقاً لـ"إكسبيريان" (Experian).
بفضل محدودية مخزون السيارات الناجم عن نقص أشباه الموصلات، تجني "بي إم دبليو" أرباحاً هائلة. وقد أعلنت الشركة الشهر الماضي، عن إعادة شراء 2 مليار يورو (2 مليار دولار) من أسهمها، أي أنها لا تحتاج إلى مبالغ بسيطة.
لكن للأسف، اعتاد المستهلكون على مثل هذه المعاملة القاسية التي تسبق التضخم المتصاعد. فلدى صناعة السفر مثلاً شغف خاص بسياسة التسعير المتصاعد تباعاً، ويشهد على ذلك أي شخص تأثر بحجز مقاعد شركات الطيران المختلفة ورسوم الأمتعة، حيث تُمثل الخدمات الإضافية المزعومة ما يقارب نصف إيرادات شركة الطيران منخفض التكلفة "رايان إير هولدينغز"، على سبيل المثال.
علاقة مالية طويلة
يأمل مُصنّعو السيارات، بفضل ترقيات البرامج عبر الأثير، في أن يُصبح الشراء المستقبلي للسيارات بداية علاقة مالية طويلة مع العميل. ورغم أن هذه الجهود ما زالت في مراحلها الأولى، إلا أن لدى هذا القطاع شغف بالاحتمالات القادمة. تتوقع "جنرال موتورز" استعداد المستهلكين لإنفاق 135 دولاراً شهرياً على اشتراكات برامج السيارات، وتسعى إلى تحقيق ما لا يقل عن 20 مليار دولار من عائدات البرامج والخدمات السنوية في نهاية العقد، أو حوالي 10 أضعاف إجمالي ما حققته في العام الماضي. وضعت "ستيلانتيس" (Stellantis)، مالكة العلامة التجارية "جيب" (Jeep)، هدفاً مماثلاً، في حين تتوقع "بي إم دبليو"، رغم مبيعاتها الأصغر حجماً، تحقيق نحو 5 مليارات يورو من الإيرادات الرقمية الإضافية في تلك الفترة الزمنية.
تُركّز شركات تصنيع السيارات على حماية الأرباح وتوسعتها على حدٍّ سواء في الوقت الذي تحتاج فيه إلى تمويل التكلفة الهائلة لتصنيع السيارات الكهربائية وقلقها من تنحيتها جانباً من قبل عمالقة التكنولوجيا مثل "غوغل" التابعة لـ"ألفابيت" و"أبل".
هوامش عالية
قد تدرّ الوظائف الإضافية للبرامج هوامش عالية للغاية عند تثبيتها في ملايين السيارات. غالباً ما تُقدّر أسواق الأسهم تدفقات الإيرادات المتكررة بشكل أكبر من قيمة عمليات الشراء الواحدة حتى وإن كانت مبالغها هائلة. انظر كيف ترتبط جزئياً القيمة السوقية لـ"تسلا" بمجموعة برامج القيادة الآلية التي يصل مبلغ الدفعة المقدّمة للحصول عليها إلى 12,000 دولار أو 199 دولاراً للاشتراك الشهري.
وللإنصاف، تُعدّ القدرة على تحديث سيارة بعد فترة طويلة من خروجها من بوابة المصنع، أمراً ثورياً بامتياز، بل وتُعتبر بعض حزم البرامج جذابة للغاية. يتضمن متجر "بي إم دبليو" الرقمي برنامجاً يُكيّف نظام التعليق في سيارتك مع أسلوب قيادتك ونوع الطريق. هناك أيضاً حزمة صوتية لتضخيم صوت محرك "بي إم دبليو" داخل السيارة، رغم أنها لا تتناسب مع ذوق الجميع ولكنها ميزة مثيرة للممتعة على الأقل. في المقابل، تبدو رسوم "بي إم دبليو" المدفوعة لمرة واحدة بقيمة 265 جنيه إسترليني لقاء الوصول إلى "أبل كار بلاي" (Apple CarPlay)، مبالغاً فيها.
يتعيّن على مُصنّعي السيارات التفكير أكثر في الأشياء التي يستعدّ المستهلكون لدفع ثمنها، في مشهد يُشبه السرقة على الطرق السريعة. يؤمن ثلاثة أرباع مشتري السيارات بضرورة تضمين معظم الميزات والخدمات كجزء من سعر الشراء المبدئي، بحسب مسح منشور في شهر أبريل من قبل شركة "كوكس أوتوموتيف" (Cox Automotive). وافق أكثر من 90% من المستهلكين على ألا تكون المقاعد المُدفأة باشتراك. يجب أن تعامل "بي إم دبليو" عملاءها بشكل أفضل، وإلا فستلقى شركة السيارات الفاخرة منهم تجاهلاً كبيراً.