ما الذي يجمع بين رهان على مباريات هوكي في نوفمبر 2023، وأزمة 2008 المالية العالمية، ونفق بحر المانش الذي يربط إنجلترا بفرنسا؟ الروابط كثيرة، وهي مهمة لاستيعاب الكوارث المالية، ناهيك عن تحقيق عائد من رهانات رياضية قاصية أو السفر من لندن إلى باريس بسلامة. يتعلق الأمر برمّته بالارتباطات والاحتمالات النادرة وكيف أن كلاً من وكلاء المراهنات والمصرفيين يحاولون تفادي الدفع.
قرأت عن رهان الهوكي في مقال كتبه داني فَنت في صحيفة "واشنطن بوست" بعنوان "فاز بثلاثة رهانات عملاقة، فامتنع وكيل المراهنات عن الدفع"، وفيها يتحدث عن كريستوفر كوزاك، المراهن الشهير على الرياضات الذي يعتمد المقاربة الكمّية في الرهان. لقد راهن كوزاك في مباراة هوكي في 17 نوفمبر بين فريقي "فلوريدا بانثرز" (Florida Panthers) و"أناهايم داكس" (Anaheim Ducks)، على أن ثمانية لاعبين محددين لن يسجلوا أي أهداف وأن فريق "أناهايم" الذي يلعب على أرضه سيحرز أقل من ثلاثة أهداف.
راهن كوزاك بـ300 دولار، ووعدته شركة الرهانات بـ60 ألف دولار إن تحققت جميع رهاناته التسعة. قال كوزاك إنه كان يعتقد أن فرصته بالفوز كانت نحو 1%، لذا كان يتوقع أن يحصل على 600 دولار مقابل استثماره 300 دولار.
نقطة البداية
كيف يمكنك أن تُقيّم هذا الرهان سواء كنت مراهناً أو وكيل رهانات؟
إحدى نقاط البداية هي أن ننظر إلى وتيرة التكرار التاريخي للاحتمالات الفردية. اعتماداً على كل بيانات موسم دوري الهوكي الوطني في 2022-2023، فإن اللاعب الذي يُعتبر من أفضل أربعة لاعبين يحرزون أهدافاً لفريقهم، يخفق في تسجيل هدف في 66% من المباريات. كما يخفق الفريق الذي يلعب على أرضه في إحراز ثلاثة أهداف أو أكثر في 57% من المباريات.
في ما يتعلق برهان كوزاك الفعلي، عليك أن تأخذ في الاعتبار الاحتمالات الخاصة بالفرق واللاعبين المحددين، خصوصاً ما يتعلق بتحديد المتزلجين الذين يتمتعون بصحة جيدة، وتشير التوقعات إلى أنهم سيشاركون في المباراة، إلى جانب عوامل أخرى قد تؤثر على النتيجة، لكن بالنسبة لغرضنا هنا، يكفي أن نستخدم الأرقام الإجمالية.
حين يحاول الناس تقدير فرصة حدوث سلسلة احتمالات باستخدام حدسهم، فهم عادةً يبالغون في تقديراتهم. في هذه الحالة، قد يفترض شخص سطحي أنه بما أن حدوث كل من الرهانات التسعة أكثر ترجيحاً، فهنالك فرصة جيدة إلى حد كبير أن الرهانات التسعة كلها ستحدث.
نهج مختلف
من ناحية أخرى، فإن أي شخص على دراية بسيطة بالإحصاء قد يضاعف الاحتمالات التسعة ليحصل على 2%، أما من لديه معرفة أعمق بالإحصاء فسيدرك أن هذه الحسابات تتجاهل العلاقة المتبادلة بين الاحتمالات. لكن التعديل بغرض أخذ العلاقات المتبادلة في الحسبان لا يحدث تغييراً كبيراً في نسبة 2%.
لكن ما يفعله الخبراء الأكتواريون يمثل نهجاً أفضل، إذ يسألون عن وتيرة تكرار الاحتمالات المجمّعة في الماضي. كان في موسم 2022-2023 لدوري الهوكي الوطني 82 مباراة سجل فيها الفريق صاحب الأرض أقل من ثلاثة أهداف وأخفق فيها أفضل أربعة هدّافين في الفريقين خلال الموسم في إحراز هدف.
هذا من أصل 1392 مباراة في المواسم العادية ومباراة فاصلة، أي 6% من الوقت. لسوء الحظ، فإن النهج الأكتواري لا يمكن تعديله بسهولة كي يلائم تفاصيل رهان معين، بل يمكنه أن يخبرك فحسب بمتوسط العائد لفئة من الرهانات المشابهة بنسبة كبيرة في الماضي.
قبل أن نتعمق في سبب أن وتيرة التكرار التاريخي للاحتمال المجمّع هو ثلاثة أضعاف ما قد نُقدِّره بناءً على وتيرة التكرار التاريخي للاحتمالات الفردية والعلاقات المتبادلة بينها، فلنعد بالزمن إلى الوراء حتى عام 2008.
