كان من الصعب مشاهدة نزال الوزن الثقيل الأسبوع الماضي، بين جايك بول ومايك تايسون، ولم تقتصر الأسباب على المشكلات الفنية التي تعرضت لها "نتفلكس" فقط. فكان تقدم تايسون في السن، 58 عاماً، واضحاً في بطئه وعدم لياقته للوجود في الحلبة، بينما اعترف بول، نجم وسائل التواصل الاجتماعي البالغ 27 عاماً، بأنه خفف قوة لكماته، وقال: "أردت أن أقدم عرضاً يرضي الجماهير، لكن لم أرد أن أؤذي شخصاً بلا داعٍ".
كانت هناك إشارة تحذيرية للمشجعين والمراهنين الذي انتظروا مباراة رياضية جادة، حيث رفضت 7 ولايات قبل النزال السماح بالمراهنات عليه، وأشارت، من بين أسباب أخرى، إلى أن القواعد غير المعتادة -مثل تقليل زمن الجولات إلى دقيقتين فقط- قللت من المخاطر الناجمة عن النزال، ما يعني أن المباراة غير مناسبة للمراهنة.
مع ذلك، كان لتكساس، التي وافقت على إقامة النزال، و31 ولاية أخرى رأي آخر، لكنها كانت مخطئة، إذ تعامل بول مع النزال على أنه مباراة استعراضية، ما كان له تأثير سلبي على كل من راهن عليها أو شاهدها.
شعر كثير من المشاهدين بالتعرض للخداع، وبينما يبحثون عمن يلقون عليه اللوم، عليهم البدء من حقيقة أن قوانين الملاكمة تختلف من ولاية لأخرى، ولمنع حدوث إخفاق كبير على نحو مشابه في المستقبل، فإن الملاكمة تحتاج لوجود لجنة وطنية يمكنها تطبيق قواعد وإجراءات موحدة.
التنظيم انطلق من نيويورك
من بين أبرز الرياضات الأميركية، تتميز الملاكمة بهيكلها غير المركزي، فلا يوجد جدول سنوي للنزالات، ولا موسم، ولا مفوض، ولا جهة تضع القواعد الملزمة.
ويرجع ذلك، من بين أسباب كثيرة، إلى السمعة المشبوهة التي تحيط بالملاكمة، ففي مطلع القرن العشرين، عند تنظيم رياضات أخرى، مثل البيسبول، في شكل اتحادات للاعبين المحترفين، كانت عدة ولايات منشغلة بمنع الملاكمة بسبب العنف والأنشطة غير الأخلاقية المرتبطة بها، مثل المراهنات غير المشروعة والتلاعب بنتائج النزالات.
جربت نيويورك مساراً مختلفاً، وأصدرت أول قانون وطني للملاكمة في 1920، وشملت أحكامه اشتراط وجود طبيب في كل نزال، وتأسيس لجنة ملاكمة بالولاية -"اللجنة الرياضية بولاية نيويورك"- والتي ألزمت كل من له علاقة بالنزال بالحصول على ترخيص، بدءاً من الملاكم والجهة المسؤولة عن التنظيم والتسويق ووصولاً إلى حامل دلو "البصق". وأسست الولايات الأخرى لجانها، وهكذا تم تنظيم الملاكمة بشكل أساسي في الولايات المتحدة خلال القرن الماضي.
تحديات تنظيمية أمام الملاكمة
رغم أن هذا التنظيم أفضل من غيابه، إلا أنه يسبب مشكلات أيضاً، فتعدد الجهات التنظيمية الموجودة، فضلاً عن البعد الشخصي في تحكيم مباراة ملاكمة، يسهل نسبياً انخراط الملاكمين والمنظمين معدومي الضمير وعصابات الجريمة المنظمة في الرشوة والتلاعب بنتائج النزالات. ومن ناحية أخرى، وفي أواخر التسعينيات، اتجه الملاكمون الذين حظرتهم ولاية ما لأسباب صحية أو غيرها ببساطة إلى ولايات أخرى للحصول على الترخيص.
لذلك، أصدر الكونغرس الأميركي في 1996 قانون الملاكمة الفيدرالي، وأصلح المشرعون بعض نصوصه في عام 2000، في إطار ما يُعرف باسم "قانون محمد علي لإصلاح الملاكمة". وهدف القانون إلى تحسين ودعم الأطر التنظيمية واللجان في الولايات، بدلاً من استبدالها.
نص القانونان على عدة تغييرات، من بينها فرض حد أدنى من معايير الصحة والسلامة، والاعتراف المتبادل بين الولايات بالإيقافات لأسباب صحية، والحد الأدنى من بنود العقود، وإنشاء نظام موحد للترخيص والتسجيل. ومثل ذلك تطوراً كبيراً في تنظيم رياضة الملاكمة ذلك الحين، لكنه انطوى على عيب جسيم؛ عدم تخصيص جهة معينة لفرض الامتثال.
