ما من شيء واقعي بشأن نظام الطاقة العالمي، باستثناء حقيقة وجود هذا النظام.
يعتمد المجتمع الحديث على أنظمة طويلة ومعقدة تستغل رواسب الوقود، والتي تقع غالباً في أجزاء غير مستقرة أو غير مضيافة من العالم، وتنقلها عبر الصحاري والجبال وأعالي البحار لتتدفق في نهاية المطاف من الصنابير في كل مكان، بما في ذلك القارة القطبية الجنوبية. في كثير من أنحاء العالم، تزود شبكات الطاقة بموثوقية المدن كثيفة السكان والقرى النائية والمنازل التي لا يمكنها تبرير تكلفة تلك الخطوط الطويلة بمفردها. نستخدم مصادر الكهرباء التي تعمل حسب وضع الطقس والوقت من اليوم، بدلاً من احتياجاتنا بشكل متزايد. نحن أيضاً نقسم الذرات من أجل القيام بأشياء مثل شحن هواتفنا، وهذه معلومة إضافية.
اقرأ أيضاً: أوروبا تخطط لوقف اعتمادها على الغاز الطبيعي الروسي
إن طرحت فكرة ما للقيام بكل هذا بشكل مختلف، سيكون الرد الحتمي هو أن القيام بذلك سيكون "غير واقعي". وفي الوقت الذي تشن فيه روسيا حرباً تزداد وحشية على أوكرانيا، فقد آن الأوان أخيراً للتدقيق في المعنى الفعلي لتلك العبارة.
اقرأ المزيد: ماذا لو قطع الاتحاد الأوروبي إمدادات الغاز الروسية الآن؟
نقاط وكالة الطاقة
أصدرت وكالة الطاقة الدولية يوم الخميس خطة تتضمن 10 نقاط لخفض واردات أوروبا من الغاز الروسي بمقدار الثلث في غضون عام. هذا يعادل الاستهلاك السنوي الكامل لفرنسا، ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، ثم هناك المزيد. سيشمل ذلك مجموعة من الأمور، مثل تقديم عروض لكل شحنة احتياطية من الغاز الطبيعي المسال، وتأخير إغلاق محطات الطاقة النووية، وصندوق رفع معاناة بقيمة 200 مليار يورو للأسر الفقيرة، بتمويل من ضريبة أرباح مولدات الطاقة، وتشجيع الجميع على خفض منظم الحرارة في المنازل والمكاتب بمقدار درجة مئوية واحدة (1.8 درجة فهرنهايت).
كان رد فعلي الأول هو القول: "أجل، صحيح". يعد القيام بأي شيء متعلق بالطاقة في غضون عام تقريباً مهمة شاقة. إضافة إلى ذلك، ربما أشعر بآثار ذكرى السياسيين الأمريكيين الذين تبنوا مواقف صاخبة مؤيدة لحق الاختيار على… المصابيح المتوهجة. نحن كبشر، نحب طاقتنا الرخيصة، فهي لحظية وبعيدة عن الأنظار والعقل. هناك العديد من عوامل الشك التي يمكن من خلالها مهاجمة مقترح وكالة الطاقة الدولية، ومن بينها تكلفة عروض الغاز الطبيعي المسال، ورد الفعل العنيف للشركات ضد ضريبة رفع المعاناة، والتحدي المتمثل في إقناع مئات ملايين الأوروبيين بارتداء سترات في الداخل، أو تقبل تركيب عوازل حرارة جيدة.
تهديد بالخراب
مع ذلك، عند التفكير في البديل، سنجد أنه الاستمرار في ربط مصير القارة بأهواء نظام يقضي الآن على النموذج الأمني الذي حافظ على السلام لحوالي ثمانية عقود. وتقبل حقيقة أن الكرملين يمكنه أن يهدد بخراب اقتصادي وغزو، وحتى بحرب نووية إذا لم تُلبَ مطالبه، ويحصل على تمويل جزئي من ضحاياه المحتملين. لا يبدو هذا واقعياً أيضاً؛ يبدو ضبط منظمات الحرارة بشكل جماعي، وكأنه فرصة أفضل بالمقارنة.
لكن فقط بالمقارنة. لا شيء من هذا سيكون سهلاً. تأتي كل أشكال الطاقة مع مقايضات وأسئلة حول ما يمكن تحقيقه في إطار فهمنا السائد للمخاطر والمكافآت، وهذا هو الجزء الحيوي. على سبيل المثال، اعتمدت أوروبا على الاتحاد السوفيتي والدول التي خلفته في الحصول على إمدادات الطاقة لعقود من الزمن، حتى في خضم كل توترات الحرب الباردة، لأن القوات التي أبقت الطرفين على اتصال كانت أقوى من تلك التي تفرق بينهما. كانت تلك حقيقة مجردة، وإن كانت غير مرجحة كما يبدو.
