ليام دينينغ: هل بات الغرافيت قضية أمن قومي للولايات المتحدة؟

هيمنة الصين على سلسلة توريد تلك المادة المستخدمة في السيارات الكهربائية والمحركات النفاثة صار مبعث قلق كبير لواشنطن

time reading iconدقائق القراءة - 6
مادة الغرافيت - المصدر: بلومبرغ
مادة الغرافيت - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

لا يظهر الغرافيت، المادة الموجودة في أقلام الرصاص، في الموضوعات والأخبار المثيرة عادةً؛ فهي حكر على مواد مثل اليورانيوم والذهب. لذا لا يتوقع المرء من عضو في مجلس الشيوخ أن يتحدث عنها في مؤتمر صحفي غامض إلى حد أن يبدأ كلمته بعبارة: "الديكتاتوريون قادمون".

المتحدث كان دان سوليفان، العضو الجمهوري عن ولاية ألاسكا بلجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ. كان سوليفان يتحدث في غرفة اجتماعات عادية في مبنى الكونغرس الأسبوع الماضي، عند الإعلان عن صفقة بين شركة "غرافيت وان" (Graphite One)، وهي شركة ناشئة تجري دراسة جدوى على أحد مكامن الغرافيت الكبرى في ألاسكا-الأكبر في أميركا الشمالية- و"لوسيد غروب"، وهي شركة مصنعة للسيارات الكهربائية الفاخرة.

باعتبارها اتفاقية تجارية، تعد هذه خطوة حاسمة لشركتين لديهما طموحات كبيرة، ولكن لا يزال أمامهما الكثير لتحقيقه.

كان سوليفان يذكّر الحضور بالأهمية الكبيرة لهذه الصفقة. وقال إنه في الليلة السابقة، وعلى بعد آلاف الأميال في سماء بحر بيرنغ، اعترضت طائرات مقاتلة أميركية وكندية دورية مشتركة لقاذفات روسية صينية في المجال الجوي الدولي بالقرب من ألاسكا، وهي المرة الأولى التي تجري فيها هاتان الدولتان مثل هذه التدريبات المشتركة على أعتاب القطب الشمالي من ناحية أميركا الشمالية.

معدن يزداد أهمية

يكتسب الغرافيت أهمية لخموله (عدم تفاعله مع العناصر الكيماوية الأخرى)، وهو محور التقارب المتزايد بين السيطرة على المعادن الحيوية، وتحول الطاقة، والأمن القومي.

الغرافيت هو أحد أشكال الكربون، وأكبر مكونات بطارية السيارات الكهربائية وزناً، ويشكل معظم حجم الأنود (القطب الذي يمتص أيونات الليثيوم في أثناء الشحن ويطلقها عندما تكون هناك حاجة إلى الطاقة). كما أن له تطبيقات دفاعية-مثل مكونات المحركات النفاثة التي تعمل على تشغيل الطائرات أو الصواريخ الاعتراضية.

وسيطرة الصين على سلاسل توريد الغرافيت العالمية، من حيث الإنتاج أو التكرير، هي الأشد إحكاماً بين جميع المعادن الحرجة الرئيسية اللازمة للبطاريات، في حين أن الولايات المتحدة لم تستخرج الغرافيت منذ عقود عديدة.

تمثل الصفقة بين "غرافيت وان" ولوسيد" المرة الأولى التي يزود فيها مصدر أميركي للغرافيت تلك المادة، لشركة أميركية مصنعة للسيارات الكهربائية.

حتى مع إجراء دراسة الجدوى على مكمنها في ألاسكا-بمساعدة منحة من البنتاغون، على وجه الخصوص-تخطط "غرافيت وان" أيضاً لتطوير مصنع في أوهايو لإنتاج الغرافيت الاصطناعي (المشتق من البتروكيماويات). في غضون ذلك، تهدف "لوسيد" إطلاق سيارة كهربائية رياضية متعددة الاستخدامات بسعر أقل من 50 ألف دولار خلال عامين، من أجل زيادة الإنتاج ووقف الخسائر. 

ومع ذلك، يواجه جميع مصنعي السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة احتمال تشديد الشروط على الإعانات بالغة الأهمية للبطاريات-وبالتالي زيادة كلفتها-عندما تنتهي الإعفاءات الحالية على استخدام المواد المستوردة من الصين في 2027.

