هل يكرر ترمب إخفاقات الرئيس ماكينلي إن رفع الرسوم الجمركية؟

أبحاث جديدة تظهر كيف أضر فرض ضرائب على الواردات قبل قرن بالإنتاجية وزاد التكاليف وجلب الفساد

time reading iconدقائق القراءة - 7
الرئيس الأميركي دونالد ترمب - بلومبرغ
الرئيس الأميركي دونالد ترمب - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

تشي عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بأن الرسوم الجمركية، وهي من أبرز ما يتبنى من قضايا، ستتصدر قريباً جدول أعمال السياسة الاقتصادية في واشنطن. لكن برغم تزايد الأدلة على أضرارها، وهو سبب معارضة اقتصاديين من أمثالي لها، ينبغي لنا أيضاً أن نقرّ بأنها قد تكون أدنى أثراً مما نميل لأن نظن.

وعد ترمب بفرض رسوم جمركية شديدة يبلغ أقصاها 60% على الصين، وأخرى أدنى من ذلك على شركاء تجاريين آخرين، وقد لقي هذا التوجه تأييداً بين بعض من نخبة المفكرين المحافظين. وهم يسوقون عدة حجج في ذلك، لكن واحدة منها على الأقل باتت موضع شك متزايد، وهي أن الرسوم الجمركية في القرن التاسع عشر، وقد بلغت 35% في تسعينيات ذلك القرن، ساعدت على جعل الولايات المتحدة قوةً صناعيةً.

إضرار بالإقتصاد الأميركي

تشير دراسة حديثة من المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية إلى أن ضرر الرسوم الجمركية على الاقتصاد ربما فاق نفعها. اعتمدت الدراسة على بيانات على مستوى القطاعات والولايات جُمعت بعناية بغرض تحري تأثير الرسوم الجمركية بجلاء لم يتحقق من قبل، وجاءت النتائج غير مشجعة.

كان من أهم استنتاجاتها أن إنتاجية الصناعات ذات الرسوم الجمركية الأعلى لم تكن أكبر، بل إنها كانت أدنى. لقد زادت الرسوم الجمركية عدد الشركات الأميركية في بعض القطاعات، إلا أنها أحدثت ذلك عبر حماية شركات صغيرة إنتاجيتها أضعف. ولم يكن هذا هو السبيل الذي أفضى لأن تصبح الولايات المتحدة قوة صناعية، كما أن استخدام سياسة تجارية للحفاظ على الشركات ذات الإنتاجية المنخفضة ينافي الحكمة، فهو لا يقتصر على إبطاء النمو الاقتصادي، بل يبقي العمال في وظائف محدودة الآفاق.

نقض الآراء الحمائية

تناقض هذه النتائج سردية الحمائيين التقليدية بأن الرسوم تسمح لأفضل الشركات بالنمو والسيطرة على السوق المحلية الكبيرة. في الواقع، أبقت الرسوم الشركات أصغر حجماً، وربما خفضت إنتاجية قطاع التصنيع الأميركي.

كما خلصت الدراسة إلى أن الرسوم الجمركية في تلك الحقبة رفعت أسعار المنتجات التي تُطرح محلياً، ومن شأن هذا أن يخفض مستوى المعيشة، وينبغي أن يدفع هذا إدارة ترمب الجديدة للتريث فقد فاز بانتخابات كان للتضخم حيز كبير من الاهتمام. تناقض مخرجات الدراسة المتعلقة بالتضخم حجةً رئيسيةً أخرى للحمائيين، مفادها أن الرسوم تفضي إلى خفض الأسعار المحلية عبر تمكين الشركات الأميركية من التوسع والاستفادة من وفورات الحجم. لكن ما حدث سابقاً كان على النقيض من ذلك.

وفصّلت الدراسة كيف كان التحشيد والطروحات ذات الأغراض السياسية من السمات الأساسية في التحول نحو رفع الرسوم الأميركية. لقد ارتبطت رسوم عديدة في تلك الحقبة بالحزب المسيطر على الكونغرس بدل أن تستند إلى منطق اقتصادي سديد. يحبذ ترمب الاستشهاد بالرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس ويليام ماكينلي، إلا أنها كانت دليلاً على تغليب النفوذ السياسي والمصالح الخاصة على استراتيجية سياسات تجارية مُحكمة.

التأثير طويل الأمد لرسوم ترمب

لا ينبغي لأحد أن ينتظر اختلافاً عن ذلك المشهد، إذ اشتهر ترمب باستخدام تفضيلاته السياسية الواضحة في خطابه وسياساته. ولن نُجافي المنطق إن توقعنا منحه معاملة تفضيلية من حيث الرسوم الجمركية للشركات والقطاعات المؤيدة له، فيما يكون أقل مساعدة لخصومه السياسيين.

مع ذلك، ورغم أن فكرة زيادة الرسوم الجمركية غير مرحب بها، يجب الاعتراف أيضاً بأن تأثيرها قد يكون محدوداً على مسار الاقتصاد الأميركي على المدى الطويل، تماماً كما الحال مع رسوم ماكينلي. فقد استمر حفاظ الولايات المتحدة على نقاط قوتها الأساسية، سواء خلال فترة فرض الرسوم أو لدى خفضها.

يثير هذا تساؤلاً أوسع حول مدى أهمية شق بعينه من السياسات الاقتصادية. في القرن التاسع عشر، كانت هناك عوامل كثيرة بخلاف الرسوم الجمركية تدفع الولايات المتحدة نحو نجاح صناعي أكبر، مثل سيادة القانون، ووفرة الموارد الطبيعية، وتقدم النظام التعليمي، والزيادة السريعة في عدد السكان. تختلف العوامل في يومنا هذا، لكن يبقى الاقتصاد الأميركي جاذباً للمواهب ويحقق تقدماً بارزاً في قطاعات تمتد من الذكاء الاصطناعي وصولاً إلى الطب الحيوي والترفيه. قد تبطئ الرسوم الجمركية تقدم أميركا، لكن لا يمكنها تقويضه.

التاريخ رواية ذات أوجه

لا شك أن المدافعين عن مقترحات ترمب المتعلقة بالرسوم الجمركية سيشككون بمخرجات هذه الدراسة. إلا أن عليهم ألا يقعوا في خطأ استخدام ما يصاحب هذه الحلقة من التاريخ الأميركي من افتقار لليقين كحجة لدعم الحمائية. عدم التيقن سمة مستدامة للتاريخ، وكانت رواية الحمائيين له في تأييد زيادة الرسوم الجمركية مجرد حكاية تفتقر لأدلة سببية قوية. أما الآن، بعد إخضاع هذه الرواية لفحص منهجي، فأصبح يصعب قبولها على عواهنها.

كما سبق أن أسلفت، نحن معشر الاقتصاديين ربما نبالغ أحياناً في تقدير تأثير سياسة اقتصادية بعينها، بينما يقلل أنصار الرسوم الجمركية من فوائد التجارة الحرة.

خلاصة

يناقش المقال سياسة الرسوم الجمركية التي يتبناها دونالد ترمب، ويقول إنها قد تتصدر جدول أعماله الاقتصادي عند عودته إلى البيت الأبيض، رغم الأدلة المتزايدة على أضرارها على الاقتصاد الأميركي.

ويرمي المقال إلى توضيح أن الرسوم الجمركية، التي يعتبرها البعض أداة لتعزيز الإنتاجية الصناعية، لم تؤدِ في الماضي إلى تحقيق هذا الهدف، حيث أشارت دراسة حديثة إلى أن الرسوم أدت إلى تراجع إنتاجية الصناعات وزيادة أسعار السلع المحلية، مما أثر سلباً على مستوى معيشة المواطنين.

كما يعرض المقال كيف ارتبطت سياسة الرسوم في القرن التاسع عشر بمصالح سياسية أكثر من كونها استراتيجية اقتصادية مدروسة، ويشير إلى أن هذا الوضع قد يتكرر مع ترمب، الذي يُحتمل أن يستخدم الرسوم لأغراض سياسية. وفي الختام، يعترف المقال بأن تأثير الرسوم على الاقتصاد الأميركي قد يكون محدوداً على المدى الطويل، لكن يجب التعامل مع الحمائية بحذر، إذ أظهرت الدراسات أن فوائدها المتوقعة أقل من المخاطر المرتبطة بها.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

واشنطن

9 دقائق

14°C
سماء صافية
العظمى / الصغرى 13°/16°
24.1 كم/س
53%