على امتداد فترة الجائحة، كان خطر فيروس كورونا أكبر على الراشدين، بالأخص المتقدمين في السن والأشخاص الذين يعانون من حالات مرضية سابقة، فيما لم يشكل الأطفال إلا مجموعة صغيرة من المصابين بحالات مرضية شديدة.
ولكن ظهور السلالة المتحورة "دلتا" سريعة الانتشار أدى إلى ازدياد أعداد الإصابات والمرضى في صفوف الأطفال، ما يعدُّ تطوراً خطيراً، بما أن اللقاح غير متاح بعد للصغار، في وقت تشارف فيه المدارس على فتح أبوابها.
يجيب سام فازيلي، كاتب مقالات الرأي في بلومبرغ والذي يغطي صناعة الأدوية لصالح "بلومبرغ إنتلجنس"، على بعض الأسئلة حول ازدياد المخاطر على الأطفال. تم تحرير المقابلة واختصارها.
ما الذي نعرفه عن خطر كوفيد على الأطفال في هذه المرحلة؟
نعرف أن خطر كوفيد أقل على الأطفال، ولكنه موجود. للأسف، معظم خبرتنا فيما يخصُّ معدلات الإصابة وشدَّة المرض تستند إلى الأشهر الـ12 الماضية فقط. ولفترة طويلة من هذه المدة، لم تكن اللقاحات متوفرة بشكلٍ واسع، بالتالي فإن جهودنا لمحاصرة الفيروس كانت ترتكز على ممارسات مثل ارتداء الأقنعة الطبية والتزام التباعد الاجتماعي.
كذلك، تَلقى الكثير من الأطفال التعليم عن بعد أو تابعوا دروسهم في صفوف تضمُّ أعداداً قليلة من التلاميذ، كما أن سلالة "دلتا" لم تكون موجودة بعد. لذلك، البيانات المتوفرة لدينا لا تشكل بالضرورة دليلاً جيداً لتنبؤ المستقبل.
بحسب الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، بلغ إجمالي عدد الإصابات المؤكدة في صفوف الأطفال بكوفيد في الولايات المتحدة 4.3 مليون حالة حتى الخامس من أغسطس. ولكن بما أن الكثير من الأطفال لا يعانون من أي أعراض أو من أعراض خفيفة، فالعدد أعلى بكثير على الأرجح.
وربما ارتفعت نسب الإصابات نتيجة التخفيف من ارتداء الكمامات ومن التباعد الاجتماعي بعد توسع حملة اللقاحات التي ترافقت أيضاً مع نشوء سلالة دلتا المتحورة التي تتسم بسرعة الانتشار.
وفي الأسبوع المنتهي في الخامس من أغسطس، تم تسجيل حوالي 94 ألف إصابة بكوفيد– 19 في صفوف الأطفال، بالمقارنة بالعدد الأقصى الذي سُجل في الأسبوع الأول من يناير وبلغ 211486 حالة.
ولكن المؤشر المقلق هو أن نسبة إصابة الأطفال بكوفيد– 19 من العدد الإجمالي للإصابات ارتفع إلى 14.3% في الأسبوع الذي انتهى في الخامس من أغسطس، بالمقارنة مع أقل من 2% في عام 2020.
وقد يعزى ذلك في جزء منه إلى واقع تحصين عدد كبير من الراشدين ضد الفيروس، ولكن ربما يعود أيضاً إلى تغييرات سلوكية، مثل حصول المزيد من الاختلاط في الأماكن المغلقة.
وردت تقارير عن ارتفاع نسب دخول الأطفال إلى المستشفيات في الولايات المتحدة. هل تزيد سلالة "دلتا" الخطر بما أنها أكثر قابلية للانتشار، ما يؤدي إلى عدد أكبر من الحالات المرضية الشديدة التي تظل نادرة، أم هي بالفعل أكثر خطراً؟
بين إجمالي الإصابات بكوفيد– 19 في صفوف الأطفال في الولايات المتحدة، سجل دخول ما نسبته 0.1% إلى 1.9% من الأطفال إلى المستشفيات حتى الآن، حسب اختلاف الولاية. إلا أن نسب الوفيات أقل من ذلك بكثير، بحيث لا تتجاوز نسبة الأطفال المتوفين نتيجة الإصابة بكوفيد– 19 الـ0.26%. إلا أن كل ذلك من الماضي، وربما ما عاد يمثّل الوضع الحالي اليوم.
لماذا الأطفال أقل عرضة لخطر كوفيد أصلاً؟
تسهم عوامل عدَّة في ذلك. مثلاً، لدى الأطفال عدد أقل من مستقبلات ACE2 التي يلتصق بها البروتين الشوكي من أجل إصابة الخلايا البشرية. إلا أن السلالة المتحورة "دلتا" القادرة على التكاثر بشكل أسرع في جهازنا التنفسي، قد تكون أفضل أيضاً في إصابة الأطفال. مع ذلك، فإن جهاز المناعة لدى الأطفال أفضل بكثير من جهاز المناعة لدى الراشدين، بالأخص بالمقارنة مع كبار السن. كما أنهم في معظم الحالات، لا يعانون من الاعتلالات مثل السمنة والسكري التي يعاني منها كبار السن.
