ما الذي يجذب شركات الملكية الخاصة إلى كرة القدم رغم خسائرها؟

من الصعب فهم اهتمام مستثمرين من المفترض أنهم يركزون على تحقيق المكاسب بصناعة تبدو وكأنها مشروع عملاق يبتلع الأموال

time reading iconدقائق القراءة - 19
جماهير مانشستر يونايتد تحتج على ملكية عائلة غليزر للنادي خلال المباراة النهائية لكأس كاراباو بينه وبين نيوكاسل يونايتد على ملعب ويمبلي، لندن. إنجلترا في 26 فبراير 2023  - المصدر: بلومبرغ
جماهير مانشستر يونايتد تحتج على ملكية عائلة غليزر للنادي خلال المباراة النهائية لكأس كاراباو بينه وبين نيوكاسل يونايتد على ملعب ويمبلي، لندن. إنجلترا في 26 فبراير 2023 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

من السهل أن نفهم لماذا قد يرغب الأثرياء، أو الدول الغنية بالنفط، في شراء أندية كرة القدم. فهناك السحر الذي يولّده الارتباط برياضة يتابعها المليارات من المشجعين، كما أن ذلك يُعد فرصة أيضاً بالنسبة إلى الحكومات لتعزيز صورتها ومكانتها على الساحة العالمية. لكن في المقابل، من الصعب تفسير انجذاب صانعي الصفقات الحريصين على تحقيق عوائد مالية، إلى الاستثمار في هذه الرياضة.

لنأخذ الدوري الإنجليزي الممتاز مثالاً. فمسابقة كرة القدم المحلية الأكثر شعبية في العالم، هي عبارة عن "مستنقع" من الإنفاق المسرف، مع هيكل تكلفة خارج عن السيطرة. مُنيت الأندية العشرون في "البريمير ليغ" بخسائر إجمالية قبل الضرائب بلغت 1.66 مليار جنيه إسترليني (ملياري دولار) في موسمي 2019-2020 و2020-2021 اللذين عطّلتهما جائحة كورونا. يدفع الدوري ككل رواتب غير مستدامة، وذلك بناءً على تقدير الهيئة المنظمة لكرة القدم الأوروبية بأن تلك التكاليف يجب ألا تتجاوز 70% من الإيرادات إذا أرادت الأندية الوصول إلى نقطة التعادل بين الإيرادات والمصروفات.

ندّد رئيس الدوري الإسباني "لا ليغا" بالإنفاق القياسي على انتقالات اللاعبين من قبل الملاك الأثرياء لفرق الدوري الإنجليزي الممتاز التي تُمنى بخسائر مالية، ووصفه بأنه "منشطات" مالية.

سلعة رائجة

مع ذلك، لم يجد "البريمير ليغ" عناءً في جذب اهتمام المستثمرين المحترفين، لا سيما من الولايات المتحدة. انضمت "كلير ليك كابيتال" (Clearlake Capital) إلى الملياردير تود بويلي في الاستحواذ على "نادي تشيلسي" لكرة القدم في العام الماضي مقابل 2.5 مليار جنيه إسترليني. وحطّم النادي الرقم القياسي للانتقالات في الدوري الإنجليزي خلال فترة الانتقالات الشتوية في يناير الماضي، فيما كان معدل الأجور إلى الإيرادات 76% في 2021. كذلك، اشترت "رد بيرد كابيتال بارتنرز" (RedBird Capital Partners) حصة في الشركة الأميركية المالكة لـ"نادي ليفربول" في 2021، وطُرح اسمها كمستحوذ محتمل. أما "نادي كريستال بالاس"، الذي تبلغ نسبة الأجور إلى الإيرادات فيه 95%، فهو مملوك جزئياً لجوش هاريس، مؤسس "أبولو غلوبال مانجمنت" (Apollo Global Management). وأيضاً، يشارك ويس إيدنز، مؤسس "فورتريس إنفستمنت غروب" (Fortress Investment Group ) في ملكية "نادي أستون فيلا"، والذي أضاف أكثر من 200 مليون جنيه إسترليني إلى خسائره المتراكمة في السنوات الأربع الماضية. وهناك بالطبع آخرون.

كذلك، فإن سعر الدخول إلى "مهرجان تدمير الثروة" هذا، ليس زهيداً. لنأخذ "نادي مانشستر يونايتد" مثالاً. فعائلة غليزر الأميركية المالكة للنادي، نظرت إلى العطاءين المقدمين من أحد أفراد العائلة الحاكمة في قطر ورجل الصناعة البريطاني جيم راتكليف، على أنهما أقل مما كانت تأمل وفقاً لصحيفة "فايننشال تايمز". قالت الصحيفة إن العرض القطري يُرجّح أن يقدّر قيمة النادي بنحو 4.5 مليار جنيه إسترليني.

