وصف العديد من المراقبين السقوط الدراماتيكي لحكومة ميشيل بارنييه في فرنسا بأنه ليس مجرد أزمة سياسية، بل أيضاً أزمة اقتصادية ومالية. بينما يشير ذلك إلى انقسامات سياسية كبيرة لن تلتئم قريباً وستقوض النمو، فإن هذه ليست "لحظة ترَس" بالنسبة لفرنسا ولن تؤدي إلى تكرار أزمة الديون الأوروبية خلال 2012.
من المقرر أن يستقيل رئيس الوزراء الفرنسي بعد خسارته تصويت حجب الثقة في الجمعية الوطنية، والذي جاء نتيجة محاولته فرض الميزانية بالقوة، ما يجعله صاحب أقصر فترة ولاية في تاريخ الجمهورية الفرنسية الحديثة. في الوقت نفسه، بما أن القانون الفرنسي يحظر إجراء انتخابات قبل يوليو المقبل، سيُعين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بديلاً له.
يُعد هذا الجزء من التوقعات السياسية واضحاً للغاية، كما هو الحال مع التنبؤ بأنه مع برلمان منقسم بشدة، من غير المحتمل أن يحقق بديل بارنييه أي تقدم ملحوظ. سيؤدي ذلك إلى زيادة الضغوط على ماكرون للاستقالة، وهو أمر يعارضه قطعاً لأنه يرى نفسه حارساً لاستقرار فرنسا.
الجمود السياسي في فرنسا
تُعد هذه التركيبة غير المستقرة وغير المستدامة في نهاية المطاف محور المخاوف بشأن الجمود السياسي الذي تعاني منه فرنسا حالياً. لكن عند الجمع بين هذا الوضع السياسي غير المستقر والواقع الاقتصادي والمالي المتعثر -عجز في الميزانية 6% وبطالة تتخطى 7% ونسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي 112%، ونمو ضعيف عند 1%- فإن المخاوف تتجاوز حدود السياسة.
مرت سنتان فقط على تطورات سياسية في المملكة المتحدة تتعلق بالميزانية وتسببت في اضطرابات مالية كادت تدمر نظام المعاشات التقاعدية في البلاد. ولم يمض سوى أكثر من 10 سنوات على معركة منطقة اليورو مع أزمة ديون حكومية هددت وحدتها.
لكن أياً من هذه الأمثلة لا ينطبق على فرنسا. "لحظة ترَس" في بريطانيا تضمنت مبادرة سياسية زادت من تدهور الوضع المالي السيئ بالفعل. تزامن ذلك مع فترة من عدم الاستقرار المالي العالمي، ولم يكن لدى بريطانيا إمكانية الوصول إلى دعم خارجي. في المقابل، كان بارنييه يحاول تحسين وضع مالي سيئ. يأتي سقوطه في وقت تسود فيه حالة من النشوة المالية العالمية. كما أن فرنسا تستفيد من "التأمين المشترك" الذي يُعتبر جزءاً أساسياً من هيكل اقتصاد منطقة اليورو.
جرى تقوية هذا التأمين المشترك بصورة كبيرة منذ أزمة 2012 المالية. شمل ذلك ليس فقط فهماً أعمق لهشاشة المنطقة، ولكن أيضاً اكتساب خبرة مهمة في إدارة الأزمات عززها إجراء تحسينات مؤسسية.
التداعيات الاقتصادية للأزمة السياسية
لكن هذا لا يعني أن حالة عدم اليقين السياسي الحالية تخلو من التداعيات الاقتصادية. فمن المرجح أن تؤدي التطورات السياسية الأخيرة إلى تثبيط الاستثمارات وجعل الأسر أكثر حذراً في إنفاقها، ما يُخفض من معدل النمو الاقتصادي الضعيف أصلاً. ستزيد تكاليف الاقتراض المرتفعة من تدهور القوة الدافعة للاقتصاد في البلاد. في الوقت الراهن، بلغ فارق العائد على السندات الحكومية الفرنسية -مؤشر مقبول يرصد المخاطر السيادية- أعلى مستوياته مقارنة بألمانيا منذ أزمة الديون الأوروبية. يصل هذا الفارق لمستويات مشابهة لليونان، وهو تطور كان لا يمكن تصوره سابقاً، ويتجاوز بكثير مستويات أيرلندا والبرتغال وإسبانيا، (كانت جميعها توصف بـ"الهامشية" خلال 2012).
يشكل النمو البطيء في فرنسا -ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا- أخباراً سيئة للمنطقة. ينطبق هذا بصفة خاصة على ألمانيا -أكبر اقتصاد في المنطقة- التي تستعد لانتخابات. لا تتمتع أي من الدولتين بالقدرة على قيادة الإصلاحات اللازمة لتعزيز التنافسية والإنتاجية في أوروبا، ما يضع القارة في موقف أضعف في التفاوض على القضايا التجارية وغيرها مع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب المقبلة.
لا يوجد قدر كبير من التفاؤل إزاء اقتصاد يدور في حلقة مفرغة إذ تُفسد السياسة الفوضوية الاقتصاد الذي يواجه بالفعل تحديات، والعكس صحيح. هذا ما وصلت إليه فرنسا حالياً. لكن هذه ليست لحظة الوصول لأزمة مالية.