ما هي مخاطر كوفيد طويل الأمد على الأطفال؟
صدر تقرير في إيطاليا أشار إلى أن واحداً أو اثنين من أعراض كوفيد استمر لدى حوالي ثلث الأطفال لما يصل إلى أربعة أشهر بعد تعرضهم للإصابة، فيما عانى نحو ربع أولئك الأطفال من ثلاثة أو أربعة أعراض لفترة طويلة. إلا أن البيانات الواردة في دراسة بريطانية بدت أفضل قليلاً، حيث وجدت أن 4.4% من الأطفال المصابين الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 سنة، عانوا من مرض استمر لمدة 28 يوماً على الأقل، فيما أفاد 1.8% فقط عن أعراض استمرت لأكثر من 56 يوماً. إلا أن هذه الدراسة تناولت فقط الإصابات المصحوبة بأعراض.
هل يمكن أن تنشأ سلالة متحورة تكون أخطر على الأطفال بشكل خاص؟
لست متأكداً. أي شيء ممكن مع هذا الفيروس، ولكن إذا ما فكرنا بالأسباب التي تجعل الأطفال أقل عرضة للإصابة بحالات خطرة من كوفيد– 19، فإن احتمالات حصول ذلك منخفضة.
كيف نفتح المدارس بأمان في هذا الوضع؟
يمكن اتخاذ عدة إجراءات من شأنها أن تُحدِث فرقاً، بغض النظر عن اللقاحات التي تتوفر حالياً في الولايات المتحدة فقط للأشخاص من عمر 12 سنة وما فوق. الإجراء الأول هو تحسين التهوية لضمان عدم إعادة تدوير الهواء نفسه بدون ترشيحه أو استبداله بهواء نقي.
وهنا يمكن لاستخدام أجهزة مراقبة ثاني أكسيد الكربون أن يساعد في تقييم نسبة تلوث الهواء. كما يمكن لارتداء الكمامات وتحديد حجم الصفوف أن يساعد أيضاً. وبالطبع ثمة حاجة لإجراء فحوصات كورونا باستمرار.
هل يجب أن نسرِّع إجراءات المصادقة على اللقاحات للأطفال الصغار على الرغم من أن إدارة الغذاء والدواء طلبت مؤخراً دراسات موسعة من "مودرنا" و"فايزر"؟ هل يترافق ذلك مع محاذير على صعيد السلامة؟
العديد من اللقاحات التي نحصل عليها في خلال حياتنا، نتلقاها في الصغر. وقد استمر الجنس البشري في الازدياد بشكل جيد جداً، لأن هذه اللقاحات آمنة وفعّالة في الحماية من الموت المبكر نتيجة الإصابة بأمراض معدية. بالتالي، نعرف كيف نقوم بهذا الأمر. إذاً لابدَّ من إجراء الاختبارات من أجل توفير الكمية اللازمة من البيانات حول السلامة. ما أن نقوم بذلك، يمكن البدء بتلقيح الأطفال.
هل يجب على الأهل، حتى الذين تلقوا اللقاح، أن يغيروا سلوكياتهم من أجل مواجهة "دلتا" وخطرها على الأولاد؟
نعرف أن الأشخاص الملقحين يمكن أن يصابوا بالفيروس وأن ينقلوه للآخرين، حتى وإن كانوا شخصياً محميين منه بشكل أفضل. هذا ولا يوجد لقاح فعّال بنسبة 100% ضد الفيروس، فهدف اللقاح في الواقع الحماية من الإصابة بالمرض. وهذا الأمر ينطبق بشكل خاص على سلالة "دلتا". بالطبع، يُتوقع أن يكون خطر انتقال الفيروس من شخص حصل على اللقاح أدنى من خطر انتقاله من شخص غير ملقح، إلا أنه لم يتضح بعد كم تتدنى هذه النسبة؟ بالتالي، من أجل تفادي نقل الفيروس للأطفال غير الملقحين، على الأهل أن يبذلوا جهدهم كي لا يصابوا بالفيروس أنفسهم.
وهذا يعني القيام بالخطوات التي بتنا جميعنا نعرفها جيداً الآن، وتتضمن ارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة، حيث يتعذر التزام التباعد الاجتماعي وحيث من غير المعروف ما إذا كان الأشخاص الآخرين ملقحين. ربما سيبدو ذلك خطوة إلى الوراء، ولكن هذه تضحية صغيرة من أجل الحفاظ على صحة أطفالكم وعافيتهم.