هل يمكن للعالم العيش بكميات مياه أقل؟

time reading iconدقائق القراءة - 10
جزء مكشوف من مجرى النهر على نهر الدانوب بالقرب من بلدة زيمنيشيا في رومانيا.  - المصدر: بلومبرغ
جزء مكشوف من مجرى النهر على نهر الدانوب بالقرب من بلدة زيمنيشيا في رومانيا. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

تعد هذه المقابلة واحدة من سلسلة مقابلات أجراها كتّاب أعمدة "بلومبرغ أوبينيون" حول كيفية حل تحديات السياسة الأكثر إلحاحاً في العالم. وتم تحرير النص الأصلي لها من أجل اختصارها وضمان وضوحها.

سارة غرين كارمايكل: يستمر تأثير الجفاف في 2022 على شحن البضائع وإنتاج الغذاء والطاقة الكهرومائية وإنتاج الطاقة النووية في جميع أنحاء العالم. تضاؤل الثلوج المتراكمة يعني أنَّ ندرة المياه من المرجح أن تستمر مع تزايد الاحتباس الحراري. أنتِ أستاذة كرسي تشارلز داير نورتون للتخطيط الإقليمي والعمران بكلية هارفارد للدراسات العليا في التصميم، وكنتِ سابقاً رئيسة مجموعة التنمية الدولية في قسم الدراسات والتخطيط العمراني بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. بعض أبحاثك السابقة تدرس النقل العمراني والعنف والقيادة السياسية والإسكان. كيف أصبحتِ مهتمة بقضية المياه؟

دايان ديفيس، أستاذة التخطيط الإقليمي والعمران بكلية هارفارد للدراسات العليا في التصميم: تطل تقريباً كل المدن الرئيسية على مصدر مياه، سواء كان نهراً أو بحيرة أو محيطاً. وهي مشكلة عالمية: فإما أنَّ المياه أكثر من اللازم أو هي غير كافية؛ هناك مياه في مناطق ليس من المفترض أن تكون فيها مياه، ومياه غير موجودة في المناطق التي من المفترض أن تكون فيها. هذه إحدى أهم القضايا في الكوكب.

سارة غرين كارمايكل: هناك تكدس مروري في نهر المسيسيبي تسبّبت فيه المستويات المنخفضة من المياه، وهو ما رأيناه مؤخراً أيضاً في نهري الدانوب والراين. ماذا الذي يمكننا القيام به لإبقاء حركة المراكب والسفن سهلة في تلك الأنهار؟

دايان ديفيس: المشكلة في الأنهار هي أنَّه لا يمكنك حل المشكلة في الموقع؛ يجب حل المشكلة على طول ذلك المجرى المائي بالكامل. هذا يعني غالباً – خصوصاً في السياق الأوروبي – أنَّه ليس لديك مقاطعات أو ولايات مختلفة فقط، بل دول مختلفة أيضاً. كيف يمكن تأسيس جهة إقليمية لصنع القرار تضم عدة دول لكنَّها أصغر من الاتحاد الأوروبي؟ هذا هو السؤال للمخططين وصانعي السياسات.

اقرأ أيضاً: جفاف نهر المسيسيبي يغلق جزءاً من ممر التجارة الحيوي

أحد الأمور التي علينا التفكير فيها هي ما إذا كنا بحاجة لاختصاصات سياسية جديدة لإدارة موارد المياه. المياه لا تتبع هذه الحدود السياسية. انظري إلى وادي نهر كولورادو. كل واحدة من هذه الولايات المختلفة لديها سياسات مختلفة بشأن من يتحكم بالمياه ومن لديه سلطة تحديد فيما إذا كانت المياه للزراعة أو للاستخدامات العمرانية، ومن ثم تتصارع عليها السلطات التشريعية. وبالطبع، القطاع الخاص يتدخل هناك أيضاً. أرى أنَّ المياه مشكلة مرتبطة بالحوكمة، وليس بالتغير المناخي فقط.

سارة غرين كارمايكل: المسألة تنطوي على ما هو أكثر من الشحن بكثير. يعتمد المزارعون على هذه المياه لزراعة المحاصيل الغذائية. على سبيل المثال، هناك الملايين في القرن الأفريقي يواجهون الجوع نتيجة الجفاف. تعتمد الكثير من الدول على السدود للطاقة الكهرومائية. وفي فرنسا، تُستخدم مياه الأنهار في تبريد المحطات النووية.

