رغم كل الحديث عن هبوطٍ سلس في الولايات المتحدة، هناك زاوية من الاقتصاد تومض فيها إشارات الخطر، هي سوق قروض السيارات التي يبلغ حجمها 1.6 تريليون دولار، وتمثل نحو ربع الائتمان الاستهلاكي غير العقاري.
على مدى السنوات الثلاث الماضية، كانت الديون الرديئة في ارتفاع. واعتباراً من يونيو من هذا العام، عادت القروض التي تأخر سدادها عن موعده 30 يوماً أو أكثر للارتفاع إلى مستويات لم نشهدها منذ أن كانت البلاد تتعافى من الركود الكبير في عام 2010.
أصبحت معدلات التخلف عن السداد بين المقترضين ذوي الملاءة المالية الضعيفة الآن أعلى حتى من تلك الأوقات. فهل هذه التطورات علامة على أزمة أعمق، أم سيتم احتواؤها؟
للإجابة على هذا السؤال، نحتاج إلى الغوص في محافظ جهات الإقراض على حدة. وقد كانت شركة "كريديت أكسبتانس كورب" (Credit Acceptance Corp)، وهي شركة متخصصة في تمويل شراء السيارات يقع مقرها بالقرب من ديترويت، واحدة من أوائل الشركات التي سلطت الضوء على هذه المخاطر.
تدهور جودة الائتمان
في المؤتمر الهاتفي للإعلان عن أرباحها في يوليو، حذر الرئيس التنفيذي كين بوث من أن أداء القروض التي تعاقدت عليها شركة "كريديت أكسبتانس" في عام 2022 كان دون التوقعات وأن محفظتها من قروض عام 2023 تتدهور هي الأخرى. وانخفض سعر سهمها بنسبة 15%.
تقدم هذه الشركة خدماتها في الغالب لشريحة مرتفعة المخاطر من السوق، حيث يمكن أن تكون معدلات التخلف عن السداد متقلبة. ولكن في سبتمبر، أشارت شركة "ألاي فايننشال" (Ally Financial) إلى أنها هي الأخرى تشهد تدهوراً في جودة الائتمان، وأن الوضع يزداد سوءاً. وانخفض سعر سهمها بنسبة 18%.
قال رئيس الشؤون المالية بالشركة راسل هتشنسون في مؤتمر للمستثمرين: "تفاقمت تحديات الائتمان عندنا على مدى الأشهر الثلاثة في قطاع قروض التجزئة لشراء السيارات. وفي شهري يوليو وأغسطس، شهدنا ارتفاعاً في معدلات التخلف عن السداد بحوالي 20 نقطة أساس مقارنة بتوقعاتنا... من الواضح أننا نتعامل مع مجموعة من المقترضين كانوا يعانون مع ارتفاع تكلفة المعيشة والآن يعانون بسبب أوضاع سوق العمل التي تدهورت".
ارتفاع تكلفة خدمة القروض
مصدر التوتر عند جهتي الإقراض هو الائتمان الذي تمت الموافقة عليه في عامي 2022 و2023. فقد تسبب ارتفاع أسعار السيارات في أعقاب جائحة كورونا في حصول المقترضين على قروض أكبر، إذ ارتفع متوسط أسعار السيارات بنسبة 30% في الفترة بين يناير 2020 وسبتمبر 2023 مما أدى إلى تضخم تكلفة خدمة القروض.
وفي حين زاد متوسط قيمة الأقساط الشهرية بمقدار 40 دولاراً فقط في السنوات الثلاث السابقة على يناير 2020، ارتفع هذا المتوسط بمقدار 130 دولاراً في الأعوام الثلاثة التالية ليصل إلى 600 دولار شهرياً، وفقاً لبيانات بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك.
بعد ثمانية عشر شهراً، تخلف المقترضون عن سداد القروض الناشئة في الربع الأول من عام 2023 بمعدل تراكمي بلغ 7.3%، مقارنة بمتوسط معدل التخلف عن السداد بين عامي 2011 و2019 الذي بلغ حوالي 6.5% في نفس النقطة الزمنية. وفي ضوء أن معدلات التخلف عن سداد قروض السيارات تاريخياً تصل إلى حوالي 14% كحد أقصى، فمن المحتمل أن تكون الخسائر النهائية أعلى من ذلك.
المشكلة هي أن العديد من جهات الإقراض صدقت على قروض كثيرة في عامي 2022 و2023، وقدمت أكثر من 160 مليار دولار من قروض شراء السيارات على مدى العامين، وفقاً للاحتياطي الفيدرالي الأميركي، أي ضعف الحجم الممنوح خلال العامين السابقين على الجائحة.
البنوك تتجنب المغامرة
لا تتعرض جميع جهات الإقراض لهذه المخاطر بنفس الدرجة، إذ راهنت شركة "ألاي فايننشال" على تزايد الطلب. ورغم من أنها خفضت معدل الموافقة على طلبات القروض في عام 2023 إلى 30% من 34% في عام 2019، فلا زالت تمنح قروضاً أكبر مما كانت عليه في آخر عام كامل قبل "كورونا" للحفاظ على مركزها في صدارة السوق.
تراجعت شركة "كريديت أكسبتانس" عن ذلك في عام 2021 وفي النصف الأول من عام 2022 ولكنها عادت إلى تسريع وتيرة الموافقة على القروض قبل الأوان، وأصدرت حجماً قياسياً منها في عام 2023. وفي هذه الأثناء ابتعدت البنوك التقليدية، متنازلة عن حصتها في السوق.
أحد هذه البنوك هو "كابيتال وان فايننشال" (Capital One Financial). إذ قال رئيس البنك للشؤون المالية أندرو يونغ للمستثمرين في نفس مؤتمر سبتمبر الذي أعلنت فيه شركة "ألاي فايننشال" تحذيراتها: "إن أداء الائتمان هو نتيجة للخيارات التي تتخذها على مدى سنوات عديدة، ونحن نفضل الخيارات التي اتخذناها جداً". خفض البنك حجم الإصدار في قروض السيارات إلى متوسط 6.7 مليار دولار فصلياً في عام 2023 مقارنة بمتوسط 7.3 مليار دولار في عام 2019.
والآن بينما تواجه الشركات الأخرى صعوبات، يعود بنك "كابيتال وان فايننشال" إلى زيادة نشاطه مرة أخرى. وقال يونغ: "نحن متفائلون بحذر ونميل قليلاً إلى زيادة حجم الإقراض في هذه المرحلة".
حتى الآن، تبدو اللحظة شبيهة بدورة اكتتاب كلاسيكية أكثر من كونها أزمة هيكلية. ولكن نظراً لأن قروض السيارات غالباً ما تكون آخر الديون التي يتخلف مقترض عن سدادها، يأمل الاقتصاديون ألا تتسبب جهات تمويل قروض السيارات في حادث تصادم متعدد على الطريق.