كان سام ألتمان، رائد الأعمال الأميركي والرئيس التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي" (OpenAI)، أول من حصل على التأشيرة الذهبية من إندونيسيا، ما يُعد نصراً للرئيس جوكو ويدودو الذي يحرص على جذب الاستثمارات الأجنبية؛ إذ أطلقت حكومته في أواخر أغسطس برنامجاً جديداً يتيح للأثرياء الأجانب الإقامة في الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا لفترة طويلة.
وفقاً للبرنامج الجديد، على الراغبين في الإقامة بإندونيسيا لخمس سنوات استثمار 2.5 مليون دولار على الأقل في مشروع استثماري محلي، أو بدلاً من ذلك يكون الشخص مستثمراً خاملاً يلتزم باستثمار 350 ألف دولار عبر شراء أسهم شركات عامة محلية، أو سندات حكومية إندونيسية، أو إيداعها في حسابات ودائع.
اتضح الآن سبب انضمام إندونيسيا إلى ركب التأشيرات الذهبية المنتعش، للمرة الأولى في عامين، وقع عجز في حسابها الجاري، مدفوعاً بشكل رئيسي بتراجع الصادرات الناجم عن انخفاض أسعار السلع. لتحقيق الاستقرار في سعر الروبية، يبيع البنك المركزي سندات قصيرة الأجل لرفع العائدات. بالنسبة لدولة عُدت ذات يوم أحد "الاقتصادات الخمسة الهشة" (Fragile Five)، باتت إندونيسيا ملمة بوجه خاص بثقل الاستثمار الأجنبي ومدى السرعة التي قد تتحرك بها التدفقات السريعة. إلى يومنا هذا، يملك الأجانب نحو 15% من السندات الحكومية.
اختلاف الموقف من الديون يزيد رغبة الأميركيين
السؤال الأهم هو لماذا يرغب الأميركيون في الحصول على التأشيرة الذهبية من إندونيسيا؟ بخلاف عدم وجود اتفاقية لتسليم المجرمين بين الدولة والولايات المتحدة، فالخيارات المتاحة أمامهم وافرة، منها البرتغال، ومالطا، والجبل الأسود. ورغم مطالبات الساسة بإنهاء برامج التأشيرة الذهبية، ما يزال العديد من الدول الأوروبية يقبل طلبات الحصول عليها بكل سرور.
غالباً ما يريد طالبو الحصول على تلك المستندات المميزة خطة احتياطية. ومن هذا المنطلق، فإندونيسيا أبعد ما تكون عن أميركا، بدايةً من موقفها من الديون.
في الأسابيع الماضية، بات المستثمرون أكثر جرأة في عرض مخاوفهم حول قروض الحكومة الأميركية التي لا رقيب عليها، وسط خفض التصنيف الائتماني السيادي وتدهور سندات الخزانة. لا يرى مكتب الموازنة بالكونغرس أن واشنطن تخفض إنفاقها، ويتوقع عوضاً عن ذلك ارتفاع متوسط عجز الموازنة إلى 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العقد المقبل. أنفقت الحكومة 14% من إيراداتها الضريبية على مستحقات الفائدة، وهو أعلى مستوى لها منذ 1998. كتب كريستوفر وود، المحلل الاستراتيجي للأسهم لدى "جيفريز" (Jefferies’) في مذكرة: "يجب على مستثمري الأجل الطويل التخلص من سندات الخزانة".
منتجع بالي والانضباط المالي
في هذا السياق العالمي، يبدو شراء سندات حكومية محلية بقيمة 350 ألف دولار رهاناً أكثر أماناً. ما تزال إندونيسيا تحافظ على الانضباط المالي، ربما بدرجة أكبر من اللازم نظراً لتدفقات رأس المال الخارجة التي عانت منها خلال الأزمة المالية العالمية. في الفترة الحالية، فرضت جاكرتا على نفسها الالتزام بحد أقصى في عجز موازنة عند 3% بحد أقصى، حتى لو الكلفة هي تباطؤ النمو، في حين يشير أحدث توقع لعام 2024 إلى أن يمثل العجز 2.29% من الناتج المحلي الإجمالي.
يُعد هذا الموقف المتحفظ قصة متجددة في عالم غارق في الديون. فمن الصين إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ما يشغل بال المستثمرين هو ما حجم الديون التي تصبح عندها أكبر من اللازم، ومتى سيحدث الانهيار المالي الشامل. من جهة أخرى، في إندونيسيا، تمثل ديون الأُسر 9% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، حقيقةً، أقل من 60% من شباب الدولة البالغ تعداد سكانها 274 مليون نسمة لديهم حساب مصرفي.
يوفر هذا المشهد المرتبط بالموازنة العامة فرصة كبيرة لرواد أعمال التكنولوجيا الراغبين في أن يصبحوا مستثمرين أكثر خمولاً وخوض غمار التكنولوجيا المالية والشمول المالي. فالهواتف أكثر انتشاراً، إذ يفضل الناس امتلاك هاتف ذكي عن امتلاك تلفزيون أو مِغسلة. في غضون ذلك، تُعد منصات التواصل الاجتماعي، مثل "تيك توك"، قنوات للتأثير على أبناء "جيل ما بعد الألفية". الإندونيسيون متصلون بالعالم، لكنهم أيضاً معزولون عن عالم فوضوي مُثقل بالديون.
بالطبع لن ننسى بالي، المنتجع شبه الاستوائي للركمجة واليوجا. في الصيف الماضي، عندما كنت هناك لحضور اجتماع للتأمل هناك، شاهدت رحالة رقميين من الشباب يكتبون بمنتهى الحماس على حواسيبهم المحمولة في المقاهي العصرية، بينما ينهلون مشروب "الكومبوتشا". كنت أحسدهم، إذ تمنيت الانتقال للعيش هناك. تأشيرة إندونيسيا الذهبية تستحق تفكيراً متمعناً بالتأكيد.