بين الحين والآخر، تظهر شركة مهيمنة للغاية وتنمو بسرعة كبيرة بحيث تبدو وكأنها السهم الوحيد الذي يشغل اهتمام الناس جميعاً.
بالطبع، أتحدث هنا عن "إنفيديا"، شركة الرقائق العملاقة التي تشغّل منتجاتها الذكاء الاصطناعي. حققت أسهمها قفزات مدوية بلغت نسبتها 4000% على مدى السنوات الخمس الماضية، مما يجعلها واحدة من الشركات الثلاث الأكثر قيمة في العالم إلى جانب "مايكروسوفت" و"أبل".
جديرة بالاهتمام
تستحق "إنفيديا" كل هذا الاهتمام. حصتها بسوق رقائق الذكاء الاصطناعي تقترب من 90%. ويبلغ هامش ربحها 57% من إيراداتها البالغة 80 مليار دولار، وهي أعلى إيرادات على الإطلاق بين الشركات ذات الربحية المماثلة المدرجة ضمن مؤشر "إس آند بي 500". كما زادت مبيعاتها 64% سنوياً على مدى السنوات الخمس الماضية، وهو أعلى معدل نمو بين الشركات المدرجة بالمؤشر.
من الواضح أن "إنفيديا" شركة عظيمة، لكن هل هي استثمار رائع؟ للإجابة عن هذا السؤال، يجب على المرء أيضاً أن يأخذ في الاعتبار تقييم الشركة، والذي غالباً ما يمثل الجانب الآخر من الربحية. فالشركات سريعة النمو والمربحة للغاية أقرب إلى أن تحظى بعلاوة سعرية، و"إنفيديا" ليست استثناءً من هذه الميزة. من خلال بلوغ تقييمها 76 ضعف أرباح تشغيلها اللاحقة لمدة عام، فإن هذا التقييم يزيد عن ثلاثة أضعاف تقييم "إس آند بي 500"، وضعف "مايكروسوفت" و"أبل".
سيقول المستثمرون بلا شك إنهم يراهنون على مستقبل "إنفيديا"، وليس ماضيها، وإن النمو المستقبلي يبرر سعرها الحالي. ومن المفيد أن تقوم "بلومبرغ" بجمع تقديرات نمو الأرباح "طويلة الأجل" للمحللين، والتي تمثل المعدل السنوي المتوقع أن تنمو به أرباح التشغيل للسهم الواحد خلال دورة أعمالها التالية، والتي عادةً ما تكون من ثلاث إلى خمس سنوات.
يبلغ معدل نمو "إنفيديا" الذي أجمعوا عليه على المدى الطويل 43% سنوياً، وهو من بين أعلى المعدلات بالنسبة إلى شركات في مؤشر "إس آند بي 500"، ويبلغ أضعاف معدل نمو كلٍ من "مايكروسوفت" و"أبل".
آفاق واعدة
بهذا المعدل، لابد أن أرباح التشغيل للسهم الواحد في "إنفيديا" ترتفع إلى 80 دولاراً في أربع سنوات من 19 دولاراً حالياً، مما يؤدي إلى نسبة السعر إلى الأرباح على المدى الطويل، دعنا نذهب إلى أن النسبة هي 18.
بتقييم الشركات المدرجة على "إس آند بي 500" من الأعلى إلى الأدنى وفق هذا المقياس، تحتل نسبة السعر إلى الربحية طويلة المدى لـ"إنفيديا" المرتبة 116، وهي مطابقة تقريباً لتلك الخاصة بشركتي "مايكروسوفت" و"أبل". وبمعنى آخر، وبعد حساب نمو "إنفيديا" المتوقع المرتفع، فهي ليست أكثر كلفة من الشركتين العملاقتين.
ثمة مشكلة واحدة فقط: فكلما حاول المحللون تقدير الأرباح، أصبحت توقعاتهم غير مؤكدة، وتكون احتمالات عدم اليقين بالنسبة إلى بعض الشركات أكبر من غيرها.
تعد "مايكروسوفت" و"أبل" من الشركات الراسخة التي تجني الأموال من قاعدة عملاء مستدامة لهما تشمل تقريباً كل شخص لديه شاشة. ومن ناحية أخرى، تخدم "إنفيديا" سوقاً أحدث، وإن كانت واعدةً أكثر، تتمحور حول الذكاء الاصطناعي، والذي يكتنف مستقبلَه قدر أقل من اليقين، مثلما هي الحال مع دور "إنفيديا" في هذا السوق.