دايان ديفيس: نحن في حاجة لمهمة أكبر لحماية الموارد الطبيعية الأساسية من أجل العمران والتحديث والنمو الاقتصادي. علينا أيضاً دمج أفكارنا فيما يتعلق بمصدر الطاقة [مع أولويات أخرى]. هل يتوجب علينا استخدام الأنهار لتوليد الطاقة، أم استخدام مصدر آخر لتوليد الطاقة لأنَّنا نحتاج الأنهار لأغراض أخرى – للنقل وللغذاء؟ ساهم التحضر في نمو الاقتصادات الوطنية لفترة طويلة، لكنَّنا لا نفكر بشكل كافٍ في العودة لطرق أكثر استدامة في بناء المدن.

سارة غرين كارمايكل: ذكرتِ سابقاً أنَّ جزءاً من المشكلة هو وجود مياه أكثر من اللازم في بعض المناطق وشحها في مناطق أخرى. قد يبدو ذلك سؤالاً ساذجاً، لكن هل هناك طريقة واقعية لنقل المياه من المناطق التي توجد بها مياه أكثر من اللازم إلى المناطق التي لا تحتوي على ما يكفي منها؟ أنا أتصور شيئاً يشبه القنطرة الرومانية نوعاً ما.

دايان ديفيس: ستكون هناك حاجة لبنية تحتية ضخمة ومكلفة يمكنها أن تشمل قنوات بالإضافة إلى صرف صحي واسع النطاق، ونظام أنابيب تحت الأرض. القناطر تصلح أيضاً، مثلما ذكرتِ فيما يتعلق بالعصر الروماني. هناك الكثير من الابتكارات الهندسية، لكنَّ نقل المياه من منطقة لأخرى يشمل أسئلة تتعلق بالسيادة عمن يملك المياه في المقام الأول. في بعض الدول، في المكسيك على سبيل المثال، المياه الجوفية ملك الدولة، لكنَّ الولايات لها ولاية قضائية على الأنهار. بالإضافة إلى ذلك، في نظام فيدرالي مثل الولايات المتحدة؛ فإنَّ إنشاء بنية تحتية جديدة للمياه لنقلها من ولاية لأخرى سيشكل تحدياً، إلا لو كان هناك ذلك التنسيق الإقليمي أو أي تفويض من الحكومة الاتحادية.

اقرأ أيضاً: استبيان يظهر أن تغير المناخ أكثر ما يهدد أمن العالم

هناك عدة أمثلة مدهشة لاتفاقيات المياه العابرة للحدود، الكثير منها في الشرق الأوسط، بين تركيا وسوريا منذ بضعة عقود وبين إسرائيل والأردن منذ فترة قريبة، التي سهلت بناء البنية التحتية لنقل المياه من مناطق أخرى، بما فيها مجموعة من دول لديها إمكانية الوصول لمياه المحيطات التي يمكن تنقيتها ونقلها إلى داخل البلاد. أتمنى أن يكون هناك المزيد من الابتكار على هذه الجبهة. لكنَّ التحديات السياسية لا تقل صعوبة عن التحديات الهندسية.

سارة غرين كارمايكل: ماذا عن مسؤوليتنا كأفراد؟ كل صيف في ماساتشوستس، حيث نعيش، تمنع المحليات استخدام مياه البلدة لري العشب أمام المنازل. لكن كل صيف، أمر بسيارتي أمام منازل كبيرة بعشب زاهي الخضرة، وُضعت عليه لافتات تقول: "نستخدم مياه الآبار". فأفكر، "لكن، أليس ذلك من نفس خزان المياه؟" هل نحن في حاجة إلى المزيد من حملات توعية الجمهور لمساعدتنا على ترشيد استهلاك المياه؟

دايان ديفيس: كانت هناك بعض المحاولات. في الثمانينيات، في كاليفورنيا، أذكر أنَّهم قالوا إنَّه لا ينبغي لنا أن نفرغ المرحاض كثيراً. لذا؛ من الجانب التاريخي، جرى استخدام الحملات على مستوى الولاية. لكن الآن في ماساتشوستس، نسمع في الأخبار عن موجة الجفاف القياسية، لكني لم أرَ أي حملات تخاطب الجمهور. في الولايات المتحدة، لابد أن يبدأ ذلك على المستوى المحلي، فما من أحد يريد من الحكومة الفيدرالية أن تخبرهم بما يتوجب عليهم القيام به.

سارة غرين كارمايكل: ماذا عن طرق أخرى لحث الناس على ترشيد استهلاك المياه؟

دايان ديفيس: المياه لها ثمنها بالمال، لذا يمكن دوماً التعامل مع الأمر من خلال طريقة السوق. لكن هل يعني ذلك أنَّ من يستطيعون تحمّل التكلفة سيروون زهورهم، فيما لن يستطيع أصحاب الدخل المحدود تحمّل تكلفة المياه؟ هناك الكثير من الأسئلة المرتبطة بالعدالة فيما يتعلق بترشيد استهلاك المياه، ليس الغنى والفقر فقط، ولكن الحضر والريف أيضاً.

