من الغريب أن الرئيس المنتخب دونالد ترمب لم يتحدث كثيراً عن الذكاء الاصطناعي خلال حملته الانتخابية.
أُعجب الناخبون بالتحسينات الممكنة التي قد يدخلها ترمب على أوضاع الاقتصاد والتضخم، لكن الذكاء الاصطناعي قد يحل محل العديد من الوظائف، ويعتقد ثلث الأميركيين أنه سيسبب أضراراً أكثر من نفعه، وفقاً لاستطلاع "غالوب".
إذا كان صمت ترمب يعني أنه لا يهتم كثيراً بالذكاء الاصطناعي، فهذا يفتح الباب أمام توجيه السياسات من قبل لاعبين رئيسيين آخرين في إدارته، وخاصة إيلون ماسك.
كان الذكاء الاصطناعي محور اهتمام رئيسي لماسك منذ فترة طويلة. فقد كان من أوائل المستثمرين في شركة "ديب مايند" (DeepMind) التابعة لـ"جوجل"، وشارك في تأسيس "أوبن إيه آي" (OpenAI)، ويدير حالياً شركة "إكس إيه آي" (xAI)، التي جمعت أكثر من 6 مليارات دولار لبناء نماذج قوية للذكاء الاصطناعي.
وعلى الرغم من أن كل الأمور تشير إلى أن ترمب وماسك يريدان خلق بيئة تنظيمية ميسرة ومتساهلة، تستطيع في ظلها شركات الذكاء الاصطناعي تسريع أعمال البحث والتطوير، فإن العامل غير المتوقع في كل هذا هو عقيدة ماسك الشخصية.
تشاؤم ماسك من الذكاء الاصطناعي
منذ زمن طويل، يشعر ماسك بالقلق إزاء ما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي بالبشرية مع تزايد قدراته. وقد شارك في تأسيس "أوبن إيه آي" كمؤسسة غير ربحية في 2015 لأنه كان قلقاً من أن استحواذ "جوجل" على "ديب مايند" سيمنح شركة واحدة السيطرة على الذكاء الاصطناعي عندما يتجاوز الذكاء البشري، ويجعل هذه التكنولوجيا القوية عرضةً لسوء الاستخدام.
انتقل ماسك إلى تأسيس شركة "نيورالينك" (Neuralink) جزئياً لمساعدة البشر على البقاء متقدمين على أي ذكاء اصطناعي خارق قد يقضي علينا. وقال لمهندسيه في اجتماع عام 2022 وثقته أشلي فانس، من "بلومبرغ نيوز"، التي كتبت سيرة ذاتية لماسك: "نحتاج إلى تحقيق هذا الهدف قبل أن يسيطر الذكاء الاصطناعي".
استغرق تكوين آرائه المتشائمة حول الذكاء الاصطناعي سنوات طويلة، وقد بلغت من العمق أنها كانت السبب في قطع صداقته مع المؤسس المشارك لـ"جوجل" لاري بيج. وقال ماسك لديفيد فابر من "سي إن بي سي" العام الماضي: "كانت القشة الأخيرة عندما وصفني لاري بأنني (متحيز للأنواع) لكوني مدافعاً عن الوعي البشري بدلاً من وعي الآلة".
ربما كان ماسك نرجسياً شديد الحساسية، لكنه أيضاً بيوريتاني تقليدي يرى في المال وسيلة لتحقيق أهداف أكبر، وسيضع الأيديولوجيا والأنا قبل مصالحه المالية. فشراء ماسك لـ"تويتر"، على سبيل المثال، ساعده في اكتساب نفوذ ذي قيمة عالية بين الجمهوريين ومع ترمب نفسه، حتى مع انهيار قيمة الشركة وخسارتها للمعلنين.
وعود ترمب بشأن تنظيم القطاع
ومن بين القليل الذي قاله ترمب عن الذكاء الاصطناعي وعده بإلغاء الأمر التنفيذي للرئيس جو بايدن، الذي صدر في 2023، بشأن هذه التكنولوجيا، والذي بموجبه تتحقق هيئات تحديد المعايير، مثل "المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا"، من أن تطوير شركات التكنولوجيا تطور الذكاء الاصطناعي بشكل آمن وأخلاقي. كما تحدث الرئيس المنتخب طويلاً عن الاستمرار في التقدم على الصين، مما يعني أنه سينظر بإيجابية إلى السياسات التي تساعد شركات التكنولوجيا الأميركية على الحفاظ على تفوقها على نظيراتها الصينية.
