يُفترض أن يكون التغير المناخي عاملاً محفزاً لنهضة الطاقة النووية الأميركية صعبة المنال، لكن الحرب في أوكرانيا قد توفر الدافع عوضاً عن ذلك. لا تُعد قصة النهوض مجدداً الأكثر إلهاماً، لكن القطاع سيقبل بها بعد هذا الوقت الطويل من الدخول في متاهة.
مع اقتراب أول سنة من الحرب التي شنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من نهايتها، جرى تداول اليورانيوم بسعر 50 دولاراً للرطل تقريباً. رغم ذلك، كما أشرت في عمودي هذا من قبل، فإن الحديث عن الحظر الأميركي على واردات الوقود النووي من روسيا ينطوي على القدرة على تعزيز ذلك بطريقة كبيرة. بالانتقال سريعاً إلى مايو 2024، وفي ظل استمرار القتال في أوكرانيا، وسعر اليورانيوم حالياً يفوق 90 دولاراً فإن أثر تطبيق الحظر يتضح هنا. مع أوائل أغسطس، ستُحظر واردات اليورانيوم منخفض التخصيب -النوع المستخدم بالمحطات النووية التقليدية- من روسيا بموجب قانون حظر واردات اليورانيوم الروسي الصادر حديثاً.
تشغيل المفاعلات
الحظر ليس مطلقاً بطريقة كبيرة. يسمح القانون لوزارة الطاقة بإصدار إعفاءات تسمح باستيراد ما يصل إلى مليون رطل سنوياً من الوقود الروسي حتى عام 2028 في حال وجود حاجة لضمان استمرار تشغيل المفاعلات الأميركية. يعكس ذلك حقيقة معلومة للجميع عندما يرتبط الأمر بمصادر الطاقة الأميركية الخالية من الكربون تتمثل في الاعتمادية على الإمدادات الأجنبية.
لن تتسبب كندا وأستراليا في إزعاج أي شخص في واشنطن، لكن 12% من الواردات من روسيا تزعجهم. توجد نسبة 36% إضافية من الواردات تأتي من كازاخستان وأوزبكستان- لذا فهي لا تخضع لسيطرة موسكو مباشرة ولكن بالتأكيد تقع في جوارها (مثلها مثل الصين). لا تعكس هذه الأرقام في الواقع أهمية روسيا بسبب دورها الضخم في تحويل اليورانيوم المستخرج إلى وقود نووي قابل للاستخدام.
تمثل روسيا 40% من إمدادات السوق العالمية لليورانيوم منخفض التخصيب، بحسب بنك "سيتي غروب". وزودت المحطات النووية الأميركية بربع احتياجاتها تقريباً خلال 2022. تهيمن روسيا أيضاً على إمدادات اليورانيوم منخفض التخصيب عالي التركيز، الذي تحتاجه بعض المفاعلات ذات التكنولوجيا المتقدمة التي يجري تطويرها حالياً، بما فيها بعض تصميمات المفاعلات النمطي الصغير المعروفة اختصاراً بـ(SMR).
على نفس منوال سعي الولايات المتحدة الأميركية لإخراج الصين من سلاسل توريد التكنولوجيا النظيفة الأميركية دون إخراج إزالة الكربون عن مسارها تماماً، فإنها ترغب في إخراج روسيا من سلاسل توريدها النووية دون المخاطرة بحدوث انقطاع الكهرباء بتعطيل تشغيل مفاعلات توليد الكهرباء بالطاقة النووية. تقدم الإعفاءات على الواردات طريقة لتوضيح ذلك، رغم أن موسكو يمكن أن ترد بفرض حظر من قبلها على شحنات التصدير للولايات المتحدة الأميركية. بالنسبة لأسعار اليورانيوم التي أخذت في التراجع منذ يناير الماضي، فإن الإمكانات التي أطلقها هذا القانون الأميركي الجديد يمكن أن تدعم العودة للارتفاع مجدداً، رغم أنه كما هو الحال على الدوام، ينبغي للمضاربين الحذر من عبء المخزون الزائد الذي تحتفظ به صناديق الاستثمار في السلع الأساسية إذا تبدلت ثقة الأسواق.
