كيف جنى أوكرانيان مليارات من تصحيح رسائل البريد الإلكتروني؟

time reading iconدقائق القراءة - 18
طالب يعمل على جهاز لابتوب - المصدر: بلومبرغ
طالب يعمل على جهاز لابتوب - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يريد براد هوفر أن يكتب العالم بلغة إنجليزية أصح تخلو من الأخطاء، والسرقة الفكرية، ومن خلال استخدام قواعد سليمة.

هوفر البالغ عمره 43 عاماً ليس مدرساً أو سياسياً، بل صاحب رأس مال مغامر سابق، ويشغل الآن منصب رئيس تنفيذي لشركة "غرامرلي" (Grammarly)، التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقراً لها، وتستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين الكتابة.

أطلق "غرامرلي" ثلاثة أوكرانيين في 2009، ويعمل لديها أكثر من 600 موظف وتتعامل مع أكثر من نصف مليون تطبيق لتحليل 14 تريليون كلمة سنوياً تأتي من 30 مليون مستخدم نشط يومياً حول العالم. قال هوفر، إنَّه ما يزال هناك مجال للتوسع، إذ إنَّ غالبية مستخدمي اللغة الإنجليزية عالمياً يوجدون في مناطق ليست هي اللغة الرئيسية فيها.

تُعد "غرامرلي" بالفعل إحدى أكبر شركات "يونيكورن" في العالم بعدما جمعت 200 مليون دولار في نوفمبر من مستثمرين بمن فيهم "بلاك روك"، و"بايلي غيفورد"، مما جعل تقييمها يبلغ 13 مليار دولار بعد أن قيّمتها جولة التمويل السابقة في 2019 عند ما ينيف على ملياري دولار. كان ذلك قبل أشهر فقط من جائحة كوفيد-19، التي أدت لتغيير مكان عمل عشرات الملايين من موظفي المكاتب، وجعلتهم يتخاطبون مع زملائهم كتابةً من المنزل.

قال هوفر: "لقد رأينا أعمالنا تتسارع مع الانتقال إلى العمل عن بُعد... كان الناس في الماضي يُتركون ليتوصلوا بأنفسهم لكيفية التواصل بشكل جيد. أما الآن؛ فنحن في فترة زمنية فريدة جداً يتسنى فيها استخدام البرامج لتمكين الأشخاص من التواصل".

مجموعة مليارديرات

جعلت "غرامرلي" اثنين على الأقل من مؤسسيها من أصحاب المليارات، ماكس ليتفين، وأليكس شيفتشينكو، الذين تبلغ ثروة كل منهما 2.4 مليار دولار على الأقل، بحسب مؤشر "بلومبرغ" للمليارديرات. يمتلك الداعمون الذين شاركوا في جولات التمويل حصة تبلغ 23%، بحسب بيانات من "بيتش بوك داتا" (PitchBook) و"بلومبرغ".

رفض هوفر الكشف عن حصته أو حصة المؤسس المشارك الثالث لشركة "غرامرلي"، دميترو ليدر، واكتفى بالقول: "كمجموعة عاملين نملك الأغلبية".

"غرامرلي"؛ هي واحدة من عدد من شركات التكنولوجيا الناشئة التي تملك جذوراً في الكتلة السوفيتية السابقة، فقد كان كبار رجال الأعمال يصبّون ثرواتهم في السلع.

تأسست "غيت لاب" (GitLab)، وهي منصة أدوات برمجية طُرحت للاكتتاب العام في أكتوبر، على يد اثنين من الأوكرانيين؛ ساعد فلاد ياتسينكو بإنشاء شركة "ريفولوت" (Revolut) للخدمات المالية؛ وبدأ فاليري فافيلوف المولود في لاتفيا بتأسيس شركة "بيتفيوري" (Bitfury Group)، وأطلق دانيال داينز من رومانيا شركة "يوباث" (UiPath) لصناعة برمجيات الأتمتة.

قال شيفتشينكو في رسالة بالبريد الإلكتروني: "نحن فخورون بتمثيل أوكرانيا في المسرح العالمي".

كان شيفتشينكو صديقاً لــ ليتفين أثناء دراستهما معاً لإدارة الأعمال في "الجامعة المسيحية الدولية" في كييف في أواخر التسعينيات قبل انتقالهما إلى الولايات المتحدة وكندا لمتابعة درجة الماجستير في هذا المجال. جاءت فكرة "غرامرلي" من شركة سابقة تم إنشاؤها للمساعدة في منع السرقة الفكرية.

لغتنا وليست لساننا

أضاف شيفتشينكو: "لقد أسسنا (غرامرلي) بهدف استخدام التكنولوجيا لمساعدة الناس على توصيل ما يقصدونه، وهي مهمة ولدت من تجاربنا الخاصة كمتحدثين للغة الإنجليزية دون أن تكون لغتنا الأم... منحتنا جذورنا منظوراً فريداً حول مدى تعقيد اللغة وقوتها في مساعدة الأشخاص على تحقيق أهدافهم".