عودة العصر القديم
في هذه الأيام، يواجه تصورنا لما هو واقعي جرعات كبير من واقع غير مريح. تبدو الحرب الكبرى في أوروبا التي تنطوي على القوة النووية، وكأنها تنتمي إلى عصر آخر؛ وهي كذلك. بدأ العصر القديم في العودة للتو. على مدى تاريخ طويل، كان توقع قيام الدول الضعيفة نسبياً مثل أوكرانيا بشيء خاص بها في ظل الإمبراطوريات، غير واقعي ببساطة. وليصبح هذا الوضع غير التاريخي حقيقة واقعة، يجب وضعه في حيز الوجود. كان النظام الذي تقوده الولايات المتحدة في فترة ما بعد الحرب إحدى طرق فعل ذلك، لكن هذا النظام بدأ يفقد اتجاهاته بمجرد هزيمة الاتحاد السوفيتي.
من المحتمل أن تشكل عودة التضامن الحالي بين الديمقراطيات الغربية طريقة أخرى. لكن هذا يشمل جميع أنواع الأشياء التي كانت تعد غير واقعية، حتى أسبوع أو نحو ذلك: ومنها إعادة التسلح الألماني المفاجئة، وجدية فنلندا في الانضمام إلى الناتو، وقيام الاتحاد الأوروبي بتزويد أوكرانيا بالأسلحة علناً لقتل الجنود الروس. إن اتخاذ خطوة أخرى لتقليص اعتماد الغرب بشكل كبير على صادرات الطاقة الروسية، أمر محفوف بالمخاطر، ومليء بالتضحية، ومعقد، وعرضة للتنازلات والنكسات. لكن في هذا السياق، هل يمكن اعتباره غير واقعي؟ يشير نات بولارد زميلي في "بلومبرغ"، إلى أن العالم خفف عادة استخدام النفط بسرعة نسبياً في مواجهة الأزمات الأخرى في السبعينيات.
النظام السياسي الضعيف
إضافة إلى ارتعاش الأوروبيين من البرد أو الرهبة، يعاني الكثير من اللاعبين الآخرين مما هو واقعي. بالنسبة إلى المبتدئين، هناك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يبدو أنه يحمل أفكاراً عميقة غير مقيدة حول رغبة أوكرانيا في المقاومة. قال لي ثين غوستافسون، الأستاذ بجامعة جورجتاون والخبير في الطاقة الروسية، هذا الأسبوع: "يفترض بوتين أن النظام السياسي الضعيف يأتي بثمن منخفض".
هناك مدرسة من دعاة حماية البيئة، خصوصاً في ألمانيا، تنتقد بلا شك دعوة وكالة الطاقة الدولية للإبقاء على المحطات النووية القائمة مفتوحة، ولا تدرك حقيقة أن خطر الركود أو الحرب سيجبر الحكومات على استخدام كل مصدر للطاقة في متناول اليد. وهذا يشمل الفحم، كما تفكر برلين بالفعل. عند الطرف الآخر من الطيف، هناك "أوبك +". وسط أسعار نفط من ثلاثة أرقام مدفوعة بأفعال عضو بارز فيها، عقد الحارس المزعوم لاستقرار سوق النفط اجتماعاً موجزاً هذا الأسبوع، وبدا كمن يضع أصابعه في أذنيه ويهتف "لا ، لا ، لا! لا أستطيع سماعكم!".
تغير المناخ
علاوة على كل هذا يلوح في الأفق التهديد الأبطأ حركة، لتغير المناخ، لكنه واضح وحاضر. مقارنةً بالتعديل المطلوب لنظام الطاقة لدينا للتعامل مع ذلك، يبدو تقليل الاعتماد على صادرات الطاقة الروسية أمراً واقعياً بشكل بارز. ففي حين أن الأزمة الحادة في أوكرانيا يجب أن تكون لها الأولوية، يعد كلا المجهودين جزءاً من العملية نفسها. كلاهما ينطوي على قبول التكاليف أو بالأحرى، استيعاب التكاليف الحالية، والتي هي في حالة روسيا، تكلفة انعدام الأمن، وفي حالة تغير المناخ، تكلفة التدهور البيئي الكارثي. ماذا يحدث لنموذجك المالي عندما تضع في اعتبارك اجتياحاً روسياً لأحد أعضاء "الناتو" أو انهيار الجرف الجليدي في القطب الجنوبي؟ في مواجهة التهديدات العنيفة، يبدو الخيار الوحيد غير الواقعي، هو قول إنه لا يمكن فعل أي شيء.