استغلال تباين شروط الترخيص
على نحو متوقع، جرى تجاهل القانون نصاً وموضوعاً لسنوات. وتمثل مصدر القلق الأكبر في الحالات الحديثة التي طلب فيها الملاكمون المتقدمون في السن تراخيص، والتي حصلوا عليها بالفعل، للمشاركة في نزالات تحظى باهتمام إعلامي كبيرة في مواجهة ملاكمين أصغر سناً منهم، بعد تعديل القواعد لتصبح النزالات أكثر "أماناً".
في 2021 -على سبيل المثال- وافق إيفاندر هوليفيلد، البالغ 58 عاماً، على مواجهة فيتور بلفورت، 44 عاماً، في كاليفورنيا، رغم إبلاغه بموعد النزال قبلها بأسبوع فقط. وحيث رفضت كاليفورنيا إصدار ترخيص لهوليفيلد، اتجه مع الجهة المنظمة إلى فلوريدا التي تتسم قوانينها بطابع أقل صرامة، وطلب الترخيص وحصل عليه.
رغم ذلك، كانت كاليفورنيا محقة، فلم يصمد هوليفيلد حتى نهاية الجولة الأولى في نزال رأى كثير من المحللين أنه كان لا يجب أن يحدث على الإطلاق.
جهة تنظيمية موحدة الخطوة الأولى
يمكن القول إن تايسون لم يكن عليه خوض نزال في عمر الثامنة والخمسين، بالأخص بعدما عانى من قرحة نازفة في المعدة وفقد نحو 12 كيلوغراماً (26 رطلاً) من وزنه في مايو. لكن من حسن حظ كل من استفاد من الخطر الواقع على تايسون، فقد وافقت ولاية تكساس، المعروفة بلجنتها الرياضية الأكثر تساهلاً، على إقامة النزال.
ما تزال حقيقة عدم سماح الولايات السبع الأخرى بالمراهنة على النزال توضح الافتقار إلى رأي موحد عما إذا كان يجب السماح لبطل الوزن الثقيل الذي تقدم به العمر بالمشاركة في نزال في الأساس.
رغم عدم وجود وسائل مباشرة لمنع تكرار هذا النوع من النزالات، لكن هناك خطوة أولى تتمثل في تأسيس لجنة ملاكمة وطنية، لديها القدرة على تطبيق إجراءات موحدة. وهذه ليست بفكرة جديدة، فمنذ مطلع الألفية الثالث، طرح عضوا مجلس الشيوخ الراحلان جون مكين وهاري ريد، وكلاهما ملاكمان سابقان، أكثر من مرة مشروع قانون لتنشأ بمقتضاه هذه اللجنة، ويفرض على رياضة الملاكمة النظام وتوحيد المعايير، إضافة إلى قدر من السلامة، إلا أن مشروع القانون لم يُقر قط.
في أعقاب الفوضى التي سببها النزال بين تايسون وبول، يجب على الكونغرس العودة إلى مناقشة الأمر. بالطبع يجب على الحكومة الفيدرالية معالجة قضايا أكثر إلحاحاً خلال الشهور والأعوام المقبلة، لكن ذلك لم يوقفها عن التدخل في الرياضة في الماضي، ولن يمنعها في المستقبل.
خلاصة
تناول المقال نزالاً مثيراً للجدل بين جايك بول ومايك تايسون، حيث أبرز التحديات التنظيمية التي تواجه رياضة الملاكمة في الولايات المتحدة. أظهر النزال انتقادات متعددة بسبب تقدم تايسون في العمر وقلة جديته، ما أثار استياء الجماهير والمراهنين، وكشف عن الفوضى التنظيمية الناتجة عن غياب هيكل مركزي للملاكمة.
استعرض المقال تاريخ الملاكمة، بدايةً من تنظيم نيويورك في أوائل القرن العشرين وصولاً إلى تشريعات مثل "قانون محمد علي"، الذي وضع معايير صحية وقانونية، لكنه افتقر إلى آلية فعّالة لتطبيقها. أشار إلى استغلال تباين قوانين الولايات، حيث يحصل ملاكمون مرفوضون في ولاية على تراخيص من ولايات أخرى.
اختُتم المقال بالدعوة إلى إنشاء لجنة وطنية موحدة لتوحيد القواعد وتعزيز السلامة، وهي فكرة طُرحت سابقاً دون تحقيق. يرى الكاتب أن الكونغرس يجب أن يعيد النظر في هذا الملف لضمان نزاهة رياضة الملاكمة واستدامتها، رغم أولويات السياسة الأخرى.