ومن خلال الموافقة المشروطة على أخذ خمس إنتاج المرحلة الأولى من مصنع أوهايو، تساعد "لوسيد" مورداً محلياً محتملاً في جهوده لتأمين تمويل المشروع. قفزت أسهم "غرافيت وان" بمقدار الثلث لدى الإعلان عن الصفقة.

تحول الطاقة

كان تحول الطاقة بالتأكيد أحد الموضوعات التي تناولتها الخطابات المختلفة في غرفة الاجتماعات تلك الأسبوع الماضي، لكنه لم يكن الموضوع المهيمن. كان جميع أعضاء الكونغرس من ألاسكا حاضرين. وبالإضافة إلى سوليفان، تناولت عضو مجلس الشيوخ ليزا موركوفسكي، التي راحت تلوح بقطعة من الغرافيت المستخرج من ألاسكا على المنصة، بالإضافة إلى عضو مجلس النواب الديمقراطية ماري بيلتولا، موضوعات متشابكة تتعلق بأمن المناخ والأمن القومي.

نظراً للفجوة الهائلة بين مواقف الجمهوريين والديمقراطيين بشأن تحول الطاقة، فمن السابق لأوانه أن نستعرض الجانب الحزبي هنا.

لكن توجيه الإنتاج، بما في ذلك التكنولوجيا النظيفة ومدخلاتها إلى الداخل، ومواجهة التحدي الاستراتيجي الذي تمثله الصين، يلقيان قبولاً لدى الجانبين على ما يبدو، وهو شيء لن تجده فقط في وفد مشرعي ألاسكا، ولكن أيضاً في الاستراتيجية الخضراء للبيت الأبيض، وجهود عضو مجلس الشيوخ الجمهوري بيل كاسيدي من لويزيانا لاحتواء الصين، وتعزيز الصادرات الأميركية، من خلال الرسوم الجمركية على الكربون، أو عذراً "التلوث".

لكن مثلما توضح الإعفاءات الحالية من متطلبات المحتوى المحلي للغرافيت، فإن الاستغناء عن سلاسل التوريد الصينية مع تعزيز استخدام التقنيات النظيفة في الوقت نفسه يمثل معضلةً هائلة. وإذا نظرنا إلى الأمر ببساطة من خلال منظور التكلفة، فإن التنافس مع منتجين صينيين يتمتعون بسبق دخول في هذا المجال قبل عقدين، وسياسة بكين الصناعية، يكاد يكون من المستحيل تبريره، وخاصة بالنسبة للمصرفيين ذوي العقلية التجارية. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل التحدي الاستراتيجي الذي تفرضه الصين، وخاصة بالتزامن مع العداء الصريح الذي تبديه روسيا، وما بينهما من تقارب حالياً.

تقاطع الطاقة مع السياسة

بالتالي، فإن بناء سلسلة توريد المعادن الحيوية والتكنولوجيا النظيفة في الولايات المتحدة يستلزم بالضرورة مزيجاً من الدعم الحكومي الاستراتيجي والتمويل الخاص لإخراجها إلى حيز الوجود.

رغم الاختلاف بينهما، فهناك رابط مباشر وقاتم بين تلك المواجهة في السماء بالقرب من ألاسكا وصفقة "غرافيت وان" مع "لوسيد"، وليس فقط بسبب التوقيت الغريب.

فتحول نظامنا العالمي للطاقة والانتقال إلى عصر جديد من المنافسة الجيوسياسية، أصبحا مرتبطين ارتباطاً متزايداً.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

تغيير حجم الخط

جونو

-5°C
غيوم قاتمة
العظمى / الصغرى -5°/-5°
10.1 كم/س
100%

الصين تتيح تصدير بعض المعادن الحيوية قبل فرض قيود على الغرافيت

الدولة صدرت 44 طناً من الجيرمانيوم و94 طناً من الغاليوم خلال 2022 بأكمله

time reading iconدقائق القراءة - 3
رقاقة سيليكون معروضة في \"هانا ميكرون فينا\"، وهي وحدة فيتنامية تابعة لشركة \"هانا ميكرون\"، في مجمع فان ترونج الصناعي، مقاطعة باك جيانغ، فيتنام - المصدر: بلومبرغ
رقاقة سيليكون معروضة في "هانا ميكرون فينا"، وهي وحدة فيتنامية تابعة لشركة "هانا ميكرون"، في مجمع فان ترونج الصناعي، مقاطعة باك جيانغ، فيتنام - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

صدّرت الصين كميات ضئيلة من معدنين رئيسيين يُستخدمان في صناعة التكنولوجيا الفائقة خلال أكتوبر، لتستأنف بذلك المبيعات بعد توقف دام شهرين بسبب القيود التي فرضتها بكين.

