لعلك سمعت مصطلح الـ"فينتك" (Fintech) خلال المؤتمرات والاجتماعات، وربما حتى في حفلات العشاء. هذا المصطلح في الحقيقة ما هو إلا اختصار يشير إلى مفهوم التكنولوجيا المالية.
بدأ هذا المفهوم الحديث يتصاعد في أعقاب أزمة الرهون العقارية عام 2008، التي تصاعد إثرها بشكل كبير عدد الشركات الناشئة العاملة في مجال التكنولوجيا المالية، ليصبح الـ"فينتك" منذ ذلك الحين اختصاراً لثورة رقْمية تكتسح الممارسات المصرفية القديمة وتغيِّرها. مع ذلك أصبح تعريف هذا المصطلح مرناً لدرجة تجعل من الصعب تحديد ماهيّته بدقّة.
في ما يلي مبادئ التعريف بمصطلح "التكنولوجيا المالية"، وما تبشِّر به من تطوير للصناعة المالية العالمية التي باتت في أمسِّ الحاجة إلى الابتكار.
1. ماذا تعني التكنولوجيا المالية؟
الـ"فينتك" أو التكنولوجيا المالية هي مصطلح يجمع تحت تصنيفه كل الشركات التي تستخدم الإنترنت أو الهواتف المحمولة أو الحوسبة السحابية [1] أو البرمجيات مفتوحة المصدر لتوفير الخدمات المصرفية والاستثمارية بشكل أكثر كفاءة. وتنقسم هذه الشركات حسب طبيعة عملها إلى مجالين: شركات تتعامل مع المستهلِكين بشكل مباشر وتوفِّر أدوات رقْمية موجَّهة إلى الأفراد لتساعدهم على الاقتراض أو إدارة الأموال أو تمويل مشاريعهم وشركاتهم الناشئة، وشركات أخرى تتعامل مع المؤسَّسات المالية، وتوفِّر الدعم لها، وتدير عملياتها من وراء الكواليس.
2. لماذا تثير "فينتك" كل هذه الضجَّة؟
بإمكان التكنولوجيا المالية أن تُعيد تشكيل القطاع المالي ككلّ، وقد تزعزع استقرار أبرز اللاعبين فيها، إذ تستخدم منظَّمات إقراض الند-للند (Peer-to-Peer) الإنترنت لمطابقة المقترضين مع المستثمرين، وهو نموذج نجح في تقليص الفترة الزمنية للموافقات على القروض، التي تستغرق في البنوك التقليدية أسابيع، إلى ساعات فقط. ومن المتوقَّع أن يقفز حجم هذا النوع من القروض عبر الإنترنت في أمريكا من 20 مليار دولار في عام 2015 إلى 120 مليار دولار بحلول نهاية العقد الحالي (نهاية 2020)، وفقاً لبيانات شركة "مورغان ستانلي-Morgan Stanley".
وفي مجال إدارة الاستثمارات، تستخدم بعض الشركات العملاقة مثل ""BlackRock Inc ومجموعة Vanguard Inc" خوارزميات تُعرف باسم "المستشار الآلي" لضبط الْمَحافظ تلقائيًّا وَفْقاً لتفضيلات المخاطرة الخاصَّة بالعملاء.
كما يُجري بعض صناديق التحوُّط تجارِب لتطبيق الذكاء الاصطناعي بهدف جعل الخوارزميات ذاتية التعلُّم، وقد نجحت تلك التجارِب بدرجات متفاوتة.
وفي أسواق رأس المال، تُجري كل من الشركات الناشئة، وأيضاً المؤسَّسات المالية الضخمة، مثل مجموعة "غولدمان ساكس"، والبنك المركزي البريطاني، تجارِب لمعرفة ما إذا كانت أنظمة "بلوك تشاين" (blockchain) المتاحة مجَّانًا التي تدعم عملة "بتكوين" (Bitcoin) الرقْمية، يمكن أن تحلّ محلَّ الطرق الحاليّة لتحويل الأصول والعملات. كما تتسابق عشرات المؤسَّسات لاستخدام أنظمة "بلوك تشاين" لتبسيط الطرق التي تُتداوَل، وتُسوَّى، وتُسجَّل من خلالها الأوراق المالية. كل هذه المساعي تندرج تحت مظلّة التكنولوجيا المالية.
3. مَن يتحكَّم في كلِّ هذا؟
رحَّبت الهيئات الرقابية في جميع أنحاء العالم بالتكنولوجيا المالية بشكل عامّ، كونها تَعِدُ بجعل المعاملات المالية أسهل وأرخص وأكثر شفافية. وقالت جانيت يلين، الرئيسة السابقة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، إنَّ تقنية "بلوك تشاين" يمكن أن تساعد في تطوير وتحسين عمل أنظمة المدفوعات العالمية العتيقة، وهي الشبكة التي تربط البنوك حتى تتمكَّن من نقل الأموال في جميع أنحاء العالم. كذلك قال مارك كارني، محافظ البنك المركزي البريطاني، إنَّ التكنولوجيا المالية قد تغيِّر كيفية إدارة البنوك والشركات والمستهلكين للخدمات المالية، كالائتمان والإنفاق والادخار بشكل جذريٍّ. لكن، بحسب كارني، ينبغي على الجهات التنظيمية أيضاً النظر في كيفية تأثير هذه التقنيات على سلامة وأمن النظام المالي.
