إمبراطورية أعمال إماراتية تدير 1.5 تريليون دولار تجتذب أباطرة المال

أصبح الشيخ طحنون بن زايد بشكل متزايد الوجه المعبّر عن التطلعات العالمية لدولة الإمارات

time reading iconدقائق القراءة - 18
مبان سكنية شاهقة في منطقة الريم في أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة - المصدر: بلومبرغ
مبان سكنية شاهقة في منطقة الريم في أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

مع تدفق أموال الثروة النفطية الخليجية إلى كل مكان في العالم، سواء لدعم عمليات الاندماج الضخمة، أو لدعم الاقتصادات، أو حتى لعقد صفقات تقلب عالم الرياضة رأساً على عقب، يبدو أن التحركات التي قام بها أحد أبرز الشخصيات في الأسرة الحاكمة في أبوظبي، قد جعلت منه واحداً من أكثر صانعي الصفقات تأثيراً في العالم.

خلال الأشهر القليلة الماضية، تولى الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان قيادة أكبر صندوق سيادي في دولة الإمارات العربية المتحدة، ليصل حجم الأصول التي يشرف على إدارتها إلى ما يقرب من 1.5 تريليون دولار. وقد عمل على تمويل صفقات بمليارات الدولارات عبر إمبراطورية مالية مترامية الأطراف تضم العديد من الكيانات الخاصة والحكومية. ومن خلال جذبه أباطرة المال، من أمثال راجيف ميسرا، والملياردير راي داليو، سعى الشيخ طحنون، وهو أحد نائبي حاكم أبوظبي ومستشار الأمن الوطني في دولة الإمارات وشقيق رئيسها، إلى الاستثمار في كل شيء، من التكنولوجيا إلى القطاع المالي، مع تحقيق درجات متفاوتة من النجاح.

يُعرف عن الشيخ طحنون أنه من محبي رياضات الجوجيتسو البرازيلية، وركوب الدراجات الهوائية، والشطرنج، وهو يرأس حالياً صندوقين سياديين، وأهم شركة استثمار خاصة في المنطقة، وأكبر بنك في البلاد، وأكبر شركة مدرجة في السوق المالية المحلية. هذا الأمر جعله الرئيس الفعلي للأعمال التابعة لعائلة آل نهيان الثرية، مع إمكانية الوصول إلى احتياطيات نقدية لا تنضب على ما يبدو في ثالث أكبر دولة منتجة للنفط في منظمة "أوبك". وبالتالي، يتمتع الشيخ طحنون بقوة مالية استثنائية وغير اعتيادية، حتى في منطقة الخليج العربي الغنية بالنفط.

الشيخ طحنون الذي ولد في أواخر الستينيات -بعد سنوات قليلة من اكتشاف النفط في أبوظبي، عندما كانت دولة الإمارات لا تزال تُعتبر منطقة نائية يقطنها أقل من 250 ألف نسمة مقارنة بما يقرب من 10 ملايين نسمة اليوم- أصبح وبشكل متزايد، هو الوجه المعبّر عن طموحات بلاده وتطلعاتها العالمية.

أهمية القوة المالية

قالت كارين يونغ، كبيرة الباحثين في مركز جامعة كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية: "أدركت القيادة الإماراتية أن الجانب المالي هو المصدر الأكثر أهمية لفن الحكم.. تمتلك الدولة الوسائل الاقتصادية لتأمين نفسها، وإبراز قوتها، وتشكيل السياسة من حولها بطرق لا يمكنها تحقيقها بحجمها الصغير أو قوتها العسكرية فقط".

أضافت يونغ أن الشيخ طحنون هو اليوم العقل الاستراتيجي الذي يقف وراء العديد من أدوات إدارة الحكم الاقتصادي والقدرة على استخدام الوسائل الاقتصادية لدعم السياسة الخارجية.

تسلّط محاولتا شراء بنك "ستاندرد تشارترد" وبنك الاستثمار الأميركي "لازارد" (Lazard Ltd) في بداية العام الجاري -رغم عدم نجاحهما في نهاية المطاف- الضوء على حجم طموحات الشيخ طحنون. من بين الصفقات الأخرى البارزة أيضاً، استثمار في شركة "بايت دانس" (ByteDance Ltd) الصينية المالكة لشركة "تيك توك" (TikTok Inc)؛ وإطلاق صندوق بقيمة 10 مليارات دولار يستهدف الفرص في مجال التكنولوجيا؛ واتفاق لتمويل الأداة الاستثمارية الجديدة للملياردير ميسرا بقيمة 6.8 مليار دولار؛ والاستحواذ على أكبر شركة لصناعة الأغذية في كولومبيا بالشراكة مع المصرفي الملياردير خايمي جيلينسكي. وهناك أيضاً شركة "جي42" (G42)، وهي كيان آخر من الكيانات الرئيسية التابعة للشيخ طحنون، والتي تتعاون مع شركة "سيريبراس سيستمز" (Cerebras Systems Inc) التي قامت مؤخراً ببناء أول 9 أجهزة كمبيوتر عملاقة تعمل بالذكاء الاصطناعي كبديل للأنظمة التي تستخدم تقنية "إنفيديا كورب" (Nvidia Corp).

رغم الموارد المالية الهائلة التي يتحكم بها، واجهت الكيانات التابعة للشيخ طحنون في بعض الأحيان تحديات في إبرام صفقات عبر الحدود، مثل تلك الخاصة ببنك "ستاندرد تشارترد"، بسبب الصعوبات في التعامل مع لوائح الاندماج والاستحواذ المعقدة في الخارج. وقد تكون هناك تحديات أخرى في المستقبل.

عراقيل وتدقيق

يحذّر مصرفيون ومحامون من أن بعض الأدوات الاستثمارية في أبوظبي قد تتباطأ بسبب مراجعات الأمن القومي في الولايات المتحدة، حيث تجري اللجنة الأميركية للاستثمار الأجنبي على نطاق واسع عمليات تدقيق أكثر صرامة لصفقات المستثمرين الدوليين الذين لديهم علاقات تجارية مع الحكومة الصينية. ومن المقرر أن تنضم دولة الإمارات أيضاً إلى مجموعة "بريكس" للأسواق الناشئة الكبرى، لتقترب بذلك أكثر من فلك بكين.

أصبحت الصفقات الأميركية أكثر تعقيداً بالنسبة إلى الكيانات الخليجية، وفقاً لما تقوله لين عمار، المقيمة في أبوظبي في شركة المحاماة "كليري غوتليب" (Cleary Gottlieb). وتوضح عمار: "من المرجح أن يواصل النطاق الجغرافي الواسع جذب انتباه السلطات المعنية بالاستثمار الأجنبي المباشر، مثل لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، والتي قد تكون قلقة بشأن التدفق المحتمل للمعلومات إلى الصين".

هذه الأشكال من الضغوط الإضافية، تأتي في حين تُظهر الأدوات الاستثمارية التابعة للشيخ طحنون تفضيلاً خاصاً للأسواق الناشئة. ذكرت بلومبرغ أن صندوق التكنولوجيا التابع لشركة "جي42" يقوم بتشكيل فِرَقٍ في المدن الآسيوية، بما في ذلك في شنغهاي، بهدف استكشاف فرص الاستثمار. وفي غضون ذلك، أبدت شركة الشيخ طحنون الاستثمارية الخاصة "رويال غروب"منذ فترة طويلة، اهتماماً كبيراً بالهند، والتي وصفها مسؤولون تنفيذيون في المجموعة بأنها محرك النمو المحتمل للعقد المقبل، حسبما قال أشخاص مطلعون على الأمر.

دخلت مجموعة "جي42" أيضاً في مناقشات متقدمة لتوسيع مشروع الجينوم البشري الخاص بها، ليشمل دولاً في كل أنحاء أفريقيا وآسيا، وفقاً للأشخاص المطلعين. وتُعد الولايات المتحدة وأوروبا وأميركا اللاتينية من الأسواق الأخرى التي تُعتبر محل اهتمام أيضاً بالنسبة إلى مجموعة "رويال غروب".

في تعليق مكتوب رداً على أسئلة بلومبرغ، قال سيد بصر شعيب، الرئيس التنفيذي لشركة "العالمية القابضة" (International Holding Co)، إن الشركة التابعة للشيخ طحنون "تستكشف الفرص المتاحة في الأسواق الناشئة". أضاف شعيب، وهو أحد كبار مساعدي الشيخ طحنون، إن الانضمام إلى مجموعة "بريكس" سيسمح للبلاد بتعزيز شراكاتها العالمية.

لم يستجب ممثلو "رويال غروب" و"جي42" والمكتب الإعلامي لحكومة الإمارات ووزارة الخارجية الإماراتية، لطلبات التعليق.

تولى الشيخ طحنون رئاسة "جهاز أبوظبي للاستثمار"، بعد إعادة تشكيل مجلس الإدارة في مارس الماضي. وبعد ذلك بأيام، عيّن رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، ابنه البكر الشيخ خالد بن محمد ولياً للعهد، بعدما ظل المنصب شاغراً لمدة عام.

وفقاً لبيانات من مؤسسة "غلوبال إس دبليو أف" (Global SWF)، يحتل "جهاز أبوظبي للاستثمار" (البالغ حجمه 993 مليار دولار) مركزاً متقدماً بين أكبر الصناديق السيادية في العالم، كما احتل المرتبة الثانية مباشرةً بعد "صندوق الاستثمارات العامة السعودي" من حيث الإنفاق على الصفقات منذ بداية 2022، مقارنة بنظرائه الإقليميين، وأنفقت الشركات الأخرى التابعة للشيخ طحنون مليارات إضافية على الصفقات، بما في ذلك مجموعة "رويال غروب" التي لا تكشف كثيراً عن معلوماتها.

مع ذلك، فإن الثقل المالي الذي تتمتع به أبوظبي، لم يكن كافياً في كل مرة لحسم الصفقات. فبنك "أبوظبي الأول" الذي يشرف عليه الشيخ طحنون، والذي كان يدرس تقديم عرض لشراء بنك "ستاندرد تشارترد"، استحوذ على الوحدة المصرية التابعة لـ"بنك عودة" في عام 2021. لكن بعد هذا الاستحواذ بعام واحد، سحب عرضاً بقيمة 1.2 مليار دولار لشراء بنك الاستثمار المصري "مجموعة إي أف جي- هيرميس" بسبب البيروقراطية الشديدة، حسب ما ذكرته بلومبرغ في تقرير. أما بالنسبة إلى صفقة "ستاندرد تشارترد"، فكان إنجازها يمثل تحدياً كبيراً، نظراً لاختلاف حجم البنكين. وقد شكلت الموافقات التنظيمية والامتثال أيضاً عائقاً أمام إتمام الصفقة.

جذب المليارديرات

مع ذلك، تظل إمارة أبوظبي وجهة أساسية لعقد الصفقات، وقد لعب الشيخ طحنون دوراً محورياً في تحقيق طموحات أبوظبي في الاستفادة من قوتها المالية المتزايدة في جذب المزيد من المليارديرات. على سبيل المثال، نشرت بلومبرغ خبراً عن إنشاء راي داليو مؤسس شركة "بريدج ووتر أسوشيتس" (Bridgewater Associates) فرعاً لمكتبه العائلي في أبوظبي، وعن مشاركته الشيخ طحنون في صفقات عدة.

وعلى الصعيد الدبلوماسي، ساعد الشيخ طحنون شقيقه رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد أيضاً على الدخول في أسواق ذات ثقل جيوسياسي حول العالم، حيث وقّعت الإمارات سلسلة من الاتفاقيات للاستثمار في اقتصادات آسيوية وأفريقية، بما في ذلك في إندونيسيا التي عقدت مجموعة "جي42" وداليو مباحثات شراكة للمساعدة في بناء العاصمة الجديدة فيها. وعلى المستوى الإقليمي، تصدّر الشيخ طحنون مشهد الاستثمارات في مصر، ومنها إلى تركيا، حيث تعهدت الدولة الخليجية مؤخراً بضخ أكثر من 50 مليار دولار في الاقتصاد التركي.

وبحسب قول ستيفن هيرتوغ، الأستاذ المشارك في كلية لندن للاقتصاد: "تراعي أبوظبي بالتأكيد البعد الجغرافي الاستراتيجي عند انتقاء بعض استثماراتها في الخارج. ونظراً للخلفية الأمنية التي يتمتع بها الشيخ طحنون، ودوره كمبعوث رفيع المستوى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بصفة خاصة، نعتقد بأن الصناديق الخاضعة لإدارته تراعي مثل هذه الأبعاد".

أكبر من "غولدمان"

على الصعيد المحلي، كان تأثير الشيخ طحنون بارزاً أيضاً، إذ تُشكل الشركة العالمية القابضة (IHC) حالياً، جزءاً رئيسياً من إمبراطوريته، بعدما تحوّلت في غضون سنوات قليلة من شركة مغمورة لمزارع الأسماك، إلى كيان عملاق قيمته 240 مليار دولار. ويبلغ حجمها حالياً ضعف بنك "غولدمان ساكس غروب"، و"بلاكستون" الأميركيين. لكن مع ذلك، لم تجذب الشركة العديد من المستثمرين الدوليين إليها، كما لا يغطي شؤونها المحللون الذين تتتبعهم بلومبرغ.

وقال شعيب: "التزام الشركة العالمية القابضة بالشفافية واضح في أنشطتها التجارية المنتظمة، بما في ذلك دمج الأصول العقارية، وتشكيل تحالفات استراتيجية تبرز التآزر وترفع قيمة الشركة. كما تتيح هذه الأنشطة للشركة فرصاً جديدة، مع تعظيم إمكانات أصولها على الصعيدين المحلي والدولي".

ساهم صعود سعر سهم الشركة في دعم سوق أبوظبي للأورواق المالية، التي ارتفعت بنسبة 92% منذ بداية 2020. وفي الفترة ذاتها التي شهدت نزوح المستثمرين من الأسواق الناشئة، وانخفاض مؤشر "إم إس سي آي" القياسي بنحو 11%، استطاعت سوق أبوظبي للأوراق المالية -المملوكة لشركة "القابضة" (ADQ)- تعزيز القيمة السوقية للأسهم المدرجة فيها بأكثر من 600 مليار دولار، لتبلغ في نهاية الأسبوع الماضي نحو 750 مليار دولار.

ساعدت بعض الصفقات التي شملت الحيازات الخاصة للشيخ طحنون والصناديق السيادية التي يشرف عليها في دعم صعود السوق المالية في أبوظبي. وأحدث مثال على ذلك، إنشاء شركة عقارية عملاقة بقيمة 12 مليار دولار بالتعاون مع "القابضة" (ADQ) و"العالمية القابضة". وفي وقت سابق من العام الجاري، وقعت الشركتان أيضاً شراكة مع شركة الأسهم الخاصة العملاقة "جنرال أتلانتيك" (General Atlantic) بقيمة 73 مليار دولار، في إطار مشروع جديد لرأس المال الجريء للاستثمار في الأصول البديلة.

وقالت يونغ من جامعة كولومبيا، إن الشركات التابعة للشيخ طحنون "تعمل أيضاً على إنشاء كيانات جديدة تولّد الثروة للأجيال القادمة من الأسرة الحاكمة، مع ضمان استمرار سيطرة الكيانات المرتبطة بالدولة ضمن نظام سوق أكثر اتساعاً".

تصنيفات

قصص قد تهمك