عرض بهذا الحجم يزيد بنحو 700 مليون جنيه إسترليني عن قيمة "مانشستر يونايتد" الحالية البالغة 3.8 مليار جنيه إسترليني، بما في ذلك قيمته السوقية البالغة 3 مليارات جنيه إسترليني وصافي دين حجمه 833 مليار جنيه إسترليني.

لهذا، فإن الفائز المحظوظ بالصفقة (إذا قررت عائلة غليزر البيع في نهاية المطاف)، سيحصل على نادٍ تكبد خسائر لثلاث سنوات متتالية قبل خصم الضرائب، مجموعها 194 مليون جنيه إسترليني، إلى جانب إيرادات لم تزد سوى بنسبة طفيفة بلغت 1.8% في السنوات الخمس الأخيرة حتى 30 يونيو الماضي. في المقابل، فإن الجانب المشرق هو فوز الفريق بكأس الرابطة يوم 26 فبراير، منهياً ستة أعوام عجاف. ومن ناحية أخرى، ألقت هزيمته 7-0 من منافسه "ليفربول" في الأسبوع التالي، بظلال من الشك على قوة الفريق في إنعاش فرصه في العودة إلى سابق الأمجاد ومنصات التتويج.

"مان يونايتد".. والتاريخ

يقدّم مانشستر يونايتد منظوراُ مفيداً للبحث في مستوى السلامة والاستقامة، أو غير ذلك، في العمليات المالية في الدوري الإنجليزي الممتاز. أحد الأسباب هو أن النادي مدرج في البورصة، وبالتالي فإن مستوى الإفصاح أعلى. علاوة على ذلك، فهو أصل متميز: علامة تجارية لها تاريخ طويل، وقاعدة متابعين عالمية منقطعة النظير. أحرز "مانشستر يونايتد" 20 لقباً للدوري منذ عام 1889، أكثر من أي ناد آخر (بينها 13 لقباً في عصر الدوري الإنجليزي الممتاز الذي بدأ في عام 1992)، ولديه 1.1 مليار معجب ومتابع في جميع أنحاء العالم. وباختصار، إذا كان هذا النادي لا يمكن أن يحقق ربحاً، فما هو الأمل الذي يمكن أن يملكه الباقون؟

ثمة طرق متعددة لتقييم الأعمال. يمكن القول إن التدفق النقدي المخصوم (أي حساب القيمة الحالية للتدفقات النقدية المستقبلية لمعرفة مدى ربحية الاستثمار) هو المعيار الذهبي، على الرغم من أن له عيوبه، لا سيما بالنسبة إلى المؤسسات المتقلبة، والتي غالباً ما تنفق المال بكثرة مثل أندية كرة القدم.

تُعتبر تقييمات التدفقات النقدية المخصومة حساسة للغاية للتغيرات في الافتراضات، ما يعني أنه يمكنك بسهولة زيادة الرقم من خلال بناء تقديرات أكثر تفاؤلاً. ومع ذلك، فأنت بحاجة إلى نظرة ثاقبة للمستقبل للوصول إلى الــ4.5 مليار جنيه إسترليني التي رفضها مالكو "مانشستر يونايتد" باعتبارها متدنية للغاية. أظهر تحليل أجراه كيران ماغواير، وهو محاضر في المحاسبة ومتخصص في الشؤون المالية لكرة القدم بجامعة ليفربول، أن قيمة النادي تبلغ 2.7 مليار جنيه إسترليني فقط حتى بعد حساب نمو سخي للإيرادات بنسبة 15% على مدى السنوات الخمس المقبلة. هذا أقل 40% من قيمة النادي الحالية، والتي تتضمن بالفعل علاوة العطاءات الكبيرة، وهي الأموال التي يستعد المزايدون لدفعها فوق سعر السوق قبل إعلان العرض الفائز. ارتفعت أسهم مانشستر يونايتد 67% منذ نوفمبر، عندما أشارت عائلة غليزر إلى أنها قد تبيعه.

ذروة الإقبال والتهافت

نظراً للتشوهات التي تسببها التدفقات النقدية السلبية، والتي تحدث عندما يكون الإنفاق أكثر من الدخل، فقد أثبت استخدام مضاعفات الإيرادات أنها أداة شائعة لتقييم أندية كرة القدم. طوّر توم ماركهام، المتخصص في تمويل كرة القدم ومدير "نادي ويغان أثليتيك"، مقياساً يأخذ في الاعتبار أيضاً عوامل مثل الربحية، ومعدل استخدام الملاعب، ونسبة الأجور إلى الإيرادات، وهو مقياس مهم نظراً للتضخم في رواتب اللاعبين. كان نموذج ماركهام ذو المتغيرات المتعددة، دقيقاً للغاية في التنبؤ بقيم الصفقات الفعلية. ويشير إلى أن قيمة "مانشستر يونايتد" تبلغ نحو857 مليون جنيه إسترليني، بناءً على أحدث نتائجه للعام بأكمله.