اقرأ أيضاً: التغير المناخي يحيل أنهار العالم أحواضاً موحلة

هناك مطوّرون يشترون الأراضي في جنوب كاليفورنيا من أجل حقوق المياه فقط. إنَّهم لا يريدون حتى استخدام الأرض للزراعة. هم يحصلون فقط على المياه. قد يكون لذلك تأثير مشوِش على أسواق العقارات. سيكون علينا التفكير بشكل أكبر في المقاييس التي نستخدمها لتقييم عقار بناءً على ما إذا كانت المياه تصل إليه أم لا. في المكسيك، مثلاً، لا يمكنك الحصول على تصريح بناء إلا إذا أثبتّ أنَّ لديك مصدراً للمياه.

كيف يمكننا تحفيز الخطوات المستدامة دون التدخل في ديناميكيات السوق بطرق يمكنها تكوين معارضة سياسية؟ هذا هو السؤال الكبير.

سارة غرين كارمايكل: هل هناك مناطق أخرى رأيتِ فيها منافسة بشأن المياه بين مجموعات مختلفة؟

دايان ديفيس: عملت في مشروع مع فريق من مهندسي تنسيق المواقع فضلاً عن محامين من أجل التعامل مع مشكلة استنفاد خزان مياه خارج مدينة مكسيكو. بحثنا في تلك النزاعات بين مصنع "كورونا" (Corona) للجعة، الذي تملكه شركة "إن بيف" (InBev)، والمزارعين المحليين. إذ يزرع المزارعون الشعير من أجل المصنع، لكنَّهم في حاجة للمياه لزراعة الشعير؛ والعاملون بالصناعة في حاجة للمياه لصنع الجعة.

اقرأ أيضاً: الجفاف الممتد من الصين إلى أميركا يهدد إمدادات الغذاء عالمياً

كانت وظيفتي في هذا الفريق التفكير في طرح آلية بديلة للتنسيق الإقليمي مبنية حول هذه السلسلة المتصلة من الخزانات. في المكسيك والعديد من الأماكن، تكون البلدية مسؤولة عن قرارات تراخيص المياه. لكنَّ البلدية أصغر من الخزان، في الواقع، في هذه المنطقة، كانت هناك 5 بلديات حول الخزان. لذا؛ فالتحدي يتمثل في التعامل مع مؤسسات سياسية من القرن التاسع عشر، على مستوى أراضي البلدية والولاية والحكومة الفيدرالية، في القرن الحادي والعشرين.

سارة غرين كارمايكل: على ذكر الحوكمة؛ هل هناك حلول مرتبطة بالحوكمة رأيتِ أنَّها ناجحة أو أنَّك ترغبين برؤية المزيد منها؟

دايان ديفيس: أود أن أرى بعض التجربة. هل هناك نماذج غير رسمية أو مشروعات مبدئية تضم تجمعات سكانية تشترك معاً في نفس الخزان لجس النبض في اتخاذ قرار بشأن الموارد الأساسية مثل المياه؟

المشكلة الأخرى هي أنَّ ندرة المياه قد تتسارع وتيرتها أو تتناقص، بناءً على ما يحدث في التغير المناخي. ربما سنحصل على الكثير من الأمطار، ثم يليها عامان من الجفاف. لذا؛ نحن في حاجة إلى آليات للحوكمة لا تتسم بالجمود.

سارة غرين كارمايكل: ماذا عن الحلول التكنولوجية؟

دايان ديفيس: هناك تكنولوجيا لمعالجة وتنقية المياه بشكل أكثر فعالية. هناك حلول مبنية على الطبيعة، مثل إعادة زرع نباتات مختلفة في هذه المناطق تسمح بمزيد من ترشيد استهلاك المياه. يمكننا أيضاً أن ننظر إلى مجتمعات السكان الأصليين والمزارعين التقليديين، ونعيد دمج بعض تقاليدهم في التفكير بترشيد استهلاك المياه. وهناك أيضاً ابتكارات في عالم الهندسة المعمارية حول تجميع المياه وحصاد مياه الأمطار.

هناك حلول دقيقة للمشكلة الأكبر أيضاً. يمكن لهذه الحلول أن تكون جزءاً من الحل بالتضافر مع الابتكار وإعادة التفكير في تصميم المباني والسياسة العامة من الحملات المحلية إلى تغييرات السياسة العامة الأكبر. علينا فقط المضي قدماً بأي طريقة ممكنة.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

واشنطن

5 دقائق

2°C
غيوم متناثرة
العظمى / الصغرى /
20.4 كم/س
68%
الآراء الأكثر قراءة