بارمي أولسون: طرح زوكربيرغ الذكاء الاصطناعي مجاناً مصيدة ذكية

"ميتا" تتيح دون مقابل نموذج ذكاء اصطناعي أنفقت عليه المليارات، لكنه يجني لها فوائد مثل أموال الإعلانات

time reading iconدقائق القراءة - 19
مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة \"ميتا بلاتفورمز\" في مطار جيمبو الدولي في سيئول، كوريا الجنوبية، يوم الثلاثاء، 27 فبراير 2024. - المصدر: بلومبرغ
مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا بلاتفورمز" في مطار جيمبو الدولي في سيئول، كوريا الجنوبية، يوم الثلاثاء، 27 فبراير 2024. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

هناك لغز يحيط بمارك زوكربيرغ، وليس بقلادته الجديدة. بالأمر أن الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا بلاتفورمز" أنفق مليارات الدولارات لبناء نماذج ذكاء اصطناعي قوية ويقدم هذه التكنولوجيا مجاناً. فلماذا يفعل ذلك؟

زعم زوكربيرغ في الآونة الأخيرة أن نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص به لتدريب روبوتات الدردشة "لاما" (LLaMA) مفتوح المصدر ويمنع تركز القوة في قبضة شركة واحدة.

شك وريبة

كان رئيس "ميتا" صرح في بث صوتي (بودكاست) لصحيفة "مورنينغ برو ديلي" في فبراير، بالقول: "أركز حقاً على المصادر المفتوحة. نظريتي في هذا هي أن ما تريد منعه يشبه أن تصبح مؤسسة واحدةً أكثر تقدماً وقوةً من الآخرين".

ربما ينبغي النظر إلى هذا التفسير بعين الريبة، إذ إنه صادر في نهاية المطاف عن رجل نجح في تعزيز هيمنته على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال شراء منصات منافسة وتقليدها، ويتمتع بسيطرة شبه دكتاتورية على "ميتا" بأكثر من 50% من إجمالي قوة التصويت.

شأنه شأن أي امبراطور أعمال محب للخير في "وادي السيليكون"، أضفى زوكربيرغ طابعاً من استهداف المنفعة العامة على جهوده كي يكسب شركته قيمة أخلاقية. ربما يرجع السبب الحقيقي لمشاركته الذكاء الاصطناعي الخاص به إلى أمر يتعلق بمحاولة جعل الأمور أكثر صعوبة على منافسيه، بالإضافة إلى تحسين سمعة "ميتا" حتى تتمكن من جذب مهندسي الذكاء الاصطناعي الأكثر خبرة. ربما يسمح له أيضاً يوماً ما باستكشاف طرق جديدة لتعزيز أعماله الإعلانية. وينبغي للمستثمرين في ضوء ذلك أن يبتهجوا، لكن على مطوري الذكاء الاصطناعي ذوي المثل الإنسانية أن يفكروا مرتين قبل الانضمام إليه.

رهان غير مقصود

الوصول إلى هذه النقطة تطلب رهاناً غير مقصود من جانب زوكربيرغ. ففي نهاية 2022، قبل إطلاق "أوبن إيه آي" (OpenAI) روبوت الدردشة "جي بي تي-4" مباشرةً، تقدم لشركة "إنفيديا" بطلبية كبيرة لشراء وحدات معالجة الرسوم–وهي الرقائق القوية المستخدمة لبناء معظم أنظمة الذكاء الاصطناعي–وفق مقابلة أجراها مع موقع "ذا فيرج" المتخصص في الصحافة التكنولوجية. كان يهدف إلى تحسين نظام التوصية (فرع من أنظمة تصفية المعلومات التي تهدف إلى توقع إعجاب المستخدم بمنتج معين) لخدمة مقاطع الفيديو القصيرة "ريلز" (Reels)، وهي استنساخ "ميتا" لموقع المقاطع المصورة القصيرة "تيك توك"، ولكن اتضح أن زوكربيرغ كان يخزَن دون قصد المكونات الأكثر رواجاً في عالم التكنولوجيا هذه الأيام، وهي رقائق الذكاء الاصطناعي القوية التي شحّ المعروض منها حالياً.

يعد هذا أحد أسباب تقدم "ميتا" السريع للغاية في مجال الذكاء الاصطناعي منذ ذلك الحين، حيث أطلقت نسختها الأولى من "لاما" في فبراير 2023، ثم "لاما2" بعد خمسة أشهر فقط. وعندما أطلقت "لاما3" الشهر الماضي، دخل النظام على الفور إلى أعلى تصنيف عالمي لنماذج الذكاء الاصطناعي (يحتل حالياً المرتبة السادسة)، مما يجعله النظام الأكثر تطوراً والذي يمكن لأي شخص استخدامه مجاناً.

صعوبة على المنافسين

إتاحة "لاما"، وهو النظام الذي يعمل أيضاً على تشغيل مساعدي الذكاء الاصطناعي الجدد لشركة "ميتا"، بالمجان يجعل الأمور أصعب بالفعل على منافسين كبار مثل "مايكروسوفت" و"أمازون دوت كوم" والذين يتقاضون جميعاً رسوماً مقابل خدمات الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم ضمن أعمالهم في مجال الحوسبة السحابية.

