خافير بلاس: استهلاك السعودية ورقة جديدة تحدد ذروة سوق النفط

خفض السعودية لاستهلاك النفط يعني الاضطرار إلى الاستغناء عن محطة "الشعيبة" ومثيلاتها المستخدمة في إنتاج الكهرباء باستخدام الخام

time reading iconدقائق القراءة - 13
صورة لشعار أرامكو السعودية في منشأة نفطية تابعة للشركة في بقيق. المملكة العربية السعودية - المصدر: رويترز
صورة لشعار أرامكو السعودية في منشأة نفطية تابعة للشركة في بقيق. المملكة العربية السعودية - المصدر: رويترز
المصدر:بلومبرغ - مقال رأي

محطة "الشعيبة"، المجمع الضخم الذي يضم غلايات عملاقة ومداخن شاهقة، تعد معقل القوى التي تعيد صياغة سوق الطاقة. تقع المحطة بالمملكة العربية السعودية، وهي أكبر مولّد للكهرباء يعتمد على النفط في العالم. تستهلك المحطة عند ذروة تشغيلها حوالي 200 ألف برميل يومياً، وهو مستوى كافٍ للغاية لتلبية الاستهلاك اليومي لدولة أوروبية صغيرة بحجم البرتغال.

بالإشارة إلى التوقعات أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى ذروته في السنوات الخمس المقبلة، بحسب وكالة الطاقة الدولية مؤخراً، فالأمر يحتاج إلى أكثر من مجرد الاعتماد الجماعي على السيارات الكهربائية. من المفارقات، أن الرياض ستضطر إلى خفض استخدام مصدر الطاقة الخاص بها (ستقلص استخدام النفط في محطات الكهرباء)، ما سيجعل محطة "الشعيبة" ومحطات الكهرباء على شاكلتها ضرباً من الماضي.

الكمية الهائلة من النفط التي يستهلكها السعوديون- 3.7 مليون برميل يومياً، التي تجعلها رابع أكبر مستهلك عالمياً بعد الولايات المتحدة والصين والهند-تعني أن المملكة ستلعب دوراً رئيسياً في تشكيل الطلب حتى عام 2030، مما قد يسرع وصول الذروة في الاستهلاك-أو يؤخرها.

أشارت أحدث توقعات لوكالة الطاقة الدولية التي صدرت في الأسبوع الماضي، إلى أن الطلب على النفط في السعودية سوف يشهد ثاني أكبر انخفاض من حيث القيمة المطلقة حتى نهاية العقد الحالي، ليتراجع بأكثر من 500 ألف برميل يومياً. سوف تشهد الولايات المتحدة وحدها انخفاضاً أكبر في الطلب نتيجة العمل من المنزل والمركبات الأكثر كفاءة في استخدام البنزين والديزل، بالإضافة إلى السيارات الكهربائية.

ذروة الطلب في 2030

الأمر بإيجاز يكمن في أن الطلب العالمي على النفط يمكن أن يبلغ ذروته في عام 2030 فقط إذا لعبت السعودية دوراً رئيسياً، واستمرت في برنامج ضخم لتوفير استهلاك النفط داخلياً. إذا لم تفعل ذلك، تصبح هذه التوقعات غير واقعية.

تحتاج المملكة، البالغ عدد سكانها حوالي 35 مليون نسمة، إلى الكثير من الكهرباء لتشغيل مكيفات الهواء خلال صيفها الحار ولتحلية مياه البحر. يمثل قطاع الكهرباء والمياه حوالي 25% من إجمالي استهلاك النفط السعودي، وهي ظاهرة فريدة عالمياً؛ في الوقت الذي توقف فيه العالم إلى حد كبير عن استخدام النفط الخام لتوليد الكهرباء بعد صدمات النفط خلال سبعينيات القرن الماضي، والتي جعلت الوقود مكلفاً بشكل كبير.

