وسط كل ما يثار حول سيارات الأجرة الطائرة، والطائرات النفاثة الموجهة رقمياً، يمكن لحقيقة بسيطة حول صناعة الطيران أن تضيع: يحدث التغيير ببطء مثل سير النهر الجليدي، وهناك سبب وجيه وراء ذلك. ليس من وظائف الطائرات التي تنقل مئات الأشخاص أن تعمل كأفضل المختبرات، وتميل أسوأ السيناريوهات الناتجة عن انحراف التكنولوجيا لأن تكون أكثر خطورة من تلك التي تواجه معظم الصناعات الأخرى. لكن هذا النهج المتعمد يمكن أن يشبه حركة حيوان الكسلان البطيئة مقارنة بالابتكارات الحديثة. ومن الأمثلة على ذلك: بعد مرور 15 عاماً تقريباً على إطلاق شركة "أبل" لأول هاتف "أيفون"، قدمت شركة "هنيويل إنترناشيونال" (Honeywell International) الآن فقط عناصر تحكم في قمرة القيادة بواجهة مستخدم تشبه الهاتف الذكي. يجب النظر إلى إصرار إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية على قيام "إيه تي آند تي" (AT&T) و"فيرايزون كوميونيكيشن" (Verizon Communications) بتأجيل إطلاق تقنية الجيل الخامس مؤقتاً.
اقرأ أيضاً: هل الفوز بسباق شبكات الجيل الخامس بأمريكا يستحق العناء؟
هدنة مؤقتة
توصلت هيئة تنظيم الطيران ووزارة النقل ومشغلو الشبكات اللاسلكية في الولايات المتحدة، إلى هدنة مؤقتة هذا الأسبوع لما أصبح مواجهة متوترة بشكل متزايد بسبب مخاوف بشأن التداخل المحتمل مع المعدات المستخدمة في هبوط الطائرات أثناء الأحوال الجوية السيئة. ووسط تهديدات باتخاذ إجراءات قانونية، عكست "إيه تي آند تي" و"فيرايزون" موقفهما، واتفقتا في وقت متأخر من يوم الاثنين على تأخير إطلاق الخدمة على نطاق جديد من الطيف لمدة أسبوعين. كما وافق مشغلو شبكات الاتصالات اللاسلكية على وضع إجراءات وقائية إضافية حول 50 مطاراً ذات أولوية لمدة ستة أشهر.
اقرأ المزيد: "إيه تي آند تي"و"فيرايزون" ترفضان تأخير إطلاق خدمة الجيل الخامس الجديدة
يجب أن يمنح ذلك إدارة الطيران الفيدرالية مزيداً من الوقت لتقييم مخاطر تعطل أجهزة قياس الارتفاع بالرادار -التي تستخدم موجات الراديو عند ترددات مشابهة (ولكنها ليست مشابهة جداً) لإشارات الجيل الخامس الجديدة لقياس مسافة الطائرات عن الأرض- وتجنب إصدار قيود طيران شاملة إلى الآن. قدرت مجموعة الخطوط الجوية الأمريكية التجارية أن القيود المفروضة على عمليات الهبوط في ظروف الرؤية المنخفضة، يمكن أن تؤخر أو تحوّل أو تلغي 350 ألف رحلة ركاب وشحن سنوياً في أسوأ سيناريو. وافقت إدارة الطيران الفيدرالية ووزارة النقل على عدم مطالبة "إيه تي آند تي" و"فيرايزون" بأي تأخيرات أخرى تمنع "أي مشكلات غير متوقعة تتعلق بسلامة الطيران".
مراجعة مخاطر الطيران
قد يتساءل المراقب العادي عن سبب وجود الكثير من الجلبة حول توقف العمل لمدة أسبوعين. إن الإحباط الذي تشعر به "إيه تي آند تي" و"فيرايزون" أمر مفهوم. كانت شركتا الاتصالات قد وافقتا بالفعل على تأخير لمدة شهر واحد وتأجيل إطلاق شبكات الجيل الخامس من ديسمبر إلى يناير. والأهم من ذلك، قررت لجنة الاتصالات الفيدرالية، وهي الوكالة المسؤولة عن إدارة استخدام الطيف الترددي في الولايات المتحدة، أنه من الآمن فتح الترددات الجديدة للخدمات اللاسلكية منذ حوالي العامين. تضمن هذا الاستنتاج مراجعة المخاطر المتعلقة بالطيران، رغم أن مجموعات الصناعة قالت إنه مخاوفها لم تُعالج بالكامل، واستمرت في إثارة المشكلات. دفعت "إيه تي آند تي" و"فيرايزون" وغيرهما من الشركات المشغلة للشبكات اللاسلكية أكثر من 80 مليار دولار لشراء حقوق الطيف في مزاد اكتمل في يناير الماضي، ودفعت مليارات أخرى لتسريع الانتقال من شركات الأقمار الصناعية التي كانت تستخدم الترددات. كتب جون ستانكي، الرئيس التنفيذي لشركة "إيه تي آند تي" ونظيره في "فيرايزون"، هانز فيستبرغ، في رسالة مشتركة في 2 يناير: "لسبب غير مفهوم، يبدو أن إدارة الطيران الفيدرالية وصناعة الطيران لم تفعلا شيئاً لإعداد وتكييف مقاييس الارتفاع للإطلاق خلال الفترة الفاصلة.
