الشرق
أعلن الملياردير الإماراتي حسين سجواني، رئيس شركة داماك، خلال خطاب متلفز الثلاثاء بجانب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، عن استثمار أولي بـ20 مليار دولار لتطوير مراكز بيانات، مع إمكانية زيادة هذا المبلغ في حال سمحت الفرصة والأسواق بذلك.
لم تحدد تفاصيل الإطار الزمني لتنفيذ هذا الاستثمار من قبل سجواني أو ترمب. ولكن الرئيس المنتخب قال إنه سيكون "خلال فترة قصيرة من الزمن"، وسيطال عدة ولايات وهي: تكساس، أوهايو، ميشيغان، أوكلاهوما، أريزونا، لويزيانا، إلينوي، وإنديانا.
لم تستجب "داماك" على طلبات "الشرق" للاستفسار خارج ساعات العمل الرسمية.
من العقار الفاخر إلى بناء مراكز البيانات
لا يُعتبر دخول الشركة الإماراتية إلى السوق الأميركية سابقة، إذ اشترت عام 2022 قطعة أرض بقيمة 120 مليون دولار في منطقة "سيرفسايد" الراقية في ميامي، لبناء برج يحمل توقيع دار الأزياء الفاخرة "كافالي". وكان سجواني أشار إلى أن كلفة هذا المشروع قد تصل إلى مليار دولار.
ورغم أن النشاط الأساسي لـ"داماك" يتركز في قطاع العقارات السكنية، إلا أنها وسّعت استثماراتها مؤخراً لتشمل مراكز البيانات. ومنذ تأسيس وحدتها المتخصصة "إيدجنيكس داتا سنترز" عام 2021، نجحت الوحدة في العمل ضمن نحو 10 دول في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا.
في نوفمبر الماضي، تحدث النائب الأول لرئيس "داماك" تارون تياغي، في مقابلة مع منصة "داتا سنتر سوليوشن"، أن الشركة ترى "فرصاً كبيرة" في قطاع مراكز البيانات، وتسعى لتنويع استثماراتها لتحقيق قيمة مضافة وزيادة عائداتها.
تياغي أشار إلى أن الشركة تحاول أن تكون "مرنة" في هذا القطاع، بحيث لا تعمل على بناء مراكز بيانات، بل تسعى لـ"خلق مراكز رقمية مترابطة".
ونبه إلى أن الشركة تعمل على تطوير مراكز بيانات بشكل مستقل، كما دخلت في شراكات، معتبراً الشراكة مع "فودافون" لبناء مراكز بيانات بـ100 مليون دولار في تركيا، والشراكة مع "بروين" في تايلندا لاستثمار نحو مليار دولار، أمثلة على ذلك. كما تدرس الشركة إنشاء مراكز بيانات مشابهة في فيتنام والفلبين، وسط توقعات بالإعلان عن هذه الخطط هذه السنة، وفقاً لما قاله دانيش ناير، النائب الأول للرئيس للاستثمارات والاستحواذات في مقابلة مع "بلومبرغ".
لماذا أميركا؟
يتضح أن قرار شركة "داماك" الاستثمار في الولايات المتحدة لم يكن عشوائياً، بل جاء نتيجة مترتبة على فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية. وقد أشار حسين سجواني إلى هذه النقطة بوضوح خلال الإعلان عن المشروع، قائلاً: "نحن ننتظر هذه الفرصة منذ 4 سنوات".
المثير للاهتمام أن جميع الولايات الأميركية التي من المقرر أن تستضيف مراكز البيانات التابعة لـ"داماك" صوتت لصالح ترمب في الانتخابات الرئاسية، باستثناء ولاية إلينوي التي فازت بها منافسته كامالا هاريس.
رغم غياب توضيح رسمي حول الدوافع وراء اختيار الولايات المتحدة كوجهة لهذه الاستثمارات، فإن التطورات السريعة في قطاع مراكز البيانات في البلاد قد توفر تفسيراً جزئياً لهذا التوجه، حيث تشهد السوق الأميركية نمواً كبيراً بفضل الابتكار التكنولوجي وزيادة الطلب على الحلول الرقمية المتقدمة.
تسهيل التصاريح
يبدو أن الوعد بتسريع إجراءات الحصول على التصاريح والموافقات كان عاملاً حاسماً في قرار شركة "داماك" دخول السوق الأميركية، التي تُعتبر الأكبر في العالم. وخلال حملته الانتخابية، كرر الرئيس المنتخب دونالد ترمب، بما في ذلك في وجود حسين سجواني، التزامه بتسهيل هذه الإجراءات لمن يستثمر مليار دولار أو أكثر في أميركا.