الأزمة المالية العالمية
كانت الشرائح الضخمة جداً من التزامات الديون المضمونة مساهماً رئيسياً في الأزمة المالية. تشبه هذه الشرائح رهان كوزاك في رياضة الهوكي في أنها رهانات على أن سلسلة معينة من الاحتمالات (تتمثل هنا في التخلّف عن سداد السندات مقابل عدم إحراز أهداف في مباراة هوكي) لن تقع.
إن الاحتمالات الفردية معروفة بشكل معقول بناءً على وتيرة التكرار التاريخي، وأسعار السوق الضمنية، والتحليلات الأساسية. يمكن أن يكون تقدير العلاقات المتبادلة بدقة معقولا، لكن فرصة حدوث مجموعة من الاحتمالات معاً، التي قد تقلل قيمة الشرائح الضخمة جداً من التزامات الديون المضمونة، كان أعلى كثيراً من الاحتمالات الفردية والعلاقات المترابطة الضمنية.
اقرأ أيضاً: 15 سنة على الأزمة المالية.. دروس مستفادة من إفلاس "ليمان براذرز"
أحياناً لا يود وكلاء الرهانات، سواء كانوا يعملون لحساب نادٍ للقمار أو وول ستريت أو شركات التأمين أو غيرها، أن يدفعوا للفائزين. واجه كوزاك صعوبات في تحصيل عائد الرهان، وذلك لأن وكيل المراهنات زعم أنه أخطأ في توقع الارتباطات (ولم تكن هذه هي المشكلة)، وأن تحديد مبلغ 60 ألف دولار كان خطأ واضحاً.
احتمالات غير دقيقة
يُدار الأمر بشكل مختلف في وول ستريت. ربما تتذكرون مشهداً من فيلم "The Big Short" أوشك فيه مايكل بوري (الذي لعب دوره الممثل كريستيان بيل) على خسارة كل ما يملك، رغم فوزه بمبالغ كبيرة في رهاناته ضد الرهون العقارية عالية المخاطر. كانت الرهانات في صالحه، لكن البنوك ادّعت العكس وطالبت بمدفوعات هامش كبيرة. إن لم يستطع بوري أن يسدد المدفوعات، يحق للبنوك أن تقفل مراكزه المالية بحيث يتكبد الخسائر.
اقرأ أيضاً: دور البنوك في تجنب الأزمات المالية يحتكر جائزة نوبل للاقتصاد
وماذا عن نفق المانش؟ طلب مصممو النفق تقريراً عن السلامة من الحرائق، وأشارت التقديرات إلى احتمال حدوث حريق واحد كبير في النفق كل 850 عاماً. ضاعفت الحسابات احتمالات حدوث سلسلة طويلة من الإخفاقات التي قد تؤدي لذلك. وقع أول حريق كبير بعد أقل من شهر من افتتاح النفق أمام حركة سيارات الركاب في 1994، وكانت هناك خمسة حرائق كبرى أخرى بعد ذلك، بمعدل حريق في كل خمس سنوات.
تكمن المشكلة الأساسية في الحالات الثلاث، الرهانات الرياضية والكوارث المالية ونفق المانش، في أن مضاعفة الاحتمالات للوصول إلى فرصة حدوث سلسلة احتمالات تنجح فقط إذا كانت الاحتمالات مستقلة عن بعضها، وتقريباً لا يوجد شيء له فائدة عملية مستقل بذاته. لا يكفي أن تكون الاحتمالات غير مترابطة، أو أن تُقدّر الاحتمالات وتُعدل حسب الترابط.
درس مستفاد
مثلما حاجج خبير الإحصاء نسيم طالب بإصرار، يستحيل تقدير فرص حدوث الاحتمالات البعيدة عبر تجميع بيانات عن الاحتمالات العادية. اللازمة المنطقية هي أنه يستحيل تقدير فرصة حدوث سلسلة طويلة من الاحتمالات من خلال معرفة الاحتمالات الفردية وثنائية الارتباط (تُعتبر الارتباطات احتمالات ثنائية الارتباط). ويمكن إرجاع العديد من الكوارث إلى تجاهل هذا المبدأ.
الدرس الآخر هنا هو أنه إذا راهنت على احتمالات نادرة، عليك أن تتأكد أن بإمكانك الحصول على مدفوعاتك في حالة فوزك، وهو عادةً أمر أصعب من الوقوع على رهانات جذابة.
إذا راهنت ضد وقوع الاحتمالات النادرة، مثل وكلاء المراهنات والبنوك ومهندسي نفق المانش، فعليك تجهيز خطة بديلة في حالة خسارتك، لأنه يُرجّح أن تخسر بتكرار يفوق بشدة ما قد تعتقد.