الاستثمار في تقنيات المناخ قد يصل بنا إلى الحياد الكربوني

time reading iconدقائق القراءة - 8
منشأة \"أوركا\" لاحتجاز الكربون من الهواء في أيسلندا  - المصدر: بلومبرغ
منشأة "أوركا" لاحتجاز الكربون من الهواء في أيسلندا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يجري حالياً توجيه مبالغ ضخمة نحو تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. يعدُّ هذا الأمر خبراً ساراً، إذ إنَّنا بحاجة إلى ما يتراوح بين 100 و150 تريليون دولار من استثمارات المناخ على مدى العقود الثلاثة المقبلة. ومن شأن تجاهل قضية الاحتباس الحراري أن يكشف عن كارثة باهظة التكلفة، بل وربما لا رجعة فيها. خلال السنوات المقبلة الحاسمة، من الضروري أن تتجاوز المبالغ التي تذهب إلى نظام الطاقة، فعلياً، أكثر من ضعف إجمالي الرقم الحالي بواقع 1.7 تريليون دولار في السنة. ولكن هل تجمل الأموال الموعودة كل ما يحتاج إليه الكوكب للتصدي للاحترار العالمي؟ ليس تماماً.

اقرأ أيضاً: انسوا كلمات اتفاقية جلاسكو للمناخ.. واتبعوا الأموال

هناك حقيقة مزعجة مفادها أنَّ الأموال لا تصل إلى كل ركن من أركان العالم بكميات كافية، إذ يظل معظمها في الدول المتقدمة، الأمر الذي يمثل مشكلة، على اعتبار أنَّ الاقتصادات النامية ستستحوذ على ما يقرب من 70% من الطلب العالمي على الطاقة بحلول عام 2050. وبحسب "بلومبرغ"؛ فقد ذهب 90% من تمويل التحوّل إلى الطاقة النظيفة، إلى الاقتصادات ذات الدخل المرتفع والمتوسط في عام 2020.

اقرأ المزيد: لمساعدة الدول الفقيرة في تمويل مكافحة التغيّر المناخي.. يجب الاستماع إليها أولاً

هناك أيضاً مشكلة تقنية أقل وضوحاً، إذ يتم بالفعل، توجيه المزيد من التمويل إلى مصادر الطاقة المتجددة، والسيارات الكهربائية، وما شابه ذلك، وهو أمر حيوي بالنظر إلى النطاق الذي تحتاج إليه تلك المصادر والبنية التحتية الداعمة لها للتوسع والتطور. غير أنَّ هناك حاجة إلى المزيد من التمويل.

مجالات أخرى

مع ذلك؛ فإنَّ خفض الانبعاثات بنسبة كبيرة يجب أن يأتي من أماكن أخرى، وفي الغالب، عبر استخدام التطبيقات التي تعنى بالتعامل مع الجوانب الصناعية للاقتصادات التي تصعب معالجتها. ثم هناك إنتاج الأغذية الخضراء، والحاجة إلى إعادة النظر في كفاءة الطاقة. العديد من هذه التقنيات موجودة بالفعل، لكنَّها تظل محدودة للغاية وباهظة التكلفة، إذ لا يمكن استخدامها على نطاق واسع. فهناك على سبيل المثال، تقنية احتجاز الكربون، التي تمتص الكربون مباشرة من الغلاف الجوي، أو الهيدروجين الأخضر، الذي ينتج ناقل طاقة متعدد الاستخدامات باستخدام الطاقة المتجددة لتفكيك جزيئات المياه، أو، بالطبع، محطات الطاقة النووية المعيارية، والصلب الأخضر، وأنواع الوقود البديلة في مجالات الطيران أو الشحن.

اقرأ أيضاً: المركزي الأوروبي: معظم بنوك القارة تفتقر لاستراتيجيات مواجهة تغير المناخ

غير أنَّه بمرور الوقت، تنخفض تكاليف التقنيات الناجحة، كما يتضح من انخفاض تكلفة طاقة الرياح والطاقة الشمسية. فوفقاً لبنك "لازار" (Lazard) الاستثماري؛ انخفضت التكلفة غير المدعومة للطاقة الشمسية على نطاق المرافق بنسبة 90% منذ عام 2009، كما تراجعت تكلفة طاقة الرياح بأكثر من 70%، خلال العقد الذي بدأ في ذلك العام، الأمر الذي يعد بمثابة تحوّل في تكلفة تلك التقنيات، حتى لو عكست بعض أزمات سلاسل التوريد ذلك التحوّل. غير أنَّ الفضل في انخفاض الأسعار والتكلفة، يعود إلى الوقت، وهي رفاهية لا يملكها العالم، وإلى الكثير من الدعم الحكومي. فهل يمكن أن يتكرر هذا التأثير بشكل أسرع؟

تقنيات باهظة

لنأخذ تقنيات إزالة الكربون على سبيل المثال. في حال تجاوزنا ميزانية الكربون العالمية؛ فإنَّ التقنيات التي يمكن أن تساعدنا على إزالة مليارات الأطنان من الكربون من الغلاف الجوي، وكذلك من المداخن وتخزينها، قد تكون حاسمة. يذكر أنَّ تقنية احتجاز الكربون من الهواء مباشرةً تعمل بصورة جيدة، ولكن على نطاق محدود. فمثلاُ، ستقوم منشأة "أوركا" (Orca) الشهيرة المخصصة لاحتجاز الكربون من الهواء مباشرةً، والتي افتتحت في أيسلندا في سبتمبر الماضي، باحتجاز أربعة آلاف طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، مما يجعلها المنشأة الأكبر في العالم لهذا الغرض. لكن هذا القدر من الانبعاثات السنوية يوازي تلك الصادرة عن نحو 250 فرداً من سكان الولايات المتحدة.

