بلومبرغ
بعد عامين على بداية جائحة كورونا، كل ما يريده الناس هو القيام برحلات طال انتظارها. لكن، وبعد ذلك، ارتفعت أسعار الرحلات الجوية.
يتزامن التراجع الذي طال انتظاره للإصابات بـ"كوفيد-19" وتخفيف القيود المرتبطة به، مع ارتفاع كبير في تكاليف وقود الطائرات، حيث دفع غزو روسيا لأوكرانيا الإدارة في الولايات المتحدة إلى حظر واردات الخام الروسي، ما دفع أسعار النفط إلى 130 دولاراً للبرميل. يعني هذا، إضافة إلى ارتفاع الطلب على الرحلات، أن تكاليف تذاكر الطيران ستزيد على المستهلكين، الذين يواجه الكثيرون منهم بالفعل، أسعاراً أعلى في مجالات مثل البقالة والغاز ومدفوعات الإيجار.
اقرأ أيضاً: صدمة أسعار النفط تطيح بآمال ربحية شركات الطيران
بما أن بعض شركات الطيران تحدد سعر وقود الطائرات قبل أشهر، يقول الخبراء إن الأسوأ ربما لم يأت بعد.
لا تعد القدرة على شراء تذاكر طيران بأسعار معقولة مسألة حياة أو موت، لكن كيفية استجابة المستهلكين لهذه الارتفاعات، لها آثار كبيرة على الاقتصاد، ويمكن أن تعرض صناعة السفر للخطر، خصوصاً أنها لا تزال تتعافى من الانخفاض الحاد في الطلب بسبب الوباء. كما إن دفع المزيد مقابل سلع وخدمات باهظة الثمن، مثل رحلات الطيران، له تأثير كبير على محافظ الأشخاص العاديين.
اقرأ المزيد: "كوانتاس" الأسترالية تزيد أسعار تذاكر الطيران بضغط ارتفاعات النفط القياسية
صُدمت كاتي هوبنر، وهي معلمة تبلغ من العمر 44 عاماً في ولاية أيوا، بتكلفة إعادة حجز إجازة أوروبية كانت مقررة في الأصل لعام 2020. خططت مجموعة من سبعة أفراد من العائلة في البداية للسفر في درجة الأعمال إلى برشلونة، احتفالاً بالذكرى السنوية الخامسة والعشرين لزواجها والذكرى الخمسين لزواج والديها، بتكلفة حوالي 15 ألف دولار، ثم الشروع في رحلة بحرية.
بعد الاضطرار إلى إعادة الجدولة مرات عدة بسبب تفشي "كوفيد"، احتاجت هوبنر إلى استخدام قسيمة رحلاتها قبل انتهاء صلاحيتها. ما هي تكلفة رحلات برشلونة الآن على الخطوط الألمانية "لوفتهانزا"؟ القسيمة بأكملها، فضلاً عن 9 آلاف دولار إضافية لكل تذكرة.
قالت هوبنر: "قلت لهم شيئاً مثل: هذا سخيف. عندما أخبرونا بذلك، شهقت أنا وزوجي عبر الهاتف".
قرروا تخفيض التذاكر إلى الدرجة الاقتصادية، والتي لا تزال ستكلفهم 1,600 دولار إضافي بعد استخدام القسيمة.
معضلة الوقود
المشكلة الرئيسية لشركات الطيران الآن هي ارتفاع تكلفة وقود الطائرات، التي ارتفعت 45% هذا العام إلى 3.29 دولار للغالون. وفي وقت سابق هذا الشهر، بلغت الأسعار 4.07 دولار، وهو أعلى مستوى منذ 2008.
حتى أن البعض يلغي رحلات مخطط لها للتعامل مع هذه الأسعار. تقوم مجموعة "ألاسكا إير" (Alaska Air Group) بتخفيض الرحلات بنسبة تصل إلى 5% في النصف الأول من العام، وستقوم "أوليجنت إير" (Allegiant Air) بخفض طاقتها الاستيعابية للربع الثاني ما بين 5% و10%. تُظهر بيانات "بلومبرغ إنتليجنس" أن وقود الطائرات يشكل حوالي 20% إلى 25% من نفقات التشغيل السنوية لشركات الطيران.
كانت أسعار الرحلات الجوية في ارتفاع حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا الذي أدى إلى فوضى في سوق النفط بفضل انتعاش الطلب. حالياً، يبلغ متوسط سعر الرحلات الداخلية في الولايات المتحدة 300 دولار تقريباً، بزيادة 36% مقارنة ببداية هذا العام، لتعود متوافقة مع أرقام عام 2019، وفقاً لموقع محرك بحث السفر "هوبر" (Hopper).
قال هيو أيتكين، نائب رئيس الرحلات الجوية في موقع "سكاي سكانر" (Skyscanner) لحجز الرحلات: "كانت أسعار الرحلات منخفضة خلال العامين الماضيين، حيث استخدمت شركات الطيران الأسعار المنخفضة للتنافس على الحجوزات. ولكن على مدى الأشهر القليلة الماضية، سمح الطلب القوي على السفر المحلي في الولايات المتحدة لشركات الطيران بتسعير تذاكر الطيران عند مستويات أقرب إلى مستويات ما قبل الوباء، من أجل العودة إلى الربحية".
