الصين لم تدمر قطاع التكنولوجيا.. بل صقلته

حملة بكين للتضييق على القطاع أعادت تشكيل طموحاته في الابتكار

time reading iconدقائق القراءة - 7
رجل ينظر إلى عرض في مؤتمر دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم في شنغهاي، الصين - المصدر: بلومبرغ
رجل ينظر إلى عرض في مؤتمر دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم في شنغهاي، الصين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يبدو أن الصين، في نظر معظم المراقبين الغربيين، قد دفعت قطاع التكنولوجيا فيها إلى الهاوية.

انخفض عدد الشركات الناشئة بمقدار 50 ألف شركة بنهاية عام 2023 من الذروة التي وصل إليها في عام 2018، مع توقعات بأن يشهد العام الحالي انخفاضاً أكبر من ذلك.

وتقلص رأس المال السوقي لأكبر شركات التكنولوجيا، ومن بينها مجموعة "علي بابا القابضة" و"تينسنت هولدينغز"، بمئات المليارات، وأصبحت باهتة وهزيلة مقارنة بنظيراتها الأميركية.

لا يوجد مؤشر على أن القطاع سيعود يوماً إلى ما كان عليه قبل حملة التضييق الحكومية التي بدأت في أواخر عام 2020، حتى مع إشارة صناع السياسات إلى انتهائها. فقد أصبح تحولك إلى رائد أعمال ملياردير أمراً يستدعي الخوف، بدلاً من الاحتفاء.

من السهل على صناع السياسة بالولايات المتحدة اعتبار ذلك تأكيداً لمواقفهم ودليلاً إضافياً على تفوق المشهد التكنولوجي في بلادهم. فهم على حق، من وجهة نظرهم، في أن الرئيس شي جين بينغ خنق جيلاً من رواد الأعمال ممن كان بإمكانهم أن يفيدوا المستهلكين وأن يحققوا أرباحاً كبيرة للمستثمرين.

غير ان ذلك لا يعني أن النظام البيئي للابتكار في الصين يتباطأ. بل إن شي لم يفعل سوى تحديد هدفه بشكل أكثر دقة للتركيز على الهيمنة الوطنية والأمن بطريقة قد تغير ميزان القوى العالمي.

الحافز المعنوي

منحت بكين صناعتها التكنولوجية شيئاً لا يمكن لوادي السيليكون إلا أن يحلم به، منحتها رسالة أو مهمة تضطلع بها.

ربما يسهل على المستثمرين ورأسماليي السوق الحرة أن يسخروا من فكرة الابتكار المدفوع بهدف محدد. غير أن رواد الأعمال والعاملين الأميركيين في قطاع التكنولوجيا على حد سواء مهووسون بهذا المفهوم منذ فترة طويلة كما تكشف الدراما الجارية حالياً في شركة "أوبن إيه آي" (OpenAI)، وكما كتبت زميلتي بارمي أولسون مؤخراً. وتقول الغالبية العظمى من "جيل زد" إن الشعور بأنك تسعى لتحقيق هدف ما حافز مهم على العمل. 

بدأت "أوبن إيه آي" كمنظمة بحثية غير ربحية بهدف ابتكار ذكاء اصطناعي "يفيد البشرية جمعاء"، وانتهى أمرها إلى إطلاق تطبيق "تشات جي بي تي" (ChatGPT)، مما أدى إلى ازدهار الذكاء الاصطناعي عالمياً. ومع تطورها إلى شركة "ربحية" بشكل محدود توشك الآن أن تتحول إلى شركة هادفة للربح، شهدت خروجاً جماعياً لكثير من أعضائها المؤسسين.

من ناحية أخرى، يعتقد العديد من الصينيين الآن أن العالم أصبح أقل أماناً مما كان عليه قبل خمس سنوات، ويرون التوترات مع واشنطن واحدة من أكثر المخاوف إلحاحاً. وهذا التهديد الوجودي بالخسارة أمام الولايات المتحدة يُوظف حالياً كقوة دافعة لطموحات الصين التكنولوجية.

المستقبل التكنولوجي 

بعد تفكيك عصر الثراء السريع، ضاعف شي من جهوده نحو تحقيق "نمو مرتفع الجودة" بقيادة قطاع التكنولوجيا، وكذلك تحقيق "الرخاء المشترك". ووضعت الحكومة رؤية لمستقبل تكنولوجي تتقدم فيه الصين في مجالات استراتيجية مثل الذكاء الاصطناعي والتصنيع المتقدم والصناعات الخضراء مثل الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية. وهو ما يؤتي ثماره الآن بالفعل حيث وصلت صادرات البطاريات والسيارات الكهربائية والألواح الشمسية إلى مستويات قياسية.