في بلد معروف بتعقيداته البيروقراطية، تُعد هذه الخطوة ميزة تنافسية كبيرة. فالإسراع في إصدار التصاريح يسمح للشركات ببدء العمل خلال فترة قصيرة، مما يسرّع عملية تحقيق العوائد على الاستثمارات، مقارنة بالفترات الطويلة المطلوبة للحصول على مختلف التصاريح.
وقد أشار ترمب إلى أهمية هذه النقطة في خطابه، موضحاً أن البيروقراطية قد تؤخر المشروعات لعقد أو أكثر في بعض الحالات، مستشهداً بما حدث مع مصانع في ولاية لويزيانا كمثال.
نمو الطلب على مراكز البيانات
تمثل الولايات المتحدة مركزاً رئيسياً للابتكار التكنولوجي ومعقل الذكاء الاصطناعي في العالم، إذ تحتضن أكبر الشركات العاملة في هذا المجال، على غرار "إنفيديا" و"ميتا" و"أبل" و"أمازون" وغيرها، ما يعني طلباً ضخماً على مراكز البيانات.
يظهر هذا الطلب من خلال الاستثمارات الضخمة التي تنفذها الشركات الكبرى، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تخطط شركة "مايكروسوفت" إنفاق 80 مليار دولار في السنة المالية الحالية لبناء مراكز بيانات. أكثر من نصف هذا الإنفاق سيكون في الولايات المتحدة.
كما يشير بحث أصدرته شركة "غراند فيو ريسرتش" إلى أن قيمة سوق مراكز البيانات في الولايات المتحدة بلغت نحو 50.76 مليار دولار في 2022، ما يعادل 26% من حجم القطاع العالمي، متوقعة نموها بمعدل سنوي مركب بنسبة 10.7% بين 2023 و2030.
وليس حجم السوق وحده ما يعكس الطلب المتزايد على مراكز البيانات، بل أيضاً تصريحات كبار المسؤولين في القطاع. فقد وصف كريستيان أولبريتش، الرئيس التنفيذي لشركة "جونز لانغ لاسال- جيه إل إل"، في مقابلة مع "بلومبرغ" في مايو الماضي، الطلب المتزايد على مراكز البيانات بأنه "نقطة إيجابية نادرة" في سوق العقارات التجارية الذي يواجه تحديات من بينها ارتفاع عدد المكاتب الشاغرة. واعتبر أولبريتش أن مراكز البيانات تمثل "فئة الأصول الأكثر سخونة في الوقت الحالي"، مضيفاً: "عندما تؤمن بالذكاء الاصطناعي، فإن الطلب على مراكز البيانات سوف يرتفع".
أسعار الطاقة
يتزامن توجه شركة "داماك" للاستثمار في مراكز البيانات مع خطط الرئيس المنتخب دونالد ترمب لزيادة معدلات إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة بعد تسلمه الرئاسة. تهدف هذه الخطة إلى خفض كلفة الكهرباء، وهو ما يمكن أن يُشكل دفعة كبيرة لقطاع مراكز البيانات، الذي يُعتبر من أكثر القطاعات استهلاكاً للطاقة.
خفض تكلفة الكهرباء سيكون بمثابة "نعمة" لهذا القطاع، خاصةً في ظل الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة، بما في ذلك تعدين "بتكوين"، الذي يتطلب كميات هائلة من الطاقة. وقد أشار ترمب إلى رغبته في جعل الولايات المتحدة عاصمة لتعدين العملات المشفرة، مما يعزز أهمية استراتيجياته في توفير طاقة منخفضة التكلفة.
وفقاً لتقرير نشرته "بلومبرغ بيزنيس ويك"، يُتوقع أن يشهد الطلب على الكهرباء في الولايات المتحدة نمواً غير مسبوق منذ عقود، "مدعوماً بالطلب من مراكز البيانات وتطوير برامج الذكاء الاصطناعي".
هذا الارتفاع قد يصل إلى 16% خلال السنوات الخمس المقبلة، بحسب الشركة الاستراتيجية "غريد ستراتيجيز" (Grid Strategies) ومقرها في العاصمة واشنطن، معتبرةً أنه تحول كبير نظراً لأن الطلب على الكهرباء في الولايات المتحدة لم يسجل أي ارتفاع يزيد عن 1% سنوياً على مر العقدين الماضيين. وبحسب الشركة فإن الأحمال ستنمو بنسبة تقارب 3% خلال 2024.