من المفترض أن تقطع هذه الخطوة شوطاً نحو جذب المزيد من المواهب المتميزة، وهي مسألة مهمة جداً بالنسبة إلى زوكربيرغ، لدرجة أنه راسل شخصياً بالبريد الإلكتروني باحثين في شركة "ديب مايند" (DeepMind) التابعة لـ"غوغل" ليقدم لهم عروض عمل، وفق موقع "ذا إنفورميشن".

يريد العديد من مطوري الذكاء الاصطناعي الحصول على راتب ثابت وفرصة لأن يكون لعملهم تأثير واسع النطاق. جرى تنزيل نسخة "لاما" أكثر من 100 مليون مرة حتى الآن، ويريد مطورو البرمجيات أن يكونوا قادرين على الوصول إلى "أوزانه"، وهي الإعدادات الداخلية التي تساعده في معالجة البيانات، مما يجعل النموذج أكثر قابلية للتكيف بالنسبة للشركات التي ترغب في تلخيص المستندات القانونية أو تصنيف تعليقات العملاء . هذا النهج المرن لبناء التكنولوجيا يجعل "ميتا" مكاناً أكثر جاذبية للعمل أيضاً.

محاكاة "غوغل"؟

في المستقبل، يمكن أن تكون هناك فائدة أخرى من الناحية النظرية لهدية زوكربيرغ الكبرى في مجال الذكاء الاصطناعي: محاكاة نجاح "غوغل" مع نظام أندرويد. فقد بدأت الشركة التابعة لـ"ألفابت" في تقديم نظام تشغيل الهاتف المحمول الخاص بها إلى صانعي الأجهزة في 2008، وبمرور الوقت أضافت متطلبات لهم تشمل تطبيقات مثل "غوغل سيرش" و"غوغل مابس" و"جي ميل".

ومع تزايد عدد أجهزة "أندرويد"، ارتفع الإقبال على هذه الخدمات، مما مكّن "غوغل" من تحقيق الدخل منها عبر الإعلانات. وأصبحت تطبيقات "غوغل" على نظام "أندرويد" في الأساس بوابات لمليارات المستخدمين-ومصدراً جديداً للإيرادات.

فهل بوسع "ميتا" الاستفادة بالمثل من "لاما"؟ من الناحية النظرية، وبعد أن بات النموذج أكثر شيوعاً بين المطورين وجزءاً لا يتجزأ من تطبيقاتهم، يمكن أن تبدأ "ميتا" في إضافة شرط لهؤلاء المستخدمين بمشاركة البيانات التي يقومون بمعالجتها، وهي التي يمكن استخدامها لتحسين نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة، بل وربما تعزيز نشاطها الإعلاني.

بطبيعة الحال، فإن القيام بذلك يعني أن زوكربيرغ لم يعد بإمكانه وصف "لاما" بأنه "مفتوح المصدر"، ولكن هناك بالفعل جدل بين مجموعات الصناعة بشأن ما إذا كان النموذج مؤهلاً لذلك في المقام الأول. حدث ذلك بالفعل، إذ تسعى "ميتا" للحصول على قدر أكبر من التحكم في كيفية استخدام كل إصدار جديد من "لاما". وتسعى اتفاقية ترخيص "لاما3" إلى توفير المزيد من الحماية لملكيتها الفكرية، وامتثال أكبر لعلامتها التجارية ومعاييرها القانونية، على سبيل المثال، أكثر من اتفاقية "لاما2".

تحول ظاهر

لن يكون مثل هذا التحول مجهولاً. فما عليك سوى أن تنظر إلى شركة "أوبن إيه آي"، التي استخدمت في الأصل مصطلح "مفتوح" لـ"أغراض التوظيف"، وأصبحت أكثر سرية وتقييداً بمرور الوقت.

أخبرني اثنان من كبار الباحثين في الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر أنه سوف يتسنى لشركة "ميتا" وضع أحكام مشاركة البيانات في اتفاقيات الترخيص المستقبلية لـ"لاما"، إذا قيّدت الشركة بعض المصادر المفتوحة للنموذج. وإذا تمكنت "ميتا" بعد ذلك من الحصول على كميات كبيرة من البيانات مجهولة المصدر التي أنشأها "لاما"، فقد يساعدها ذلك في تحسين فهمها للمحتوى الذي يجذب المستخدمين وتحسين كيفية تخصيص إعلاناتها (توجيه إعلانات معينة لأشخاص معينين وفق تفضيلاتهم).

هذا لن يروق للجميع. فقد كانت المخاوف بشأن جمع البيانات الشخصية هي السبب وراء انتهاك "تشات جي بي تي" قوانين الخصوصية الإيطالية. لكن زوكربيرغ حوّل "فيسبوك" إلى طابعة أموال بعد أن هيمن على سوق وسائل التواصل الاجتماعي، وجمع مئات الملايين من المستخدمين المتفانين. فهو يفضل استراتيجية تتبع تفضيلات المستخدمين أولاً، ثم تحقيق الدخل لاحقاً. وإذا تسنى له فعل الشيء نفسه مع "لاما"، فقد يعني ذلك جعل نموذج الذكاء الاصطناعي أقل انفتاحاً وأكثر ربحية لشركته أيضاً.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

California City

5 دقائق

10°C
سماء صافية
العظمى / الصغرى /11°
18.5 كم/س
24%