4. أيّ تهديد يمكن أن تشكّله التكنولوجيا المالية؟
في حين تقدِّم شركات التكنولوجيا المالية مجموعة من الخدمات المالية، مثل الرهون العقارية عبر الإنترنت، وقروض السيارات، وحسابات التقاعد من جميع الأنواع، فإنَّ الرفاهية قد تُغري بعض المستهلكين بالتزامات لا يفهمونها أو لا يمكنهم الوفاء بها.
ويمكن أن تحلّ التكنولوجيا المالية أيضاً محلّ الفروع الصغيرة للبنوك التقليدية، مما يترك الأُسَر ذات الدخل المنخفض غير قادرة على الاستفادة من الحسابات الجارية وحسابات التوفير أو بطاقات الائتمان.
ومن ناحية أخرى، تعثَّرت بعض الشركات الكبرى العاملة في هذا المجال، فقد أطاحت شركة "LendingClub Corp"، رائدة إقراض الند-للند في الولايات المتحدة، ومقرُّها سان فرانسيسكو، بالرئيس التنفيذي رينو لابلانش في مايو 2016 على خلفية فضيحة حوكمة الشركات، مما تسبَّب في خسارة أسهمها نصف قيمتها خلال خمسة أيام من التداول.
5. ماذا فعلت الجهات التنظيمية حتى الآن؟
إنَّهم في المراحل الأُولى لاستكشاف كيفية حماية المستهلِكين والنظام المالي دون خنق الابتكار. وقد قال مكتب مراقبة العملة الأمريكي في ديسمبر، إنَّه سيبدأ في إصدار مواثيق معدَّلة لشركات التكنولوجيا المالية التي تتطلَّب اتباع بعض القواعد المصرفية الفيدرالية.
من جانبها، تدير هيئة الإدارة المالية البريطانية برنامجاً تجريبياً اسمه ""sandbox للعمل مع الشركات الناشئة في مراحلها الأُولى لضمان امتثالها للوائح. وفي غضون ذلك، تتطلَّع بعض شركات التكنولوجيا المالية إلى الحدِّ من التدقيق الرقابي، وتوسيع نفوذها في واشنطن في عهد الرئيس دونالد ترمب، من خلال تشكيل مجموعات الضغط، والانضمام إليها.
6. هل يراهن المستثمرون على التكنولوجيا المالية؟
نعم، بشكل كبير، فقد ضخَّت شركات رأس المال الاستثماري أكثر من 17 مليار دولار في شركات التكنولوجيا المالية الناشئة على مستوى العالم في عام 2016، بزيادة بلغت ستة أضعاف ما كانت عليه في عام 2012. وفي العام الماضي، تفوَّقت الصين على الولايات المتحدة كوجهة رئيسية للاستثمار في التكنولوجيا المالية، كما تمتلك سنغافورة وحدها أكثر من 100 شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا المالية.
ونظراً إلى طرح عدد قليل فقط من هذه الشركات للاكتتاب العام، يتوقَّع المستثمرون موجة من عروض شراء الأسهم، وعمليات الاستحواذ مع بحث البنوك عن التكنولوجيا التي يمكنها استخدامها من ناحية، ونضوج الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية من ناحية أخرى.
7. هل تُقلِق شركاتُ التكنولوجيا المالية البنوكَ الكبرى؟
بالتأكيد، فبعد تجاهُل هذه الشركات الناشئة في البداية باعتبارها هامشية، يتقبَّل المُقرِضون الآن أنَّ التكنولوجيا ستقلب صناعتهم بنفس الطريقة التي قلبت بها قطاعات أخرى. وفي حين قد يساعد المستشارون الآليون والتطبيقات الأخرى البنوك في تقديم خدمة أفضل لعملائها، فإنّ هذه الابتكارات يمكن أن تحلّ محلَّ آلاف الوظائف. كما يتخوَّف البنوك والوسطاء وغيرهم من اللاعبين التقليديين في المجال المالي من استغلال شركات التكنولوجيا المالية الحديثة ميزة عدم خضوعها للوائح تنظيمية للاستيلاء على حصتهم السوقية.
8. ماذا يفعلون حيال ذلك؟
إنَّهم يحاولون استباق المسيرة، بحيث تستفيد البنوك من علاماتها التجارية والتقنيات التي تمتلكها لتجربة التكنولوجيا المالية، وغالباً ما تستخدم أساليب مستعارة من وادي السيليكون.
وكانت مجموعة "باركليز" على سبيل المثال قد دعمت 60 مشروعاً في المراحل الأوّلية في إطار برامجها الحاضنة والمسرّعة للأعمال في كلٍّ من لندن، ونيويورك، وتل أبيب، وكيب تاون. كذلك تختار البنوك التي لا تستحوذ على حصة في شركات التكنولوجيا الشركات الأكثر تفضيلاً لديها لدعمها في لتطوير مشاريع إثبات المفهوم (Proof of concept )، وهو ما يُعدُّ لبنة الأساس إلى إبرام الصفقات، في حين أنشأ مقرضون آخرون مثل "سيتي غروب"، و""Banco Santander SA صناديق استثمار للاستحواذ على حصص في شركات التكنولوجيا المالية.
ولكن يصعب على بعض البنوك الكبيرة إدماج التقنيات الجديدة مع أنظمتها القديمة، ولذلك تباطأت البنوك الكبرى في إجراء تغييرات أساسية في عملياتها حتى مع استثمار مزيد من الأموال، ويبقى الأمل للقطاع في التكنولوجيا المالية.