الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يقود السياسة النقدية معصوب العينين

سياسات ترمب بشأن الرسوم الجمركية والضرائب تفاقم المخاطر

time reading iconدقائق القراءة - 7
إحدى محطات التلفزيون تبث في قاعة تداول بورصة نيويورك كلمة جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، بعد اجتماع للجنة السوق المفتوحة الفيدرالية بتاريخ 18 ديسمبر 2024، نيويورك، الولايات المتحدة الأميركية - بلومبرغ
إحدى محطات التلفزيون تبث في قاعة تداول بورصة نيويورك كلمة جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، بعد اجتماع للجنة السوق المفتوحة الفيدرالية بتاريخ 18 ديسمبر 2024، نيويورك، الولايات المتحدة الأميركية - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

في الأوقات العادية، تُشبه إدارة السياسة النقدية قيادة سيارة وسط حالة ضبابية كثيفة من عدم اليقين، حيث يكون لديك فكرة عامة عن وجهتك، لكنك تتحرك ببطء لتجنب الحوادث. في الوقت الحالي، يبدو الأمر أشبه بقيادة سيارة سائقها معصوب العينين تماماً ومع فرامل معطلة. تعد الخطوة الأكثر حكمة في مثل هذه الظروف هي التوقف.

من خلال قراره في 18 ديسمبر، خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس لتصل إلى نطاق 4.25% و4.50%، وهي تعديلات مناسبة بالنظر إلى التراجع الكبير في التضخم في الولايات المتحدة مقارنة بذروتها خلال 2022. لكن لا أحد يعرف ما الذي سيحدث لاحقاً، وأنا أعني قول لا أحد. السمة الأبرز لتوقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الاقتصادية الأخيرة كانت عدم اليقين المحيطة. يشير التوقع الأوسط لأعضاء لجنة تحديد أسعار الفائدة حالياً إلى أن التقدم المحرز لكبح التضخم سيتباطأ بصورة ملحوظة خلال 2025، وأن البنك المركزي الأميركي سيكتفي بتخفيض أسعار الفائدة مرتين فقط بحلول ديسمبر من العام المقبل.

لكن من بين 19 عضواً من مجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي ورؤساء فروعه الإقليمية، يرى 15 عضواً في الوقت الراهن أن المخاطر المتعلقة بتوقعاتهم بشأن بيانات التضخم الأساسية لنفقات الاستهلاك الشخصي تميل إلى الاتجاه الصعودي، في أعلى مستوى منذ 2022. كما أشار 14 عضواً إلى أن عدم اليقين بشأن هذا المؤشر، الذي يُعتبر المقياس المفضل للتضخم لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، قد زاد منذ آخر استطلاع رأي لهم خلال سبتمبر الماضي.

لماذا أصيب الجميع فجأة بحالة من عدم اليقين؟ 

أولاً، ظهو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب. رغم حرص رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول على تجنب التعليق على الأمور السياسية، إلا أن أجندة ترمب تُضيف مجموعة مخاطر مزدوجة. ربما يسفر تهديده بفرض رسوم جمركية على نطاق واسع على شركاء الولايات المتحدة الأميركية التجاريين بصورة آلية عن رفع مستويات الأسعار. رغم ذلك، إذا نظرنا إلى فترة رئاسة ترمب الأولى، نجد أن الحرب التجارية التي أشعلها دفعت بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى خفض أسعار الفائدة استجابة للاضطرابات في الأوضاع المالية واحتمال تراجع استثمارات الشركات.

استعرض باول خلال المؤتمر الصحفي تفاصيل من بحوث بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي تعود لسنة 2018 تشير إلى ضرورة تجاوز التضخم الناتج عن الرسوم الجمركية. رغم ذلك، فإن هذا المناخ مختلف بصورة جلية عن فترة ما قبل وباء كورونا بطرق عدة، إذ تأثرت توقعات التضخم في الولايات المتحدة على مدى السنوات الأربع الماضية. كما وعد دونالد ترمب بتمديد التخفيضات الضريبية التي أُقرت 2017 وربما إضافة تخفيضات جديدة، وهو ما قد يعزز نمو الاقتصاد الأميركي ويُفاقم التضخم في الولايات المتحدة، لا سيما إذا كانت هذه التخفيضات مموّلة عن طريقة عجز الميزانية. علاوة على ذلك، هدد ترمب بترحيل جماعي للمهاجرين غير النظاميين، ما قد يقلص القوى العاملة.