واللافت أيضاً، أن اختيار الولايات لم يكن عشوائياً، خصوصاً من هذه الناحية. تراوح المعدل العام لأسعار الكهرباء في هذه الولايات خلال أكتوبر الماضي بين 8.58 سنت للكيلواط في لويزيانا، وصولاً إلى 13.69 سنت للكيلواط في ميشيغان، وفق وكالة معلومات الطاقة الأميركية، مع الإشارة إلى أن أدنى سعر بين الولايات الخمسين في نورث داكوتا، ويصل إلى 7.68 سنت.
تحديات عدة
ولكن توجه الشركة إلى الولايات المتحدة لا يخلو من التحديات، خصوصاً وسط شكوك بشأن مستقبل الذكاء الاصطناعي، والمنافسة الضخمة في هذا المجال.
تشير بيانات "كلاود سين" إلى أن الولايات المتحدة تحتضن أكثر من 5300 مركز بيانات، ونحو 3270 مزود لهذه الخدمة، وهو رقم أعلى بكثير من أقرب منافسيها المملكة المتحدة، التي لديها 512 مركز بيانات. هذا الواقع يخلق منافسة شرسة، خصوصاً إذا ما ترافق مع بعض الشكوك بشأن الذكاء الاصطناعي في السوق.
هذه الشكوك لفتت إليها "بلومبرغ بيزنيس ويك"، مشيرة إلى تباطؤ تطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهو أحد أبرز المحركين للطلب على مراكز البيانات.
وأضافت أنه في حال تباطأ تطوّر الذكاء الاصطناعي التوليدي لفترة أطول، سيجعل قدرة التقنية على تحقيق الوعود الطموحة التي أطلقها كبار المبتكرين في القطاع موضع شك، وبالتالي، سيصبح إيجاد طرق للدفع بطفرة الذكاء الاصطناعي نحو المرحلة التالية التحدي الأكبر في 2025.
خطوة في طريق الريادة
رغم أن "داماك" شركة خاصة، إلا أن خطوتها الأخيرة مرتبطة بخطوات ضخمة تقوم بها الإمارات في هذا المجال، في إطار استراتيجيها الهادفة لتحقيق ريادة في مجال الذكاء الاصطناعي والقطاعات الداعمة له.
وفي محاولة لتعزيز هذه الاستراتيجية، أطلقت الإمارات شركة "جي 42" التي تُعتبر من أبرز شركات الذكاء الاصطناعي في المنطقة. كما حصلت مؤخراً على استثمار بقيمة 1.5 مليار دولار من شركة "مايكروسوفت" بعد الاتفاق على إنهاء أي تعاون مع الصين.
ولكن مسيرة الدولة تواجه أيضاً بعض التحديات، أهمها إقناع الولايات المتحدة بأن الإمارات تُعتبر شريكاً استراتيجياً لها، خصوصاً مع تقييد إدارة جو بايدن لصادرات الرقائق إلى المنطقة تحت عدة ذرائع.
تعزيز العلاقات مع أميركا
وفي يونيو الماضي، أكد وزير الدولة للذكاء الاصطناعي عمر العلماء في مقابلة مع "بلومبرغ" تفهمه لمخاوف أميركا بشأن وصول الرقائق المتقدمة إلى الصين، مضيفاً: "أي بلد لديه خصوم سيفكر بهذه الطريقة. والإمارات أثبتت أنها شريك استراتيجي للولايات المتحدة".
كما أعلنت الإمارات والولايات المتحدة في سبتمبر، توقيع إطار تعاون مشترك في مجال الذكاء الاصطناعي، وذلك في أول زيارة قام بها رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد إلى واشنطن منذ توليه منصبه، ورافقه فيها الشيخ طحنون بن زايد الذي يشرف على "جي 42".
الإطار يؤكد "الرغبة المشتركة للبلدين لتعميق التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي والتقنيات ذات الصلة والالتزام المشترك بتطوير مذكرة تفاهم بين حكومتي البلدين بشأن الذكاء الاصطناعي"، وفق وكالة أنباء الإمارات.
وبالتزامن مع خروج ترمب وسجواني للإعلان عن هذه الاستثمارات، فإن لاس فيغاس كانت تشهد حدثاً مرتبطاً بالإمارات.
كتب ستيف لوتس نائب رئيس غرفة التجارة الأميركية منشوراً على منصة "لينكد إن" تحدث عن استقبال وزير التجارة الإماراتي ثاني الزيودي على طاولة مستديرة، حيث ناقش الوزير خطط البلاد التجارية والصادرات غير النفطية، بالإضافة إلى "الجهود التي تبذلها البلاد لدفع التنوع الاقتصادي والتعاون التكنولوجي" ولم يرد لوتس على طلب "الشرق" للتعليق.