لكن إذا وصل ماسك إلى ذلك الموقع الفريد الذي يجعله يحدد القواعد الوطنية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، فمن المحتمل أن يرغب في استخدام هذا المنصب في خدمة أيديولوجيته، ومن شأن ذلك أن يخدم أناه أكثر من أن يخفف القواعد التنظيمية على الذكاء الاصطناعي، التي ستساعد منافسيه بقدر ما ستساعد شركتي "إكس إيه آي" (xAI) و"تسلا".
مع وضع ذلك في الاعتبار، إذا ألغى ترمب أمر بايدن التنفيذي كما وعد، فتوقع أن يستبدله بشيء لا يبدو مختلفاً كثيراً، من حيث استمرار مطالبة شركات التكنولوجيا بإجراء فحوصات السلامة على نماذجها.
توقع أيضاً تخفيفاً للقواعد المتعلقة بما تقوله روبوتات الدردشة. قال ترمب إنه يريد رؤية تطوير الذكاء الاصطناعي "متجذراً في حرية التعبير"، وماسك، الذي يكره ما يُسمى بـ"فيروس العقل المستيقظ"، يعتقد أيضاً أن نماذج الذكاء الاصطناعي خاضعة للرقابة بشكل مبالغ فيه.
مخاطر الذكاء الاصطناعي والمعايير
في الواقع، نجد أن معظم روبوتات الدردشة باستثناء روبوت "غروك" (Grok) الخاص بشركة "إكس إيه آي" (xAI) مصممة بعناية لتكون حذرة بشأن ما تقوله.
كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون أكاديميون في جامعة "إي تي إتش زيوريخ" بسويسرا وشركة "لاتيس فلو إيه آي" (LatticeFlow AI) و"معهد علوم الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا" أن أكبر النماذج اللغوية الكبيرة التي صنعتها شركات مثل "جوجل" و"أوبن إيه آي" و"ميتا بلاتفورمز" سجلت درجات عالية في منع روبوتاتها من نشر المحتوى الضار.
إن مخاوف ماسك من كارثية الذكاء الاصطناعي لا تجعل منه الشخص المناسب للاعتماد عليه في وضع سياسة الذكاء الاصطناعي. انظر فقط إلى ما حدث لـ"تويتر" تحت إدارته. فقد انتشر الخطاب الضار والعنيف ضد المهاجرين وذوي البشرة الملونة على المنصة، مما جعلها مكاناً غير ملائم للمجموعات المهمشة، في حين لا تجد نظريات المؤامرة صعوبة تُذكر في الانتشار، وغالباً ما يكون ذلك بفضل منشورات ماسك نفسه.
يحتاج قطاع التكنولوجيا إلى قواعد لمنع الذكاء الاصطناعي من الخروج عن السيطرة في المستقبل، لكن نماذج اليوم مليئة أيضاً بالتحيزات الجنسية والعرقية، وفقاً لدراسة جامعة "إي تي إتش" وشركة "لاتيس فلو". إن ملاحقة أي جهود لمعالجة ذلك باعتبارها نوعاً من الـ"رقابة" يهدد بتفاقم مشكلة الإنصاف في أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى أسوأ مما هي عليه بالفعل، مما قد يترتب عليه أن ينتج الذكاء الاصطناعي ضرراً أشد خبثاً في المستقبل القريب.
خلاصة
خلال حملته الانتخابية، لم يركز الرئيس المنتخب دونالد ترمب بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي، مما يعني احتمالية ترك الباب مفتوحاً أمام أطراف أخرى في إدارته، مثل إيلون ماسك، للتأثير على توجيه السياسات بهذا الشأن. يُعد ماسك من الشخصيات المؤثرة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث كان من المستثمرين المبكرين في "ديب مايند" وشارك في تأسيس "أوبن إيه آي"، ويدير حالياً "إكس إيه آي"، التي تعمل على تطوير نماذج متقدمة من الذكاء الاصطناعي.
ماسك، الذي يُعرف بتشاؤمه تجاه تأثيرات الذكاء الاصطناعي على البشرية، يمكن أن يُظهر تأثيراً كبيراً في كيفية تنظيم هذا القطاع تحت إدارة ترمب، خاصةً أن ترمب وعد بتخفيف القواعد التنظيمية التي قد تعيق التقدم التكنولوجي للشركات الأميركية. ولكن، بالنظر إلى تحفظات ماسك، قد يتجه لتأثير هذه القواعد بما يتوافق مع أيديولوجياته الشخصية، الأمر الذي قد يعقد الموقف بدلاً من تبسيطه.