سرعات متفاوتة
يبدو أن عدم التطابق هذا يعكس جزئياً على الأقل سوء فهم لكيفية عمل الصناعتين. قال تيم فارار، المستشار في صناعة الاتصالات والأقمار الصناعية في مقابلة عبر الهاتف: "يتحرك قطاع الطيران ببطء شديد مع المعايير ووضع معدات جديدة على الطائرات، وهذا أمر مفهوم لأنه يركز على السلامة، لكنه لا يتوافق مع السرعة التي يتحرك بها قطاع التكنولوجيا وسرعة نشر شبكات الجيل الخامس". وقال إن منظمي الطيران يميلون إلى النظر في "أسوأ حالة من بين أسوأ الحالات" و"هذا ليس موقفاً معقولاً لاتخاذه"، مشيراً إلى أن حوالي 40 دولة أخرى نجحت بالفعل في طرح خدمة الجيل الخامس على ترددات مماثلة مع الحد الأدنى من اضطرابات السفر الجوي. ومن الجدير بالذكر أن منظمي الطيران في الولايات المتحدة تلقوا تدقيقاً شديداً مؤخراً لعدم تفكيرهم بعناية كافية في أسوأ الحالات عندما تعلق الأمر بطراز "737 ماكس" من طائرات "بوينغ"، التي أدى تحطم طائرتين منها إلى إيقاف تشغيل الطراز لمدة عامين تقريباً. لم يكن هذا من أجل لا شيء، فقد هيمنت الآثار المدمرة للوباء على العامين الماضيين في صناعة الطيران.
طائرات قديمة
من المفترض أن تعمل أجهزة قياس الارتفاع لرادار الطائرات على ترددات تتراوح بين 4.2 و4.4 غيغاهرتز، والتي يجب أن تصنع حاجزاً مؤقتاً لا يقل عن 400 ميغاهرتز من المستويات التي ستستخدمها "فيرايزون" و"إيه تي آند تي" لخدمة شبكات الجيل الخامس في عام 2022، كما تقول الشركات المشغلة للشبكات اللاسلكية. تكمن المشكلة في أن بعض أجهزة قياس الارتفاع القديمة قد تفتقر إلى أحدث مرشحات الإرسال وتلتقط الطاقة عبر نطاق أكبر. قال فارار إن معظم الطائرات التجارية الكبيرة من المحتمل أن تكون جيدة، لا سيما بالنظر إلى قيام شركات الطيران بشكل متسارع بإحالة الطائرات الأقدم إلى التقاعد خلال جائحة كوفيد، لكن عدداً من الطائرات الإقليمية الأكبر عمراً وطائرات رجال الأعمال وطائرات الهليكوبتر قد تتطلب ترقيات.
التطوير يحتاج سنوات
قدرت تكلفة هذه التعديلات ببضع مئات الملايين من الدولارات، وهو مبلغ ليس بالقليل، لكنه هامشي مقارنة بما دفعه مشغلو شبكات اللاسلكي للوصول إلى النطاق الجديد من الطيف الترددي. وقال فارار: "السؤال الحقيقي هو مدى السرعة التي يمكن أن يحدث بها ذلك؟". في تعليقات للجنة الاتصالات الفيدرالية، قال خبراء الطيران إن الأمر قد يستغرق سنوات لتطوير معايير جديدة واستبدال المعدات، كما أفادت "بلومبرغ نيوز".
اتهم ممثلو "إيه إتي آند تي" و"فيرايزون"، صناعة الطيران باحتجاز طرح شبكات الجيل الخامس كرهينة في محاولة لجعل مشغلي الشبكات اللاسلكية يدفعون مقابل الترقيات، لكن الاتفاقية مع إدارة النقل لا تذكر أي تعويض مالي من أي مصدر. وقال مستشار الصناعة اللاسلكية تشيتان شارما إن شروط هذا الترتيب تشير إلى أن الجانبين قد وصلا إلى نهاية هذا النزاع، رغم أنه لا يمكن استبعاد المزيد من النكسات.
قال في مقابلة عبر الهاتف: "لا أحد يريد أن يظهر في الجانب الخطأ، ويقول: لقد حذرناكم. ثم يحدث شيء سيئ". ولكن "إذا كان العلم والهندسة يدعمانها ولم يذكر أي شخص في معالجة الإشارات أو تصنيع الرقائق أو الصناعة اللاسلكية أن هذه مشكلة، فيجب على شخص ما أن يلعب دور القاضي".