قد تتفوق الولايات المتحدة حالياً في التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، لكن الصين تتقدم بسرعة مع تركيز حاد على سد هذه الفجوة. 

تشير الأبحاث الجديدة إلى أن تصميم الحزب الشيوعي من أعلى إلى أسفل على الهيمنة على هذه الأسواق العالمية يدفع عملية الابتكار بوتيرة أسرع مما كان يُعتقد، ومن المرجح أن تلحق العديد من شركات التكنولوجيا الصينية بالشركات الغربية أو تتجاوزها في غضون عقد تقريباً.

يبدو أن واشنطن تعي بوضوح أن قوة بكين التكنولوجية تشكل تهديداً، وقد ردت على ذلك بسلسلة من القيود على التصدير لمنع الصين من الوصول إلى رقائق الذكاء الاصطناعي المتطورة ومعدات التصنيع.

الاكتفاء الذاتي 

غير أن هذه السياسات عززت من التزام بكين بأهداف الاكتفاء الذاتي التكنولوجي. ويكشف التفكيك الأخير للكمبيوتر المحمول "هواوي شينشوانغ" (Huawei Xinchuang) أن البلاد تحرز تقدماً سريعاً على هذا الصعيد، حيث تأتي معظم الرقائق المهمة في الجهاز من شركات صينية.

ومؤخراً، دعمت بكين هذه الجهود من خلال مطالبة شركات التكنولوجيا وصناعة السيارات الكهربائية بشراء المزيد من الرقائق المنتجة محلياً. وقد وفر ذلك سوقاً لشركات أشباه الموصلات المحلية، كما أتاح مصادر للإيرادات يمكن استخدامها للبحث والتطوير وكذلك للتوسع.

أطلق النظام البيئي للابتكار في الولايات المتحدة، الذي يعتمد على ريادة الأعمال، عقوداً من النمو الاقتصادي السريع والمزايا للمستهلكين.

ولكن بعد أن تحولت الشركات الناشئة إلى أكبر الشركات في العالم، أصبح الحافز لتجربة واختراع شيء جديد مبهماً. لم يعد الخيار المطروح هو أن تبتكر أو تموت، بل أن تنجح في تعظيم القيمة لصالح المساهمين أو تنتهي. وقد شجع هذا ألمع العقول في وادي السيليكون على التركيز على العوائد قصيرة المدى بدلاً من تحقيق الاختراقات الجديدة، وحول المؤتمرات المثيرة التي كانت تصاحب إطلاق المنتجات الجديدة إلى أحداث للإعلان عن تحديثات مملة.

إن استخدام الصين للمصالح الوطنية كحافز للابتكار ليس بعيداً عن السردية الأميركية التي سبقت الثورة التكنولوجية بالولايات المتحدة. ومثل سباق الفضاء خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي الذي مهد الطريق لوادي السيليكون، قد ينتهي الأمر بالعديد من هذه التطورات إلى أن يكون لها استخدام مزدوج، مما يوفر فوائد للمستهلكين في نهاية السلسلة.

من السابق لأوانه بالنسبة لصناع السياسة الأميركيين أن ينظروا إلى تدمير قطاعي الإنترنت والتكنولوجيا الاستهلاكية في الصين كعلامات على النصر في هذه الحرب الباردة. بل إن من الحكمة أن تشجع واشنطن نشاط البحث المدفوع بتحقيق هدف، سواء في الجامعات أو المختبرات المستقلة، بدلاً من ترك أجرأ طموحات أميركا لنزوات ومصالح شركات التكنولوجيا الكبرى.

باختصار

يشير المقال إلى أن قطاع التكنولوجيا الصيني شهد تراجعاً ملحوظاً منذ عام 2020 نتيجة للتضييق الحكومي، حيث انخفض عدد الشركات الناشئة وتقلصت القيمة السوقية لأكبر الشركات مثل "علي بابا" و"تينسنت". ومع ذلك، لم يتباطأ الابتكار التكنولوجي في الصين، بل أعاد الرئيس شي جين بينغ توجيه القطاع نحو تحقيق أهداف وطنية مثل الهيمنة التكنولوجية والأمن، خاصة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة الخضراء. وعلى الرغم من القيود الأميركية على تصدير التكنولوجيا، فإن الصين تواصل تحقيق تقدم في تصنيع الرقائق والتقنيات المتقدمة، مما قد يؤثر على ميزان القوى العالمي.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

بكين

4 دقائق

7°C
غيوم متفرقة
العظمى / الصغرى /
2.4 كم/س
52%