فرضت الصين قيوداً على الجرمانيوم والغاليوم ومركباتهما الكيميائية، المستخدمة في تصنيع أجزاء الرقائق الإلكترونية ومعدات الاتصالات والسيارات الكهربائية، في الأول من أغسطس لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وسط تصعيد الصين حربها التجارية مع الولايات المتحدة وأوروبا.

ويُتوقع أن تدخل مجموعة أخرى من ضوابط التصدير على الغرافيت، وهي مادة رئيسية لبطاريات السيارات الكهربائية، حيز التنفيذ في الأول من ديسمبر.

بالنسبة للجيرمانيوم والغاليوم، يتعين على المصدرين الصينيين الآن التقدم بطلب للحصول على تراخيص من الحكومة، وتقديم تفاصيل حول عملائهم في الخارج، وكيفية استخدام المعادن.

اقرأ أيضاً: الغاليوم والجرمانيوم.. معدنان متخصصان تضررا من قيود الصين

شهد أكتوبر تسجيل كميات صغيرة من الصادرات، بعد أن اقتربت من صفر خلال أغسطس وسبتمبر، وفقاً لأحدث بيانات إدارة الجمارك الصينية. بلغت صادرات الجرمانيوم 0.65 طن مقارنة بـ8.78 طن في يوليو، فيما وصلت صادرات الغاليوم إلى 0.25 طن مقارنة بـ7.58 طن خلال يوليو.

صدّرت الصين 44 طناً من الجيرمانيوم، و94 طناً من الغاليوم، خلال 2022 بأكمله.

تُعد الصين أكبر مستورد للسلع الأساسية في العالم، لأن استهلاكها للطاقة والمعادن والحبوب يفوق بكثير إنتاجها المحلي. لكنها تتمتع بميزة كبيرة من حيث القدرة الإنتاجية والتجهيزية لأحد أجزاء أسواق المواد الخام، والتي تتمثل في المعادن الحيوية المستخدمة في صناعات التكنولوجيا الفائقة.

أداة مفيدة

أثبتت هيمنة الصين على سوق المعادن الحيوية أنها أداة مفيدة في حربها التجارية ضد الولايات المتحدة على مر السنين. لكنها أجبرت اقتصادات، مثل الولايات المتحدة وحلفائها، على البحث عن مصادر جديدة للمعادن و"التخلص من المخاطر" التي تلاحق سلاسل توريدها.

بالرغم من تحسن العلاقات المتوترة بين بكين وواشنطن، إلى حد ما بعد لقاء الرئيسين شي جين بينغ وجو بايدن في سان فرانسيسكو الأسبوع الماضي، إلا أن تأثير ذلك على المنافسة التكنولوجية لا يزال غير مؤكد.

تواصل الولايات المتحدة محاولة تقويض قدرة الصين على حيازة أشباه الموصلات المتقدمة اللازمة لمعالجات الحواسيب، كذلك تصدير ألواحها الشمسية. كما أطلق الاتحاد الأوروبي تحقيقاً في الدعم الحكومي الصيني المقدم لشركات صناعة السيارات الكهربائية.

اقرأ أيضاً: عمالقة أشباه الموصلات يسعون لتخفيف القيود على مبيعاتهم للصين

تشير مذكرة صادرة عن "بلومبرغ إن إي إف" إلى أن قيود الصين الوشيكة على الغرافيت ليست كبيرة بالقدر الذي كان متوقعاً، لأنها "تستهدف منتجات الغرافيت الطبيعية، بدلاً من تلك الاصطناعية التي تشكل الجزء الأكبر من صادرات الصين".

مع ذلك، فإن هذه الخطوة قد تدفع كبار المستوردين، مثل كوريا الجنوبية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى تطوير مصادر بديلة، حسب "بلومبرغ إن إي إف".

بلغ متوسط صادرات الصين من الغرافيت الذي سيخضع للقيود نحو 17 ألف طن شهرياً هذا العام، بحسب بيانات الجمارك. وفي المقابل، بلغ متوسط صادرات الغرافيت الاصطناعي 47 ألف طن.

تصنيفات

قصص قد تهمك

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.