ديفيد فيكلينغ: قنبلة الميثان العالمية بدأت بالانفجار

البشرية تطلق 9.6 مليار طن متري من الكربون إلى الغلاف الجوي سنوياً، فضلاً عن 58 تريليون طن مخزن في البيئة

time reading iconدقائق القراءة - 8
ميثان منبعث من مدخنة احتراق غير مشتعلة بالقرب من بئر في شمال بيكوس، بولاية تكساس، أميركا - المصدر: بلومبرغ
ميثان منبعث من مدخنة احتراق غير مشتعلة بالقرب من بئر في شمال بيكوس، بولاية تكساس، أميركا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

رغم الأضرار الكبيرة التي تسببها البشرية عبر إنتاج الغازات الدفيئة، قد تبدو الأرقام المرتبطة بهذه العملية ضئيلة لدرجة يصعب تصورها. 

ففي كل عام نطلق حوالي 9.6 مليار طن متري من الكربون إلى الغلاف الجوي على شكل ثاني أكسيد الكربون، ولكن بالمقابل هناك حوالي 58 تريليون طن مخزنة في المواد العضوية والأحفورية في الغلاف الجوي والأرض والمحيطات.

لعدة عقود، قدمت هذه المعطيات إشارة إلى مستقبل مقلق؛ فمع زيادة حرارة كوكب الأرض، نواجه خطر تغير الظروف الحساسة التي تحتجز هذه التريليونات من الأطنان في التربة والنباتات والمياه البحرية.

إذا تعرض هذا التوازن للخلل بشكل كبير، قد نطلق العنان لانبعاث هذه المخزونات الطبيعية الهائلة، بما يشبه زجاجة صودا تحدث فوراناً عند فتحها. والنتيجة قد تكون "قنبلة ميثان"، تتمثل في إطلاق سريع ومدمر للغازات الدفيئة، ما يمكن أن يحبط أفضل جهودنا في السيطرة على الاحترار.

حتى الآن، كانت هناك أدلة محدودة ومشجعة على أن ما يُسمى بالتغذية الراجعة المناخية (وهي العمليات الطبيعية التي يؤدي فيها تغير المناخ إلى تسريع الاحترار في دوامة تتفاقم ذاتياً) تحدث على نطاق يثير القلق.

وجدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في تقييمها الأخير لعام 2021 أن التغذية الراجعة التي تسبب الاحترار، وتلك التي تسبب التبريد تتوازن تقريباً؛ فمع ارتفاع درجات الحرارة، يُطلق المزيد من رذاذ البحر والغبار والجزيئات الدقيقة الأخرى إلى الغلاف الجوي، مما يساعد على انعكاس المزيد من أشعة الشمس إلى الفضاء. كما أن كوكباً أكثر دفئاً يشع طاقة أكبر، بفضل تأثير جانبي لميكانيكا الكم، ما يُعد كافياً لمواجهة آثار أي "قنابل ميثان" محتملة.

مع ذلك، فإن هذا الافتراض غير مؤكد للغاية، وهناك دلائل مثيرة للقلق تشير إلى أن الوضع قد يكون آخذاً في التغير.

مصدران للميثان

لنأخذ على سبيل المثال الأدلة التي قدمها فريق بقيادة باحثين من جامعة "كولورادو بولدر" الأسبوع الماضي، حيث درسوا التغير في نسب نظيرين من الكربون في الميثان، وهو أحد الغازات الدفيئة القوية ويسبب حوالي ربع الاحترار الحالي. 

يمكن أن يصدر الميثان (المعروف بالرمز CH4) من الآبار النفطية المتسربة ومناجم الفحم، ولكنه يُنتج أيضاً بواسطة الميكروبات في أمعاء الأبقار، وفي أوحال حقول الأرز ومكبات النفايات، وكذلك عبر العمليات الطبيعية في المستنقعات وغيرها من الأراضي الرطبة.

تختلف نسب النظائر في الميثان الناتج عن المواد الأحفورية عنها في المصادر الطبيعية، لذا فإن التحليل الدقيق للغازات الجوية في محطات مثل "مونا لوا" في هاواي يمكن أن يحدد تقريباً مصدر هذه الانبعاثات.