بيانات التضخم المتذبذبة

ثانياً، تبرز الطبيعة المتذبذبة لبيانات التضخم نفسها، وهو الخطر الذي أشار إليه باول بوضوح. وعندما سُئل عما إذا كان عدم اليقين بين المسؤولين يعود بالكامل إلى ترمب، قام بتذكير الصحفيين بأن البيانات الأخيرة للتضخم كانت بعيدة عن المثالية. ارتفع مقياس التضخم الأساسي لنفقات الاستهلاك الشخصي بنسبة عالية للغاية بلغت 0.3% في كل من سبتمبر وأكتوبر الماضيين. رغم أن الوتيرة ربما تكون هدأت خلال نوفمبر المنصرم، فإن النتيجة النهائية هي أن التضخم الفعلي سيتجاوز بالتأكيد توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي السابقة خلال 2024. وتشير التجربة الحديثة إلى أن مفاجآت صعود التضخم تتركز غالباً خلال الربع الأول من السنة، رغم محاولات لتعويض هذه الاتجاهات من خلال عمليات تعديل التقييمات على أساس موسمي. عموماً، أعتقد أن باول سلط الضوء على هذه التقلبات في البيانات جزئياً لتجنب تلقي الكثير من الأسئلة حول ترمب، ولكنه محق في أن البيانات كانت محبطة.

ثالثاً، هناك حالة عدم اليقين بشأن كيفية تأثير بيئة أسعار الفائدة فعلياً على الاقتصاد الأميركي. جادل بعض أعضاء لجنة تحديد أسعار الفائدة بأن العالم قد تغير جذرياً خلال السنوات الأخيرة، وأن أسعار الفائدة الحالية قد تكون قريبة بالفعل من المعدل "المحايد"، وهو المستوى الذي لا يحفز ولا يقيد نمو الاقتصاد، بل يكون له تأثير متوازن. كما قال باول: "نحن أقرب بطريقة كبيرة إلى نقطة الحياد"، لكننا أيضاً ما نزال في نطاق تقييدي للاقتصاد بصورة ملموسة". لا يهم معنى هذا الكلام المبهم.

الاقتراب من سعر فائدة محايد

يعتقد آخرون أننا ربما نكون قد اقتربنا بالفعل من نقطة الحياد. صرحت بيث هاماك، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند، والمعارضة الوحيدة لخفض سعر الفائدة، الشهر الحالي قائلة: "ربما لا نكون بعيدين جداً عن المستوى الحيادي حالياً". وذكرت ميشيل بومان، عضوة مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي، في نوفمبر الماضي أنه "ربما نكون أقرب إلى سعر فائدة محايد مما نعتقد حالياً".

الخلاصة من كل هذا هي أن الخيار الأفضل لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي هو إيقاف السيارة تماماً، وقد أشاروا إلى إمكانية القيام بذلك. ففي تصريحاته، قال باول إن البنك المركزي الأميركي "عند أو قريب من النقطة التي سيكون من المناسب فيها إبطاء وتيرة التعديلات الإضافية". لا أعتقد أن هذا يعني بالضرورة بقاء أسعار الفائدة معلقة عند هذا المستوى إلى أجل غير مسمى. تذكروا أن هناك سيناريو يمكن أن يؤدي فيه تنفيذ أجندة ترمب في نهاية المطاف إلى تباطؤ اقتصادي وتخفيض أسعار الفائدة. يعتمد الأمر برمته على أي من وعود حملته الانتخابية سيفي بها. وكل ما نعرفه هو أننا لا نعرف بما يكفي، وباول نفسه في حيرة من أمره مثل كثيرين في الأسواق.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

واشنطن

2 دقائق

-1°C
غيوم قاتمة
العظمى / الصغرى -2°/
3.2 كم/س
76%
الآراء الأكثر قراءة