قد يذهب المتفائلون إلى أن النادي مهيأ لتحقيق نمو أسرع بكثير. فنحن في فترة ذروة الإقبال والتهافت على صناعة كرة القدم الأوروبية، مع ارتفاع قيمة حقوق البث باستمرار. تتمثل إحدى طرق فهم اهتمام شركات الاستثمار بكرة القدم، على أنه أقرب إلى طفرة الإنترنت. هذه هي سنوات البناء والنمو الأولى، والتي تكون فيها حيازة حصة في السوق لضمان مكان بين النخبة، أكثر أهمية من الانشغال بالربحية.

لكن التهافت مستمر منذ فترة، وهناك إشارات قليلة ثمينة على ذلك في زيادة قيمة "مانشستر يونايتد". في غضون ذلك، خفّض النادي استثماراته، ويحتاج ملعبه "أولد ترافورد" إلى تجديد أو إعادة بناء، وهو مشروع قد يتكلف أكثر من مليار جنيه إسترليني.

علاوة على ذلك، فإن إمكانات النادي التجارية غير مستغلة تقريباً. فلديه قناته التلفزيونية الخاصة، وتطبيق على الإنترنت، ومنتجات تحمل علامته التجارية من الساعات الفاخرة وألعاب الأطفال إلى أغطية الأسرّة. ومع ذلك، فإن حجم المتابعة العالمية تشير إلى أن هناك مجالاً للمزيد. يشير ماغواير من جامعة ليفربول، إلى أن إيرادات "مانشستر يونايتد" البالغة 583 مليون جنيه إسترليني، لا تمثل سوى 55 بنساً لكل متابع سنوياً. التقدم التكنولوجي، مثل القدرة على بيع تذاكر افتراضية لمشاهدة الألعاب ثلاثية الأبعاد وكأنك في الملعب، هو فرصة لمزيد من "تحقيق الدخل وكسب المال".

هل يمكن تصحيح المسار؟

قد تساعد مثل هذه الحسابات في تفسير حماسة شركات الملكية الخاصة تجاه كرة القدم. فمقل العيون معلقة بالساحرة المستديرة، والإيرادات كذلك حاضرة وإمكانات النمو موجودة؛ وكل ما تحتاجه الصناعة هو العمل على تحسين هيكل التكلفة المختل. في الواقع، إنه موقف تحوّل -وهذا ما تفعله شركات الملكية الخاصة- من حيث ترشيد العمليات وتقليص أوجه القصور لتحسين الربحية. في الواقع، هناك بالفعل الكثير من الدلائل على أن الصناعة تتحرك في اتجاه مزيد من الاستدامة المالية.

إنه رهان منطقي. والأرجح بعد كل ما سبق، هو أن هذه الصناعة الكبيرة ذات الأهمية الاجتماعية والثقافية، إما أن تستمر في الانزلاق إلى هوة سحيقة من الإنفاق الخارج عن السيطرة وزيادة الخسائر، أو بطريقة ما تُعاد إلى مسار مستدام يمكّن المستثمرين العقلانيين من تحقيق أرباح. ويُعد إحجام الكونسورتيوم القطري عن دفع مبالغ زائدة لـ"مانشستر يونايتد" علامة أخرى محتملة على ترسخ "عقلنة" صناعة كرة القدم.

ربما لا يزال الأمل يراود شركات الاستثمار الأميركية في استيراد نظام "الدوري المغلق"، وهو المقتصر على عدد ثابت لا يتغير من الأندية، الذي عزّز ربحية الفرق الرياضية الأميركية، على الرغم من أنه في حالة المملكة المتحدة على الأقل، ربما يكون هذا بمثابة حلم بعيد المنال، نظراً لرد الفعل العنيف الذي أوعزت به بطولة دوري السوبر الأوروبي التي لم ترَ النور من الأساس.

في النهاية، ورغم ذلك، لا يزال هذا رهاناً على مستقبل لم يأت بعد. يحب كل عشاق الرياضة العودة الدرامية. ولكن، مثلما يعلم لاعبو "مانشستر يونايتد" الذين غادروا ليفربول الأسبوع الماضي والكآبة تعلو وجهوهم بسبب خسارتهم المذلة بسبعة أهداف دون رد، فإن بعض حالات العجز وأوجه القصور، لا يمكن التغلب عليها.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

مانشستر

10 دقائق

1°C
غائم جزئي
العظمى / الصغرى /
3.7 كم/س
86%
الآراء الأكثر قراءة