بعد رفع حظر السفر أخيراً هذا الشهر؛ صُدم البريطانيون الذين زاروا الولايات المتحدة بمدى صعوبة العثور على اختبارات كورونا السريعة، أمَّا تلك التي وجدوها فكانت أسعارها مرتفعة جداً لدرجة أنَّ الأمر بدا أشبه بالسرقة.
فبحسب بحث أجرته صحيفة "إندبنديت"، بلغ سعر اختبار الأجسام المضادة في مطار أورلاندو الدولي 65 دولاراً، في حين وصل سعره إلى 75 دولاراً في سان فرانسيسكو، و100 دولار في إحدى عيادات طب السفر في العاصمة واشنطن.
في المقابل، في بريطانيا، توفر هيئة الخدمات الصحية معدات اختبار الأجسام المضادة مجاناً، وهي تأتي في علبة تحتوي على سبعة اختبارات يمكن الحصول عليها من الصيدليات المحلية (سعر الاختبار في المطار 35 جنيهاً إسترلينياً، أي ما يوازي 46.88 دولاراً).
تعتبر هذه الاختبارات مفيدة في المناطق التي تشهد تفشياً فيروسياً. حتى أنَّ بعض المدارس جعلت اختبارات الأجسام المضادة إلزامية قبل عقد اجتماعات المعلمين مع أولياء الأمور، ويمكن فرضها عند زيارة مريض في المستشفى، أو لدى دخول دار للمسنين.
تساعد هذه الاختبارات أيضاً على منحك الطمأنينة النفسية. فحين تشعر ببعض أعراض المرض، يمكن لفحص الأجسام المضادة أن يساعد في تبيان مدى احتمال أن تُنقل العدوى للأشخاص من حولك.
يؤيد عالم مناعة في "هارفارد"، اختبارات "كوفيد" المنزلية للتغلب على الوباء
ضرورة توفير الاختبارات
ولكن لماذا لم توفر الولايات المتحدة الاختبارات السريعة بشكل ميسَّر، وبأسعار زهيدة؟ هذه مشكلة لا بُدَّ أن تحلها إدارة الرئيس جو بايدن لسببين.
أولاً، قوانين بايدن الجديدة التي تنصُّ على "تلقي اللقاح أو الخضوع للاختبار"-المعلّقة حالياً بانتظار الطعن القضائي المقدم ضدها- تستند إلى توفير ما يكفي من الاختبارات للعمال غير الملقحين ضمن الشركات التي يفوق عدد موظفيها عن المئة حتى يتمكنوا من الخضوع للاختبار بشكل منتظم.
والأهم من ذلك أنَّ العقاقير المضادة لكورونا التي سيتم طرحها قريباً، بينها أدوية من شركتي "فايزر"، و"ميرك"، تتطلب أن يكون الأشخاص قادرين على إجراء اختبارات سريعة ومتكررة من أجل البدء بتناول الدواء مباشرة بعد الإصابة بالعدوى.
صحيح أنَّ بايدن وعد خلال حملته الانتخابية بتوسيع توفير الاختبارات، إلا أنَّ إدارته ركَّزت بشكل كبير على اللقاحات، ولم تلتفت إلا مؤخراً إلى مشكلة نقص الاختبارات. وقد خصصت الإدارة الأمريكية حالياً 3 مليارات دولار في مسعى لتأمين ما يصل إلى 200 مليون اختبار منزلي في الشهر.
إلا أنَّ هذه المبادرة أتت متأخرة لتلبية الطلب قبل الاحتفال بعيد الشكر هذا الأسبوع، وربما لا تتمكن من تحقيق أهدافها قبل نهاية العام.
النمسا تأمر بإغلاق وطني رابع وتطعيمات إجبارية ضد كوفيد
اهتمام بريطاني بالاختبارات
من جانبها، بذلت بريطانيا كل جهد ممكن في سبيل تعزيز سياسة الاختبارات السريعة في وقت مبكر جداً، مما أثار بعض الجدل، خاصة بالنسبة إلى الأرباح التي حققتها شركة كانت مغمورة في السابق؛ وهي مجموعة "إنوفا" الطبية، التي تمكَّن مالكها الصيني من الفوز بعقود حكومية بقيمة 2.7 مليار دولار، بما أنَّ شركته كانت تمتلك ما يكفي من الإمدادات لتأمين الطلب بسرعة.
ويرى منتقدو اختبارات "إنوفا"، واختبارات الأجسام المضادة بشكل عام، أنَّها غير دقيقة بما يكفي من أجل المساعدة على السيطرة على تفشي العدوى.
ولكن كان من الأجدى القول، إنَّ الحكومة لم تقم بعمل جيد على صعيد شرح الغاية من استخدام هذه الاختبارات، مما تسبب بردة فعل غاضبة حين اكتشف الناس أنَّ هذه الاختبارات ليست دقيقة بقدر اختبار الـ (PCR) الذي يشار إليه غالباً على أنَّه "المعيار الذهبي" في عالم الاختبارات.
تكمن مشكلة الاختبارات السريعة في مستوى "حساسيتها"، فقدرتها على تحديد ما إذا كان الشخص مصاباً بالفيروس أقل بكثير من قدرة اختبارات الـ (PCR).
"الصحة العالمية": أوروبا ستتجاوز مليوني حالة وفاة بسبب كوفيد-19 بحلول مارس
نتائج غير مثالية
وفي دراسة تجريبية في مدينة ليفربول، فشلت الاختبارات السريعة في كشف 30% من الحالات التي كان فيها الحمل الفيروسي مرتفعاً، وأيضاً من كشف نصف إجمالي الحالات التي كشفتها فحوص الـ(PCR).
