لقد تطلب غزو روسيا لأوكرانيا من بريطانيا، اتخاذ إجراءات تنسيقية بشكل أكبر ضد تدفق الأموال القذرة عبر مدينة لندن وسوق العقارات في العاصمة. وركَّزت الإصلاحات الحكومية المُعلنة يوم الاثنين، على رفع غطاء السرية عن ملكية العقارات الفاسدة. هذه مجرد خطوات أولى نحو مصادرة الأصول المحتملة، ولكنها خطوات هامة.
أثبتت العقارات التي تُقدَّر بملايين الجنيهات الإسترلينية في لندن، أنها مكان مناسب وآمن لتخزين الثروات الروسية. ومن الآن فصاعداً، سيواجه المستفيدون الأجانب المجهولون من العقارات البريطانية، قيوداً على البيع في حال اختبائهم وراء شركات وهمية. يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه التغييرات ستؤدي إلى ظهور مفاجئ للشفافية في قطاع العقارات.
اقرأ أيضاً: بوريس جونسون تحت ضغوط لمزيد عقوبات بريطانية على أثرياء روسيا
بافتراض أن سلسلة الملكية تمتد إلى الصناديق الائتمانية الخاضعة لسلطات قضائية خارجية، فإن بريطانيا ستظل تعتمد على التعاون مع تلك السلطات، وسيكون خط الدفاع القانوني الأول، هو القول إن الممتلكات المشبوهة مملوكة فعلياً لكيانات اعتبارية وليست لأفراد، تماماً مثلما تمتلك البنوك الكبرى والشركات الاستشارية منازل لاجتماعات العملاء.
اقرأ المزيد: الملياردير الروسي "أبراموفيتش" يتخلص من ممتلكاته العقارية في لندن
إذا كان نجاح هذه الإجراءات مشكوكاً فيه، فقد يُحدث تغييراً واحداً متصلاً وفرقاً جوهرياً، وهو النظام الجديد "لطلبات الثروة غير المبرّرة"، حيث سُتجبر الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة البريطانية الناس على إثبات حصولهم على ثروة مشبوهة بشكل شرعي.
رغم أنه من المحتمل أن تكون هذه الأسلحة قيِّمة في مكافحة غسيل الأموال، إلا أن فاعليتها محدودة حتى الآن. هذه القضايا معقّدة بالضرورة، لأنها تنطوي على الخوض في التاريخ، وعدم انتقاء الهياكل القانونية الغامضة.
الموارد القانونية مهمة هنا، لأن جيوب المستهدفين مليئة بالأموال، ويمكنهم دفعها لتأمين أفضل شركات المحاماة من حيث الموارد، والمدافعين الأكثر ذكاءً في حرب استنزاف قانونية. أما بالنسبة إلى الحكومة، فالمخاطر كبيرة. تاريخياً، كان يعني الفشل في نظام الثروة غير المبرر تحميل فاتورة فلكية للطرف الآخر، ويقع هذا على عاتق دافعي الضرائب المتوترين فعلياً بسبب جائحة كورونا.
لكن بموجب الإصلاحات، لن تضطر وكالة إنفاذ القانون البريطانية إلى دفع تكاليف الجانب الآخر تلقائياً في حال خسارتها، ويتعين عليها فقط إقناع المحكمة بأن الإجراء الفاشل كان معقولاً. هذا يغيِّر جذرياً الإجراءات الاقتصادية والقانونية، وينبغي أن يُمكِّن الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة من رفع المزيد من القضايا.
ينطبق المثل القائل إن المرؤوس يتسلَّط على الرئيس في الدعوى القضائية في بريطانيا، لأن نموذج "الخاسر يدفع" يعني أن التكاليف المحتملة تحدِّد ما إذا كان يتم شراء إجراء ما في المقام الأول، وقد تتغيَّر اللعبة إذا تمكَّن أحد الطرفين من المضي قدماً في تعويض فعّال.
السؤال الرئيسي الآن، هو ما إذا كان المزيد من القضايا سيؤدي إلى المزيد من المكاسب، ومصادرة الأصول في نهاية المطاف. قد تكون هذه لحظة حاسمة بالنسبة إلى القضاء. يدرك الأوليغارشيون أن المحاكم البريطانية كانت تقاوم تاريخياً حرمان الناس من حقوق الملكية دون مبرر قوي. إنه نفور غريزي تقريباً. إن التمييز بين الفاعل المؤسسي والفاعل البشري راسخ أيضاً. كلا المبدأين هما من عوامل التمكين السرية وغير المباشرة، للملكية العقارية، وكلاهما يواجه تحدياً الآن.
أفادت صحيفة "فاينانشيال تايمز" بأن وزير شؤون مجلس الوزراء، مايكل غوف، يُقيِّم كيفية الاستيلاء على ممتلكات بريطانية مملوكة لحكم القلة الروس التي لها صلات بفلاديمير بوتين دون دفع تعويضات لهم. لكن محاميي الحكومة قلقون بشأن الاعتراضات القانونية، لأن هذا من شأنه أن يقوِّض حقوق الملكية. مع ذلك، يتطور السياق السياسي والتشريعي سريعاً، ومن المرجح أن يصل ذلك إلى المحاكم.
يقول جوناثان فيشر، الأستاذ الزائر في كلية لندن للاقتصاد: "حجر الزاوية في القانون العام هو احترام حقوق الملكية. أعتقد بأن هذا يتغير. لقد رأينا عدداً من الحالات التي تم فيها تأكيد المصادرة في جريمة مالية". قد يكون القضاة على استعداد للسماح بتآكل حقوق الملكية، طالما أنها متناسبة، كما يقول فيشر.
ستكون المحاكم مشغولة، وستطول المحاججات، وستستمر ما تُسمى "غسالة لندن" في توليد رسوم للفرق القانونية المعنية. لكن قد لا يكون إنفاق الحكومة على المحامين إستراتيجية قابلة للتطبيق، لمن لديهم ما يخفونه.