لذلك يتوقع المرء أن يكون الخلاف بشأن نمو "إنفيديا" المستقبلي أكبر منه إزاء "مايكروسوفت" و"أبل". وفي الواقع، هذا هو الوضع. تحسب "بلومبرغ" أيضاً الانحراف المعياري-أو التباين-لتقديرات المحللين لنمو الأرباح طويلة الأجل. ويشير التباين الكبير إلى اتفاق أقل بين المحللين، والعكس صحيح.
اتضح أن تباين تقديرات نمو "إنفيديا" على المدى الطويل يبلغ ثلاثة أضعاف تقديرات "مايكروسوفت" وأربعة أضعاف "أبل". ولما كان معدل سعر السهم إلى الربحية على المدى الطويل متماثلاً تقريباً لدى الشركات الثلاث، فإن ذلك الخاص بشركتي "ميكروسوفت" و"أبل" يرتكز على توقعات أكثر تواضعاً، ولكنها أيضاً أكثر استقراراً، في حين تعتمد توقعات "إنفيديا" على توقعات أكثر تفاؤلاً لكن يصعب تحديدها وتأكيدها.
الأرباح المستقبلية
يسلط هذا الضوء على مخاطر الاعتماد على الأرباح المستقبلية لتبرير السعر الحالي للسهم، خاصة عندما تكون التوقعات ضبابية، مثلما يبدو مع "إنفيديا". وإذا ثبت أن توقعات النمو المُجمع عليها للشركة متفائلة للغاية، فسيُعاد تسعير السهم، وسيكون لديه مجال كبير للتصحيح.
عُقدت في الآونة الأخيرة مقارنات عديدة بين "إنفيديا" وشركة "سيسكو سيستمز"، وذلك لسبب وجيه. فمثل رقائق "إنفيديا" التي تقود الذكاء الاصطناعي حالياً، طورت "سيسكو" أجهزة التوجيه التي دعمت شبكة الإنترنت المزدهرة في تسعينيات القرن الماضي، كما أن الهوس بأسهم الإنترنت جعل من "سيسكو" الشركة الأكثر قيمة في العالم لبعض الوقت.
الأمر الأكثر إفادة في هذه المقارنة هو مدى تضليل مستثمري "سيسكو". فخلال العقد بين عامي 1991 إلى 2000، تمكنت الشركة من زيادة أرباحها التشغيلية بـ71% سنوياً، وحققت أرباحاً قيمتها 4.6 مليار دولار للسنة المالية 2000، وتقييماً ضخماً بلغ 233 ضعف الأرباح اللاحقة، وهو ما تبرره بلا شك التوقعات الواثقة لاستمرار النمو الضخم.
ولكن عندما انفجرت فقاعة الإنترنت في عام 2000، تبدلت حظوظ "سيسكو" سريعاً. فانخفضت أرباح التشغيل إلى 21 مليون دولار فقط في السنة المالية 2001، وبحلول الوقت الذي استعادت فيه مستواها الذي كانت عليه في عام 2000 بعد ذلك بعامين، كان سعر سهم الشركة يعادل 39 ضعف أرباحها اللاحقة-وهو جزء محدود من تقييمها في 2000. واتجه تقييمها نحو الانخفاض منذ ذلك الحين.
هل تهوي "إنفيديا"؟
هذا لا يعني أن "إنفيديا" ينتظرها مصير مشابه، لكنه يوضح مخاطر التعويل على مستقبل مشرق في صناعة جديدة وسريعة التطور. وترى زميلتي في "رأي بلومبرغ"، بارمي أولسون، بالفعل "علامات استياء" من الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك تقليص الشركات لأدواته الجديدة.
كتب دانييل آيفز، المحلل في "ويدبوش سيكيوريتيز" (Wedbush Securities)، في الآونة الأخيرة يقول: "رقائق وحدة معالجة الرسوميات من إنفيديا هي في جوهرها الذهب أو النفط الجديد في قطاع التكنولوجيا". ربما ليس من قبيل الصدفة أن يكون من الصعب التنبؤ بمسار كلتا السلعتين.