في ديسمبر، كانت كورتني سكينر في نورفولك بولاية فيرجينيا، تبحث لمعرفة سعر تذاكر الطائرة إلى كولومبيا لرحلة مع أصدقائها. كان سعر التذكرة حوالي 400 دولار في ذلك الوقت، ولذلك قامت المجموعة بترتيباتها لرحلة في يوليو. ثم، عندما عادوا لحجز التذاكر الأسبوع الماضي، أدركت أن أسعار التذاكر ارتفعت إلى حوالي 800 دولار.
لقد فكروا في إلغاء الرحلة فقط، لكنهم سينتظرون الآن لمعرفة ما إذا كانت الأسعار ستنخفض، رغم أنهم يعترفون بأن في ذلك مخاطرة.
قالت الشابة البالغة من العمر 28 عاماً: "أنا قلقة تماماً من أن يرتفع السعر أكثر من ذلك. كل يوم، أتابع أسعار التذاكر كما لو أنها سوق أسهم".
الحجز المبكر
قد يكون الجزء الأكثر إثارة للدهشة بالنسبة إلى العديد من المسافرين، هو مدى السرعة التي يمكن أن تتغير بها الأسعار، خصوصاً بالنسبة إلى أولئك الذين اعتادوا على أسعار أرخص خلال الجائحة.
كانت كاثرين مورغان، البالغة من العمر 28 عاماً في بورتلاند، بولاية أوريغون، تبحث عن تذاكر إلى أركنساس لحضور حفل زفاف في نهاية شهر مارس. تقول إن سعر التذكرة كان يبلغ حوالي 600 دولار في الأسبوع الماضي، أما الآن، فيبلغ سعر التذكرة 1,000 دولار تقريباً.
قالت: "سأدفع نصف راتبي الشهري لشراء تذاكر الطائرة. كان الأمر محبطاً، وبعد ذلك تشعر أنك تكره نفسك لعدم شرائك للتذاكر مبكراً".
يخطط البعض لتثبيت الأسعار بينما يمكنهم ذلك، لأنهم قلقون من أن الأسعار ستستمر في الارتفاع.
قامت يوشيكو غرين، المحامية المرخصة التي تعمل انطلاقاً من ريتشموند في فيرجينيا، بالعديد من الإجازات إلى لوس أنجلوس للاسترخاء على شواطئها الدافئة والمشمسة. وحجزت رحلة بسعر منخفض يصل إلى 180 دولاراً في عام 2020، واشترت تذكرةً مقابل 224 دولاراً في وقت سابق من هذا العام.
هذا العام، خططت هذه السيدة البالغة من العمر 47 عاماً مع تسعة من أفراد الأسرة، للذهاب في رحلة جماعية إلى لوس أنجلوس في أغسطس. لكن أسعار الرحلات الجوية التي كانت تشاهدها ارتفعت بنحو 200 دولار الشهر الماضي، وأصبح سعر التذكرة يتراوح بين 360 و600 دولار لكل مسافر، وأصبحت تشعر بالقلق من أنه قد يتوجب عليهم إلغاء الرحلة تماماً.
قالت غرين: "أحتاج إلى الإسراع وحجز تلك التذاكر بسرعة قبل ارتفاع أسعار الوقود، حيث ستصبح التذاكر باهظة الثمن لدرجة أننا لن نتمكن من السفر".
هذا بالضبط ما يوصي به دانييل فينكل من شركة "تريب أكشنز" (TripActions) لإدارة السفر، نظراً لأن حجم الصدمة من الغزو الروسي لأوكرانيا، لم يظهر بالكامل في أسعار التذاكر حتى الآن.
قال فينكل: "احجز الآن، احجز مبكراً، واحجز في أقرب وقت ممكن".
المزيد من الارتفاع
قال فينكل إنه عادة ما تفصل فترة ثلاثة أشهر بين ارتفاع أسعار الوقود وزيادة تكاليف الطيران. ولكن مع اعتياد شركات الطيران على تعديل الأسعار بسرعة استجابة لمتغيرات كوفيد المختلفة، يتوقع أديت داموداران الخبير الاقتصادي في "هوبر" أن تكون فترة التأخير أقصر هذه المرة. بمعنى آخر، قد يبدأ المسافرون في رؤية ارتفاع تكاليف الوقود المنعكسة في أسعار تذاكر الطيران في وقت أقرب مما كان متوقعاً.
قال داموداران: "لقد تجاوزنا الطلب الذي ظهر عندما خرجنا من موجة أوميكرون. تعزا زيادات الأسعار في هذه المرحلة إلى وقود الطائرات".
وصف سكوت كيز، مؤسس شركة "سكوتز تشيب فلايتس" (Scott's Cheap Flights)، النافذة الذهبية لحجز الرحلات الجوية بأنها قبل الرحلات الداخلية بشهر إلى ثلاثة أشهر، وقبل الرحلات الدولية بشهرين إلى ثمانية أشهر.
قال: "دفع العامان الماضيان الناس إلى الشعور بأنهم يستطيعون الحصول على رحلات رخيصة في اللحظة الأخيرة. هذا لا يحدث في الأوقات العادية".