بلومبرغ
كان قطاع العقارات المحرك الرئيسي لنمو الصين الاقتصادي، منذ تولّي الرئيس الصيني شي جين بينغ منصبه قبل عقد من اليوم. يشهد القطاع اليوم حالة من التباطؤ، وتخلّفاً لكبار المطوّرين عن سداد ديونهم، فيما تحاول الحكومة تنظيم خطة إنقاذ. يقول اقتصاديون إن التدخل سيكون كافياً لدرء تدهور فوضوي في سوق العقارات، وقد يولّد حتى تعافياً بطيئاً.
تبدو المخاطر عالية، حيث يمكن لانهيار تام أن يقوِّض النظام المالي للصين ويحدث صدمة للاقتصاد العالمي. كما أن مقاطعة الرهن العقاري من قِبل أولئك الغاضبين بسبب عدم استكمال بناء المنازل التي دفعوا ثمنها، تؤكد مخاطر اضطراب القطاع إذا ساءت الأمور .
1) كيف ازدهر القطاع العقاري في البداية؟
في 1998، أنشأت الصين سوق إسكان على مستوى البلاد، بعدما ظلت طوال عقود تقيّد المبيعات الخاصة. في ذلك الحين، كان ثلث السكان فقط يعيشون في البلدات والمدن. ارتفعت تلك النسبة إلى الثلثين، مع ازدياد تعداد السكان في الحضر إلى 480 مليون نسمة.
مثّل النزوح من المناطق الريفية فرصة تجارية ضخمة لشركات البناء والمطوّرين العقاريين. جرى ضخ المال في قطاع العقارات، فيما انقضّت الطبقة المتوسطة النامية على ما كان أحد الاستثمارات القليلة الآمنة المتاحة؛ ما أسهم في ارتفاع أسعار المنازل 6 أضعاف على مدى 15 عاماً.
السلطات المحلية والإقليمية، التي تعتمد على مبيعات الأراضي العامة لتحصل على جانب من إيراداتها، شجعت ازدهار التطوير. ساعد ذلك الحكومة المركزية أيضاً على تحقيق مستهدفاتها السنوية للنمو الاقتصادي، والذي غالياً ما كان يسجل معدلاً من رقمين.
2) ما أسباب التراجع؟
زاد جنون العقارات بدعم من الديون أيضاً، إذ سارعت شركات البناء إلى تلبية الطلب المستقبلي المتوقع. وشجع الازدهار على الشراء بغرض المضاربة، حيث باع المطورون، الذين اتجهوا بشكل متزايد إلى المستثمرين الأجانب للحصول على أموال، منازل جديدة قبل استكمال بنائها.
ارتفعت المبيعات السنوية للسندات الخارجية بالدولار من 675 مليون دولار في 2009 إلى 64.7 مليار دولار في 2020. وجعل غياب الشفافية بشأن الالتزامات المبهمة، عملية تقييم مخاطر الائتمان أمراً صعباً. وقد أدت عمليات التخمين إلى أسعار فلكية، لم تعد معها المنازل في المدن المزدهرة - مثل شينزين - في متناول الكثيرين، إذا ما أخذنا في الاعتبار مستوى الدخل المحلي مقارنةً بلندن أو نيويورك.
رداً على ذلك؛ تحرّكت الحكومة في 2020 لخفض مخاطر حدوث فقاعة، والتخفيف من عدم المساواة الذي قد يتسبب به الإسكان البعيد عن متناول المشترين. أثار ذلك أزمة تدفق نقدي للمطوّرين، والتي تفاقمت بسبب تداعيات الإجراءات القوية لاحتواء فيروس كوفيد-19.
3) هل تسببت الحكومة في الأزمة؟
كان مسؤولو الدولة حريصين على كبح ديون القطاع، إذ شعروا بالقلق من أن التخلّف المتواصل عن السداد قد ينهش عظام النظام المالي للصين.
بدأت الحكومة في تقييد التمويلات الجديدة للمطوّرين، وطلبت من البنوك إبطاء وتيرة الرهن العقاري. أثبتت المعايير الجديدة للاقتراض، المُقدمَة لشركات العقارات، أنها قادرة على تغيير قواعد اللعبة. كان هدف المعايير، التي أسمتها وسائل إعلام الدولة "الخطوط الحمراء الثلاثة"، تقليل الاقتراض بلا ضوابط، من خلال وضع حدود لالتزامات أي مطوّر عقاري وديونه وحيازاته من النقد.
شركات كثيرة لم تتمكن من الالتزام بالقواعد الجديدة، إذ كانت تواجه ضغوطاً على مواردها المالية. كانت لدى المطوّرين سندات دولارية قائمة بنحو 207 مليارات دولار حتى أواخر 2021، حيث مثّلت ربع الإجمالي من كل المقترضين الصينيين.