حظر الوقود الروسي
لكن بالنسبة للمشروع الأوسع نطاقاً لإحياء الفرص المستقبلية لقطاع الطاقة النووية الأميركي، فقد يعني ذلك ما هو أكثر للغاية. علاوة على بدء العد التنازلي لحظر (نوعا ما) على واردات الوقود النووي الروسي، يطلق التشريع أيضاً تمويلاً فيدرالياً بقيمة 2.7 مليار دولار للمساعدة في تطوير الإنتاج المحلي للوقود النووي.
يتعلق الأمر بجانب القصد من وراء هذا التمويل وليس بحجم المبلغ المطلق.
على مدى سنوات، حذّر مناصرو إنشاء محطات نووية جديدة من تداعيات الأمن القومي الناجمة عن السماح للقدرات والخبرات النووية الأميركية التي كانت هائلة في وقت ما بالتدهور، باعتباره مبرراً لجهود إحياء القطاع. جاء التحذير نتيجة للجدوى الاقتصادية للمفاعلات الجديدة في الولايات المتحدة الأميركية التي ما زالت غير مؤكدة مثلما كانت منذ عقود. في حين أن الكهرباء النووية خالية من الكربون، إلا أنها باهظة الثمن بالمقارنة مع مصادر أخرى –لا سيما عندما تبقى تكلفة الكربون غير معلومة- وتنطوي على مخاطر تطوير عالية نظراً للسنوات المطلوبة لبناء المحطات والميل إلى تجاوز الميزانيات الموضوعة لها. الاستجابة المعتبرة التي تروج بقوة لهذه المشكلات تتمثل في المفاعلات النمطية الصغيرة والتي تنطوي على مشكلات مرتبطة بتكلفتها الخاصة.
تحظى حالياً حجة الأمن القومي بلحظة اهتمام كبير، والتي ربما تدوم نظراً للتحول الأوسع في سياسة الولايات المتحدة الأميركية بعيداً عن العولمة ونحو إعادة التوطين للإنتاج، بداية من سلاسل التوريد لتوفير الإمدادات "عند الحاجة" إلى توفير كميات إضافية من أجل "حالات الطوارئ" حسبما تقول شركة "كلير فيو إنرجي بارتنرز" (ClearView Energy Partners). وبنفس الطريقة التي ترحب بها بالسيارات الكهربائية الصينية الرخيصة لأسباب اقتصادية بحتة، سيستمر الترحيب بالوقود النووي الروسي كذلك. لكن هذه القاعدة تفتح باباً للمخاوف الاستراتيجية.
التشغيل الدائم
إذا كان هذا القانون يشكل بداية لبذل جهود متضافرة لإحياء سلاسل إمدادات نووية أميركية، فإنه يهدف إذن إلى توفير قطاع طاقة نووية محلي الذي يُتصور أن يتكون من أكثر من مجرد أسطول قائم من المفاعلات القديمة في معظمه. تبقى معقولية الجدوى الاقتصادية للتكلفة مسألة قابلة للنقاش بطريقة كبيرة.
مع تزايد اعتماد شبكات الكهرباء في الولايات المتحدة على مصادر الطاقة المتجددة غير المنتظمة، تتحول القيمة نحو مصادر قابلة للتوزيع بمرونة يمكنها سد فجوات العرض، مثل الغاز الطبيعي المستخدم في أوقات الذروة والبطاريات، علاوة على إدارة الطلب. لا تُعد فرضية التشغيل الدائم للمحطات النووية مناسبة بما فيه الكفاية للتعامل مع ذلك، رغم أنها علاوة على انبعاثاتها الصفرية ربما تلائم بصورة جيدة طفرة استهلاك الكهرباء في مراكز البيانات دائمة التشغيل التي يُروج لها بقوة، في حال حدوثها. رغم ذلك، تبقى التكلفة باهظة. ثم مرة ثانية، تمثل التكلفة عنصراً واحداً فقط من بين عناصر عديدة مطروحة في النقاش الدائر حول مستقبل الطاقة الأميركية هذه الأيام.