لكن النفط بالطبع رخيص في المملكة، والسعوديون غالباً ما يستهلكونه بشكل مباشر في محطات الكهرباء، دون تحويله أولاً إلى الديزل أو زيت الوقود. يعد هذا نظاماً غير فعال وملوثاً للبيئة، لكنه سائد، خاصة خلال فصل الصيف عندما يحتاج السعوديون إلى زيادة إنتاج الكهرباء بشكل حاد في وقت قصير. أما في الذروة الموسمية، التي تقع عادة بين أواخر أغسطس وأوائل سبتمبر، فتحرق السعودية حوالي 1.4 مليون برميل يومياً من النفط الخام غير المكرر وزيت الوقود في محطات إنتاج الكهرباء-وهو ما يعادل إجمالي استهلاك النفط اليومي في فرنسا.

لحسن الحظ، تخطط السعودية للتحول إلى محطات توليد الكهرباء بالغاز والطاقة المتجددة، مما يقلص، إن لم يكن يلغي، استخدام النفط في توليد الكهرباء بحلول 2030. وبالتالي، تستند توقعات وكالة الطاقة الدولية بشكل كبير إلى ما تعهد به المسؤولون السعوديون بأنفسهم.

تطوير حوض "الجافورة"

أطلقت المملكة ما يسمى "برنامج إزاحة الوقود السائل" لتوفير حوالي مليون برميل يومياً بحلول 2030. يتمثل السبيل الرئيسي لهذه الخطة في تطوير حوض "الجافورة"، وهو مستودع للغاز الطبيعي من النوع الصخري على الساحل الشرقي للسعودية. الغاز الإضافي من الجافورة "سيزيل" استهلاك النفط لتوليد الكهرباء، بحسب أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لشركة "أرامكو" السعودية المملوكة للدولة في تصريحاته للمستثمرين مؤخراً. وقال: "هناك حوالي 50% من [قطاع المرافق] سيكون عبر الطاقة المتجددة، و50% عبر الغاز".

تعهدات السعودية تتماشى مع التوقعات التي قدمتها وكالة الطاقة الدولية في الأسبوع الماضي. تشير تقديرات الوكالة، التي اختلفت مع الرياض مراراً وتكراراً في السنوات الأخيرة بشأن موعد وصول الطلب العالمي على النفط إلى ذروته، إلى أن المملكة ستقلص حرق النفط الخام مباشرة في توليد الكهرباء بمقدار 500 ألف برميل يومياً بحلول 2030، بينما ستقلص استخدام زيت الوقود وزيت الغاز بمقدار 350 ألف برميل يومياً، و150 ألف برميل يومياً، على التوالي.

تعهدات المناخ

مع ذلك، لدى الرياض الكثير من المرونة لإرساء معيار مختلف، حتى لو كان ذلك يعني عدم الوفاء بتعهداتها بشأن تغير المناخ. على سبيل المثال، في حال ضعف نمو الطلب العالمي على النفط بأكثر من المتوقع، بحيث يهدد بخفض الأسعار، قد يقرر السعوديون استهلاك المزيد من نفطهم محلياً مما يعيد التوازن إلى السوق.

حتى إذا قررت المملكة المضي قُدُماً في هذا السبيل، فإنها تواجه عقبات. أولاً، يمكن تأخير خطط السعوديين بمقدار هائل. تطوير حوض "الجافورة" مهمة ضخمة، وليس من الواضح ما إذا كانت "أرامكو" تستطيع الوفاء بجدولها الزمني الطموح. ثانياً، ستحتاج الرياض إلى تحديث بعض محطات الطاقة وبناء محطات أخرى جديدة لإحالة أكثر المحطات تقادماً إلى التقاعد. ثالثاً، تحتاج السعودية إلى بناء الكثير من محطات الطاقة الشمسية والرياح، وحتى الآن ليس لديها الكثير لتثبت نواياها في هذا الصدد. وأخيراً، تحتاج إلى استثمار مليارات الدولارات في محطات تحلية المياه الأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة.

قد يبدو الأمر غير بديهي، لكن إذا كان الطلب العالمي على النفط سيصل إلى ذروته قريباً، فإن شركة "تسلا" وشركات السيارات الكهربائية الأخرى ليست الشركات الوحيدة الأجدر بالمتابعة. بقدر ما ستكون شركات الكهرباء والمياه الحكومية السعودية مهمة.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك