يتحدث بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي مستخدماً لغة غريبة، والفارق بين بيان ما بعد اجتماع "متشدد" وآخر "تيسيري" يمكن أن يُختزل في تعديل كلمة واحدة فقط.
من الأفضل للمستثمرين الباحثين عن مؤشرات تدل على أن "التوقف المؤقت" في زيادات أسعار الفائدة اقترب حالياً، أن يراقبوا بشدة أي تعديلات تطرأ على جملة أساسية واحدة في البيان المنتظَر أن يصدره البنك المركزي، والمرافق لقراره اليوم الأربعاء.
بالطبع كان الأمر المستحدث الأساسي في أعقاب الاجتماع الأخير لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي هو أن صناع السياسة تركوا الباب مفتوحاً على ما يبدو أمام نهاية محتملة لزيادات الفائدة، وإن لم يكن ذلك قريباً ولكن بمرحلة مستقبلية. لاستيعاب ذلك، كان يجب أن يستوقفك تطور دقيق في البيان الصادر 22 مارس الماضي مقارنة ببيان صدر قبل 7 أسابيع بالأول من فبراير. تحديداً، تحوُّل لغة البيان المكتوب بعد اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (في الفقرة الثالثة) من:
"وتتوقع اللجنة أن تكون الزيادات الجارية للنطاق المستهدف ملائمة...".
إلى:
"وتتوقع اللجنة أنه قد يكون من الملائم تشديد بعض السياسات الإضافية...".
تعديل الصياغة
إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي عازماً فعلاً على وقف زيادات الفائدة، فسيُعلِم قادته الجميع عن طريق إجراء تعديل بسيط على هذه الصياغة.
أخطأ عديد من المستثمرين السنة الماضية في افتراض أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يمارس الكذب. ففي بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي المعاصر، تُستخدم كثيراً لغة غريبة تحوي رموز، ولكن غالباً ينزع صناع السياسة النقدية إلى الكشف عمّا يفكرون به. وربما كان هذا صحيحاً منذ رئاسة بن برنانكي للبنك، وسار الرئيس جيروم باول على نهج أسلافه في طريقة نقل المعاني، إذ اعتقد باول وزملاؤه أن الوقت قد حان لوقف زيادة أسعار الفائدة، فعلى الأرجح سيصرحون بذلك من البداية عبر بيان الاجتماع الصادر بنفس وقت الكشف عن قرار سعر الفائدة.
بيانات أميركية جديرة بالمتابعة قبيل اجتماع الاحتياطي الفيدرالي
عبر تلك البيانات، سار صناع السياسات النقدية على النهج المضمون والحقيقي في توصيل الرسائل، الذي سبق أن استخدمه برنانكي قبل وقف رفع الفائدة خلال 2006.
في ديسمبر 2005 قال صناع السياسات النقدية إنه (كان) "من المحتمل وجود احتياج إلى بعض التشديد المدروس للسياسات النقدية بصورة أكبر". لكنهم حذفوا في يناير 2006 لفظ "من المحتمل"، وعوضاً عن ذلك كتبوا أن "تشديد السياسة النقدية قد يكون ضرورياً". وخلال الجولة الحالية لم يتغير الموقف منذ مارس الماضي.
ما الخطوة التالية؟
إذا قرر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي فعلاً التوقف المؤقت عن رفع سعر الفائدة، فينبغي للمستثمرين أن يتوقعوا منه التحوّل إلى لغة غير ملزمة بالكامل حيال زيادات أسعار الفائدة مستقبلاً. فالجملة التي وردت في بيان مارس (أن "بعضاً من التشديد الإضافي للسياسة النقدية قد يكون ملائماً") ينبغي أن تتحول إلى عبارة فضفاضة بشكل أكبر. خلال 2006 جاء التوقف عن رفع الفائدة عندما انتقلت لجنة تحديد أسعار الفائدة في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى:
سيعتمد مدى وتوقيت أي تشديد إضافي قد يكون ضرورياً لمواجهة هذه المخاطر، على التغير في توقعات كل من التضخم والنمو الاقتصادي، وفق ما جاء بالمعلومات الواردة.
أحياناً يصل بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى ذروة أسعار الفائدة ولا يدرك صناع السياسة النقدية ذلك، حتى الآن، ففي ديسمبر 2018 أقرّ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي آخر زيادة بأسعار الفائدة في تلك الدورة، رغم حفاظه على لغة بيانه متشددةً نوعاً ما. كما لم تُعدَّل لغة البيان إلى وقف تيسيري لرفع الفائدة حتى يناير 2019 التالي:
"ستلتزم اللجنة الصبر فيما تقرّر التعديلات المستقبلية التي قد تكون ملائمة على النطاق المستهدف لسعر فائدة التمويل لدى الاحتياطي الفيدرالي...".
من الواضح أن معركة التضخم في الولايات المتحدة العام الحالي غير مسبوقة في حقبة بنك الاحتياطي الفيدرالي الصريح، ولا شيء يضمن أن صناع السياسة سيتبعون نفس الصياغة. الخلاصة أنه لا ينبغي للمستثمرين انتظار مؤتمر صحفي لرئيس البنك باول الساعة 2:30 مساء للحكم على اتجاه السياسة النقدية، لإنه إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بصدد وقف رفع أسعار الفائدة فعلاً، فسيخبرنا غالباً صناع السياسة النقدية في البداية، وإن كان بأسلوبهم الغريب نوعاً ما.