بعد أن شهدت مذبحة الحرب في أوكرانيا، تتسابق الولايات المتحدة وشركاؤها من الدول على إعادة تسليح نفسها، وذلك عبر زيادة ميزانية الدفاع، وتأمين سلاسل الإمداد والتوريد والتوسع في إنتاج السلاح.
ومع ذلك، ستضطر هذه الدول إلى تكريس الجهود نفسها لإنجاز مهمة أخرى حتى تردع أمثال روسيا والصين، وهي تجنيد القوات التي ستعمل على هذه الأسلحة.
منذ عدة سنوات تواجه الكثير من المؤسسات العسكرية المتقدمة صعوبة ومعاناة في تحقيق مستهدفات التجنيد، حيث فشلت المملكة المتحدة واليابان في استيفاء معدلات التجنيد على مدى 10 سنوات، ولم تصل اليابان بالكاد إلى نصف الرقم المستهدف في العام الماضي. وتحتاج المؤسسة العسكرية الألمانية إلى إضافة ما يزيد على 20 ألف جندي بحلول عام 2031.
تعثر الجيش الأميركي منذ عام 2022، وعجز عن تحقيق أهداف التجنيد بنسبة 25% و17% خلال العامين الماضيين، ثم قام بتخفيض الرقم المستهدف للعام الحالي. ويتوقع أسطول الولايات المتحدة، الذي ينتظر أن يلعب دوراً مركزياً في أي صراع في المحيط الهادئ، أن يسجل عجزاً يزيد على 4000 جندي.
أسباب مختلفة وراء الأزمة
تختلف العوامل وراء أزمة التجنيد باختلاف الدول. ومع ذلك هناك بعض الضغوط العامة التي تؤثر عليها. ففي آسيا وأوروبا، تؤدي العوامل الديموغرافية حتماً إلى تقليص مصدر المرشحين للتجنيد.
وتعتمد كوريا الجنوبية، وهي أكثر الأمثلة تطرفاً على ذلك، على التجنيد الإلزامي إلى حد كبير حتى توفر 200 ألف جندي سنوياً تحتاج إليهم لردع جيش كوريا الشمالية الأكبر حجماً. وخلال 20 عاماً فقط، ربما لن يوجد سوى 125 ألف شاب لشغل هذه الأماكن.
حتى في البلدان التي تشهد زيادة في أعداد السكان، مثل الولايات المتحدة، ينخفض عدد الشباب الذين يرغبون فعلاً في الانضمام للجيش وتتوافر فيهم المؤهلات العقلية والجسدية للخدمة العسكرية إلى حد الندرة، لا سيما عندما تتوفر الوظائف المدنية بأعداد كبيرة.
وتعاني الولايات المتحدة أيضاً من انخفاض عدد الشباب الذين يبحثون عن عمل، بالإضافة إلى تدهور الثقة في المؤسسة العسكرية، لأسباب ليست مفهومة بشكل كامل.
إذاً ما العمل؟
إدخال تعديلات على عملية التجنيد قد يساعد في حل هذه المشكلات. فقد ثبت أن استخدام عدد أكبر من الضباط الموهوبين في هذه العملية وتقديم مكافآت أفضل للمجندين من عوامل النجاح.
كما أن تركيز كبار القادة على هذه المسألة أمر بالغ الأهمية، وكذلك التسويق الأفضل لها. هذا بالإضافة إلى أن إتاحة خيارات متعددة وكثيرة بشأن موقع الخدمة قد يقنع بعض المرشحين للتجنيد بالالتحاق. وينبغي على الحلفاء تحليل ومشاركة البيانات المتعلقة بالاستراتيجيات الناجحة وسبب نجاحها.
من المهم عدم التهاون في مسألة الجودة، ففي حين أن معسكرات التدريب التحضيرية جعلت الآلاف من ذوي الأداء الضعيف في حالة جيدة تؤهلهم للانضمام إلى الجيش الأميركي، يجب على القادة أن يراقبوا بعناية أداء هؤلاء الجنود مع مرور الوقت.
كذلك ينبغي دراسة ما إذا كانت معايير التجنيد لا تزال منطقية بالنسبة لجميع المجندين أو ما إذا كان ممكناً إصدار مزيد من الإعفاءات الطبية للحالات منخفضة الخطورة مثلاً. وقد تملي الضرورة بعض التعديلات، فعلى سبيل المثال، تدرس اليابان تخفيف شروط اللياقة البدنية بالنسبة لضباط الأمن السيبراني.
ربما تحتاج المجتمعات المتقدمة في العمر إلى تدابير أكثر صرامة. وقد ينجح نظام "التجنيد الإلزامي الانتقائي" الذي تستخدمه النرويج والسويد مع بعض الدول، حيث يُطلب من جميع المواطنين التسجيل كمرشحين ولكن يتم اختيار النسبة المطلوبة فقط للخدمة.
تجنيد النساء وتقديم المزايا
هناك استراتيجية أكثر وضوحاً تتمثل في تجنيد المزيد من النساء، وهو ما سيتطلب معالجة المشكلات المنتشرة على نطاق واسع والمتعلقة بالتمييز والتحرش الجنسي وأزمة رعاية الأطفال.
كذلك ينبغي توسيع نطاق الاعتماد لبعض البرامج مثل تلك الموجودة في الولايات المتحدة وأستراليا، والتي توفر مساراً سريعاً للحصول على الجنسية بالنسبة للمهاجرين الذين يخدمون في الجيش.
على الرغم من أن الأسلحة الأوتوماتيكية تتقدم بسرعة، فمن غير المرجح أن تحل الروبوتات القاتلة محل الجنود في أي وقت قريب. فعلى المدى القصير إلى المتوسط، ستبقى الحاجة إلى وجود جنود على الأرض، ليس أقلها لقيادة المركبات غير المأهولة بأطقم القيادة وإدارة الدفاعات ضدها.
من ناحية أخرى، يجب على كبار الضباط أن ينظروا باستمرار في ما إذا كان تحويل مزيد من المهام إلى المدنيين أو المتعاقدين يمكن أن يقلل من عدد الأفراد النظاميين المطلوبين دون تأثير سلبي.
إن مجرد اعتماد برمجيات مدنية أكثر كفاءة لكشوف الرواتب والخدمات اللوجستية وغيرها من المهام يمكن أن يؤدي إلى توفير إضافي في العمالة.
وأخيراً، يجب على المؤسسات العسكرية أن تبذل جهداً كبيراً في الاحتفاظ بالعاملين بها بقدر ما تبذل من جهد في التجنيد والتوظيف.
ويمكن للمكافآت وتحسين السكن ورعاية الأطفال ومسارات الترقية الأسرع، أن تساعد في الحفاظ على كادر من القوات ذات الخبرة العالية والمدربة تدريباً عالياً وشديدة الحماس. وبالنظر إلى الجهد المطلوب لإقناع هؤلاء المواطنين بارتداء الزي العسكري، يجب كذلك منحهم كل الأسباب التي تدفعهم إلى الاستمرار في ارتدائه.