من جهة أخرى، تعد تكلفة الاستعانة بتلك التقنيات باهظة للغاية، إذ يمكن أن يدفع الأفراد ما يصل إلى 1200 دولار لاحتجاز كل طن متري من ثاني أكسيد الكربون، في حين تقترب تكلفة الاحتجاز بالجملة من 600 دولار. وحالياً، يتم تداول انبعاثات الكربون بالقرب من المستويات القياسية في السوق الأوروبية بأكثر من 70 يورو، أو ما يقرب من 80 دولاراً، في حين تشير الأبحاث إلى أنَّ السعر الذي يقل عن 100 دولار ليس مرغوباً فحسب؛ بل يمكن الوصول إليه أيضاً. وفي هذا الإطار، تستهدف مبادرة "إيرث شوت" (Earthshot) التابعة للحكومة الأمريكية، وصول سعر احتجاز وتخزين كل طن من الكربون إلى 100 دولار. غير أنَّ هذا الأمر يتطلب المزيد من رأس المال لبدء العمل، وليس حفنة من الشركات والأفراد الذين يريدون تعويض انبعاثاتهم فقط. كما يتعيّن على الحكومات التدخل وخلق الطلب للمساعدة على جذب اللاعبين الصناعيين الذين سيقومون بتوسيع نطاق تطبيق تلك التقنية.

الحاجة إلى التمويل

عادةً ما تشكل هذه المرحلة الناشئة التي تسبق طرح التقنية بشكل تجاري مجالاً لعمل رأس المال الاستثماري. ووفقاً لـ"بلومبرغ لأبحاث تمويل الطاقة المتجددة" (BNEF)؛ فقد قفز تمويل الشركات الناشئة في مجالي المناخ والتكنولوجيا النظيفة، في المراحل المبكرة، من قبل شركات الأسهم الخاصة ومسرّعي الاستثمار والمستثمرين، وجهات الاستثمار المشابهة، إلى مستوى قياسي خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، ليصل إلى أقل بقليل من 37 مليار دولار. ومع ذلك؛ فإنَّ الكثير من ذلك التمويل يذهب إلى تحسين المجالات الموجودة بالفعل، فقد ارتفع تمويل شركات البطاريات وشركات السيارات الكهربائية. لكن الأهم من ذلك أنَّ رأس المال الاستثماري لا يمكنه حل هذه المشكلة بمفرده. ومن ثم، قد يكون لجذب اللاعبين الصناعيين إلى التكنولوجيا التي تنطوي على مخاطر أكثر، والتي تتمتع بتطبيقات فورية ومزايا صديقة للبيئة، أهمية أكبر في التطوير والاستخدام النهائيين.

التعليم والدعم الحكومي

إذاً؛ ما الذي ينبغي أن يحدث؟ يعتبر التعليم والحدّ من المخاطر من العوامل المساعدة. لن يقوم كبار المستثمرين، الذين لا ينخرطون في أحدث التقنيات، بتمويل ما لا يفهمونه أو يجربونه. كما يمكن لرأس المال الخيري والبنوك متعددة الأطراف أيضاً المساعدة على تقليل المخاطر، وفتح الاستثمارات أمام مجموعة أكبر من الداعمين المحتملين.

مع ذلك؛ فإنَّ العامل الحقيقي الذي من شأنه تغيير قواعد اللعبة، هو الدعم الحكومي وفق توجه سياسي واضح، وبشكل حاسم، من خلال خلق الطلب، الأمر الذي يمكن أن ينجح بشكل خاص في حال البناء على نقاط القوة الحالية، كما تفعل أوروبا مع الهيدروجين الأخضر.

التجربة الألمانية

بالعودة إلى الحديث عن مصادر الطاقة المتجددة، تقدِّم ألمانيا واحداً من النماذج الناجحة في هذا الصدد، وذلك من خلال سياستها الخاصة بتعريفات التغذية الكهربائية، والتي وفرت دعماً للطاقة من المحطات المتجددة على مدى عقدين من الزمان. لقد تم ضمان سعر ثابت لأي شخص يولّد الكهرباء عن طريق الرياح، أو الطاقة الشمسية، أو الكتلة الحيوية، وكان التسارع فورياً. ومن ثم أصبحت طاقة المواطن تشكل ظاهرة. في النهاية لم يكن الأمر سهلاً أو رخيصاً، لكنَّ مصادر الطاقة المتجددة تشكل الآن أكثر من 40% من استهلاك الطاقة في ألمانيا، وقد تم إلغاء الدعم تدريجياً. وشأنها شأن معايير حافظة الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة للرياح، ربما فعلت السياسة الألمانية المزيد لدعم مصادر الطاقة المتجددة أكثر مما فعلت الاكتشافات التقنية.

يصح القول، إنَّه لن تحقق كل تقنيات المناخ في المرحلة التالية انخفاضاً حاداً في الأسعار كما هو الحال في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. فبعض المشروعات، على سبيل المثال، في مجال احتجاز الكربون، أو الطاقة النووية، تعد مشروعات هندسية كبرى يصعب تكرارها وحسب. وبالطبع؛ لا تشكل حلولاً في حد ذاتها. لكنَّ تسريع هذه الحلول التي تبدو واعدة أكثر من غيرها، قد يجمل الفارق بين النجاح بحلول عام 2050، والفشل غير المقبول.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

واشنطن

5 دقائق

3°C
غيوم متفرقة
العظمى / الصغرى /
20.4 كم/س
66%
الآراء الأكثر قراءة