هناك أدلة وافرة على فشل محاولات الحد من انبعاثات الميثان الصادرة عن المواد الأحفورية، لكن الباحثين يشيرون إلى أن هذا لم يكن السبب الرئيسي لزيادة الانبعاثات في السنوات الأخيرة. فقد ارتفعت تركيزات الميثان في الغلاف الجوي بمعدل قياسي منذ عام 2020، ووجد الباحثون أن العمليات الطبيعية هي السبب؛ وهي أن "زيادة الميثان بعد عام 2020 ناجمة بشكل شبه كامل عن زيادة الانبعاثات الميكروبية".

لم يتمكنوا من تحديد ما إذا كانت هذه الميكروبات تستوطن المزارع ومكبات النفايات التي يتحمل الإنسان مسؤوليتها مباشرة، أم في الأراضي الرطبة التي لا نملك السيطرة الكبيرة عليها. ومع ذلك، تشير أدلة أخرى إلى الاحتمال الأخير.

لاحظت دراسة عام 2022، تسارع في تركيزات الميثان في عام 2020، على الرغم من أن معظم الوقود الأحفوري شهد تراجعاً كبيراً نتيجة جائحة "كوفيد-19"، بينما زاد إنتاج النفايات بمعدلات طبيعية.

هذا يشير إلى أن الطقس الأكثر مطراً (الذي يزيد مساحة الأراضي الرطبة) وارتفاع درجات الحرارة (الذي يزيد نشاط الميكروبات المنتجة للميثان) قد يكونان العاملين الرئيسيين. وجدت دراسة أخرى في العام الماضي، بعد إضافة ملاحظات الطقس الأخيرة في نموذج يحسب كميات الميثان التي تنتجها المستنقعات، أن هذه الأراضي تنبعث منها الغازات بمعدلات تتماشى مع بعض التوقعات الأكثر تشاؤماً لمناخ أكثر دفئاً.

انبعاثات من بيئات نائية

يتعلق العديد من السيناريوهات الأكثر إثارة للخوف لهذه التغذية الراجعة المناخية بإطلاقات غازية من بيئات نائية يعرفها القليلون، مثل التربة المجمدة في القطب الشمالي، أو رواسب الميثان المجمدة المدفونة تحت المحيط. لكن الأدلة تشير إلى أنه ينبغي أن نولي اهتماماً مماثلاً للبيئات الرطبة الشائعة، مثل مستنقعات سوندربان في البنغال، وإيفرغليدز في فلوريدا، ودلتا النيجر في نيجيريا، والأراضي الرطبة في نورفولك برودز بالمملكة المتحدة.

لطالما اعتمدنا على هذه البيئات الطبيعية لامتصاص الكربون الأحفوري الذي ننتجه. لكن ليس هناك سبب يدعو للاعتقاد أنها ستستمر في ذلك. فقد أدت حرائق الأمازون، وضعف امتصاص الكربون من قبل الغطاء النباتي في نصف الكرة الشمالي إلى توقف شبه كامل لهذه "المغسلة الكربونية الأرضية" العام الماضي. وقد يكون الكوكب الأكثر دفئاً يفقد قدرته على امتصاص التلوث الناجم عن أنشطتنا.

تتجاوز التدفقات الطبيعية للكربون بين التربة والنباتات والمحيطات والغلاف الجوي بكثير كميات الانبعاثات التي تنتجها الصناعة في العالم بأسره. ولكن بمرور الأعوام، تدفع انبعاثاتنا المتواضعة نسبياً هذه الدورات الطبيعية القديمة نحو فقدان التوازن. وإذا تحولت هذه الدورات ضدنا، فقد تكون الآثار مدمرة. كنا نرقص على ظهر وحش نائم، ويبدو أنه قد بدأ يستيقظ.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

كولورادو

3 دقائق

-3°C
غيوم قاتمة
العظمى / الصغرى -3°/-2°
12.2 كم/س
74%
الآراء الأكثر قراءة