يقول ليتفين، الذي يحمل هو وشيفتشينكو الجنسية الكندية، إنَّه أعطى الأولوية لخدمة العملاء في الأيام الأولى للشركة، حين وُجهت للجامعات. كما طلب من مكتب الدعم الفني تحويل المكالمات إليه بعد فترة وجيزة من بدء "غرامرلي"، وكان يسأل المستخدمين مراراً وتكراراً عن المنتج إلى أن ينهوا المكالمة.

جاء اختراق الشركة في 2014 حين قدّمت خطة مجانية مع ميزات أساسية، وخيار الدفع مقابل الميزات المتقدمة. أصدرت بعد عام امتدادات متصفح مجانية، وساعد ذلك في بناء قاعدة من العملاء المخلصين، وحوالي 30 ألف فريق في الشركات ذات الأسماء الكبيرة، بما في ذلك "مجموعة إكسبيديا" (Expedia Group)، و"سيسكو سيستمز" (Cisco Systems).

يعمل هوفر في "غرامرلي" منذ أكثر من عقد من الزمان، فقد انضم في 2011 قادماً من شركة رأس المال الاستثماري "جنرال كاتاليست بارتنرز" (General Catalyst Partners) بعدما تعرف على البرنامج أثناء بحثه عن المساعدة في كتاباته الخاصة.

قال هوفر: "لقد أذهلني المنتج والفريق... لقد تأسسنا خارج الولايات المتحدة، ولم نجمع الأموال حتى بلغ عمر الشركة ثماني سنوات. من الفريد جداً أننا نحقق أرباحاً، وقد حدث ذلك منذ أيامنا الأولى".

تحديات المستقبل

تواجه الشركة عدة تحديات جديدة في مرحلتها التالية من النمو، على سبيل المثال؛ أعرب الباحثون عن قلقهم من أنَّ برنامجها يمكن أن يغير التعبير البشري بشكل أساسي. يعكس ذلك المخاوف من صناعة التكنولوجيا الأوسع نطاقاً بشأن الذكاء الاصطناعي، التي تتراوح من تحذيرات إيلون ماسك بأنَّها يمكن أن تستخدم "كأسلحة إرهاب" وصولاً إلى توقُّع المدير التنفيذي السابق لشركة "غوغل" كاي فو لي بأنَّ الأتمتة قد تحل محل 40% من الوظائف البشرية في غضون 15 عاماً.

قالت أندريا لي، الأستاذة في "جامعة أوستن بياي ستيت" في ولاية تينيسي التي درست كيفية تأثير برامج مثل "غرامرلي" على متعلمي اللغة الإنجليزية في بلدان مثل كوريا الجنوبية: "التواصل الحقيقي مهم جداً... قد لا يسخر الطلاب الجهد اللازم لحل واجباتهم إذا كانوا يعتمدون على (غرامرلي)".

بيّن هوفر أنَّ الشركة تقدّم ملاحظات توفر "لحظات تعلم" بدلاً من أتمتة كتابات المستخدمين كليةً، لكنَّها تدرك المخاطر المحيطة بتغيير التعبير البشري.

يتعيّن على "غرامرلي" أيضاً منافسة عدد من أدوات الكتابة المساعدة الجديدة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك "مايكروسوفت اديتور". تحاول الشركة البقاء في صدارة المنافسة عبر منتجات جديدة من ضمنها تلك المعدة لأجهزة الكمبيوتر المكتبية، و"غرامرلي للمطورين"، بالإضافة لشراكتها في مشروع لوحة مفاتيح "سامسونغ".

ساعد جيم رانالي، أستاذ اللغة الإنجليزية في "جامعة ولاية آيوا"، بتقديم طلب للحصول على منحة لشراء 1500 ترخيص متميز من "غرامرلي" للطلاب في دورات الكتابة المكثفة. وقد بيّن السبب بقوله، إنَّ التعليقات التي يقدمها المنتج مفيدة بشكل خاص لإصلاح مشاكل اتفاق الفعل والفاعل، وحروف الجر غير الصحيحة، وأدوات التعريف والتنكير، وأضاف: "لقد وجدت دائماً أنَّ شيئاً قد فاتني أو شيئين، في رسالة بريد إلكتروني كنت أوشك على إرسالها".

تتوقَّع "غرامرلي" أن يجد عالم الأعمال هذا النوع من الكتابة الأنظف مجزياً بشكل خاص وسط الانتقال إلى ترتيبات عمل أكثر مرونة. قد يكلف سوء التواصل الشركات الأمريكية ما يقدّر بنحو 1.2 تريليون دولار سنوياً، وفقاً لدراسة من "هاريس بول" (Harris Poll) الشهر الماضي أجريت بتكليف من "غرامرلي".

قال هوفر: "نحن الآن في حقبة فريدة جداً لاستخدام البرامج لتمكين الأشخاص من التواصل بشكل فعال، وزيادة قدراتهم... لتمكين الأشخاص بشكل أساسي من التحادث، والتواصل، وحل المشكلات، وتقليل النزاعات، والتوصل إلى أفكار جديدة. كل هذه الأشياء ذات صلة بالعمل عن بعد".

تصنيفات