4) ماذا حدث للمطوّرين؟
هؤلاء الذين لم يكن لديهم ما يكفي من الأموال لتغطية التزاماتهم، وجدوا أنفسهم في ورطة. تخلّف 18 مطوّراً عقارياً على الأقل عن سداد السندات الخارجية، بعد بدء حملة القمع.
صُنِّفت مجموعة "تشاينا إيفرغراند"، التي كانت يوماً ما أكبر مطوّر عقاري في البلاد، على أنها متخلفة عن السداد في ديسمبر 2021، بعدما فوتت مدفوعات مرتبطة بعدة سندات. كما تبعتها شركات أخرى مثل مجموعة "كايسا" وشركة "سوناك تشاينا".
أضعفت مخاوف تزايد العدوى ثقة المستهلكين، وعكّرت الأسواق العالمية التي لطالما افترضت أن الحكومة ستنقذ عمالقة العقارات في الصين. مع استمرار الأزمة، بدأ تأثيرها ينعكس على مطوّرين كانوا يُعتبرون اللاعبين الأقوى، مثل مجموعة "لونغ فور". حتى الديون العقارية، التي اعتُبرت أكثر أماناً لأن الدولة تدعمها، واجهت مشكلات.
5) كيف تحاول الحكومة إنهاء الأزمة؟
تحاول حكومة بكين بكل قوتها تَجنُّب تكرار "أزمة ليمان"، عندما تسبب فشل البنك الأميركي خلال 2008 في السداد، بموجات من الصدمة في الأسواق العالمية. كشفت الحكومة النقاب عن تدابير تتركز حول تعزيز تمويل الأسهم والسندات والقروض للمطوّرين لتخفيف أزمة السيولة.
تسمح التدابير للمطورين بالحصول على مزيد من الأموال من المبيعات التي تسبق اكتمال بناء المنازل، وهي أكبر مصدر للأموال في القطاع، ويُتاح لهم 200 مليار يوان صيني (ما يعادل 29 مليار دولار) مقدماً كقروض خاصة لإكمال مشروعات الإسكان المتعثرة.
عدّلت الحكومة القواعد المالية في محاولة لتثبيت الوضع، إذ أتاحت للبنك المركزي زيادة الدعم للمطوّرين المتعثرين، وأعطت تعليمات للبنوك للتأكد من النمو في كلٍ من الرهونات والقروض السكنية للمطوّرين في بعض المناطق. كما خفضت البنوك أسعار الفائدة المعيارية الخاصة بها.
6) هل ينجح الأمر؟
بحلول ديسمبر 2022، كان هناك أمل في وصول أسعار الفائدة إلى أدنى مستوياتها، في الوقت الذي كانت الحكومة الصينية تخفف فيه أشد سياساتها المتعلقة باحتواء فيروس كوفيد. رغم ذلك، كانت موجات الصدمة من الأزمة لا تزال محسوسة.
ارتفع الدين المشكوك في تحصيله إلى نحو 29% من إجمالي قروض العقارات في النصف الأول من 2022، وفقاً لتقديرات "سيتي غروب". أظهرت البيانات أن انخفاضات الأسعار فعلياً في سوق المنازل المبنية خلال أكتوبر، كانت الأكبر في 8 سنوات.
كان لا يزال هناك خطر من حدوث موجة بيع أخرى في السندات الخارجية، والتي يمكن أن تمتد إلى سوق الائتمان المحلية الأكبر بكثير، ومن شركات العقارات الأقل تقييماً إلى نظيراتها والبنوك الأقوى.
7) ماذا يعني ذلك لمشتري المنازل المحتملين؟
في كل أنحاء الصين، توجد ملايين الأقدام المربعة من الشقق التي لم يكتمل بناؤها، متروكة ليتراكم عليها الغبار.
قدّر الاقتصاديون لدى "نومورا إنترناشونال" (Nomura International) في منتصف يوليو، أن المطوّرين الصينيين سلّموا نحو 60% فقط من المنازل التي باعوها قبل اكتمال البناء من 2013 إلى 2020. (طرق حماية المشترين شائعة الاستخدام في الخارج، مثل الحسابات المعلقة والأقساط، لم تكن صارمة بشكل كافٍ في الصين).
خلال أوجها في منتصف يوليو، انتشرت عمليات مقاطعة تسديد الرهن العقاري واسعة النطاق، والتي قام بها مالكو المنازل التي لم يكتمل بناؤها، إلى أكثر من 300 مشروع إسكان في قرابة 90 مدينة. هدأت الاحتجاجات لاحقاً. لكن مع حجز أكثر من 70% من ثروة سكان الحضر بالصين في قطاع الإسكان، باتت أرزاق الكثيرين على المحك، ويظل خطر الاضطرابات الشعبية قائماً.