مع ذلك، اتضح لاحقاً للمملكة المتحدة وللدول الأوروبية الأخرى التي تعتمد على هذه الاختبارات أنَّ الفحص غير المثالي أيضاً، يمكن أن يلعب دوراً محورياً في الحدِّ من التفشي الوبائي طالما أنَّه يكشف الحالات الأشد عدوى.
فحوص الـ(PCR) ممتازة، إلا أنَّها ذات تكلفة عالية، ويتعين معالجتها في المختبر، وتستغرق نتيجتها من يوم إلى بضعة أيام.
في المقابل، فحوص الأجسام المضادة سهلة التركيب، فإعدادها لا يستغرق أكثر من بضع دقائق، ويمكن أن يجريها الشخص ذاتياً، وتظهر نتيجتها في أقل من ثلاثين دقيقة.
يحاول عالم الأوبئة في جامعة هارفارد، مايكل مينا، الترويج لهذه للاختبارات السريعة منذ فترة طويلة.
فمن منطلق الصحة العامة؛ فإنَّ قدرة الاختبار على كشف وجود الفيروس بدقة ليست مهمة بقدر دقته في تحديد الأشخاص الأكثر عرضة لنقل هذا الفيروس، وقد أثبتت الاختبارات السريعة جودتها على هذا الصعيد.
إذ أظهر بحث لاحق أجرته جامعة ليفربول أنَّ الدراسة التجريبية في المدينة أسهمت في خفض عدد الإصابات بنسبة 21% حتى منتصف ديسمبر من العام الماضي، وحققت ارتفاعاً بنسبة 18% في كشف الإصابات بالفيروس بالمقارنة مع المناطق الأخرى التي تنظر إليها الدراسة.
أمريكا تحاول اللحاق بالركب
تجدر الإشارة إلى أنَّ الحساسية العالية لفحوص الـ (PCR) لا تصب دائماً في مصلحتها. فبعض الأشخاص الذين أصيبوا بكورونا، قد يكونون مصابين بالعدوى من ثلاثة إلى سبعة أيام فقط، إلا أنَّ فحص الـ (PCR) قد يعطي نتيجة إيجابية حتى بعد شهر أو أكثر من الإصابة بالعدوى.
في المقابل، من المستبعد جداً أن تُعطي فحوص الأجسام المضادة نتيجة إيجابية خاطئة تؤدي إلى التغيب عن العمل بشكل غير ضروري. كذلك، قد تسهم الفحوص المتكررة في قياس إمكانية العدوى، مما يخفف من مدة العزل.
في ظل العوائق التنظيمية، والرسائل المشوشة، والارتفاع الحالي في الطلب العالمي على الاختبارات السريعة، تتخبط الولايات المتحدة للالتحاق بالركب، فيما لا يبدو أنَّ ثمة حلاً سهلاً يلوح في الأفق.
و بما أنَّ اختبارات الأجسام المضادة مصنَّفة على أنَّها مُعدَّات طبية؛ فإنَّ إدارة الغذاء والدواء تقيس أداءها بالمقارنة مع "المعيار الذهبي"، أي فحص الـ(PCR).
وقد أدى هذا المعيار المرتفع جداً إلى بطء شديد في عملية استصدار الموافقات التي غالباً ما يلفها الغموض، بحسب تحقيق نشرته منظمة "بروبوبليكا" في وقت سابق هذا الشهر، وأيضاً إلى شُح في الإمدادات.
ارتفاع أسعار الفحوصات
تسبّب ذلك أيضاً بارتفاع أسعار هذه الفحوصات. فاختبار "بيناكس ناو" الذي يعتبر الأرخص ثمناً بين الفحوص المتوفرة، يبلغ ثمنه 20 دولاراً للعلبة من اختبارين على موقع "أمازون"، إلا أنَّه لم يكن متوفراً في وقت كتابة هذا المقال، في حين يبلغ ثمن هذا الاختبار24 دولاراً في صيدليات "سي في اس"، و"رايت إيد" و"والغرينز"، إلا أنَّ الكميات نفذت في العديد من الفروع.
أما فحوصات شركة "إيلوم"، فيبلغ ثمنها حوالي 39 دولاراً، وقد نفذت الكميات أيضاً في العديد من نقاط البيع.
وكانت وكالة الغذاء والدواء قامت مؤخراً بتبسيط إجراءات التصريح المرهقة التي تفرضها على شركات صنع الاختبارات، ومنحت 6 تصاريح استخدام طارئة لاختبارات الأجسام المضادة المنزلية.
ولكن بما أنَّ المعايير لم تتغير؛ ليس من الواضح بعد ما إذا كانت الموافقات الإضافية ستسهم في حل مشكلة شح الإمدادات.
"يدعو مينا إدارة بايدن إلى تصنيف اختبارات الأجسام المضادة كأدوات صحة عامة بدلاً من إخضاعها للتنظيم كمعدات طبية. فمن خلال تغيير هذا التصنيف؛ لا تعود إدارة الغذاء والدواء مسؤولة عنها، وتترك مسألة المعايير والموافقات إلى مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها).
بالطبع، الحل الأمثل هو أن يتلقى الجميع اللقاح والجرعة المعززة. ولكن لم تتم هزيمة كورونا بعد، ولا يريد أي أحد العودة إلى سياسة الإغلاق العام، والدليل على ذلك المظاهرات التي تعمُّ أوروبا حالياً.
في غضون ذلك؛ فإنَّ توفير الاختبارات السريعة، وكأنَّها علبة "أسبرين" في خزانة الأدوية، سيمنح الناس شعوراً أكبر بالسيطرة على الوباء، ويسهم في التخفيف من معدلات العدوى.