أدرك "داني"، المُنظِّر السياسي، والمحامي الطموح، ومورِّد الأعشاب النادرة في الفيلم البريطاني "ويثنايل وأنا" (Withnail and I)، مشكلة العقارات الصينية، حين قال: "إن كنت تتشبَِِّث ببالون صاعد، فسيكون أمامك قرار صعب. اتركه قبل فوات الأوان، أو تمسُّك جيداً، واستمر في الصعود، مما يطرح السؤال التالي: إلى متى يمكنك الحفاظ على قبضتك على الحبل؟"
أوقفت عدَّة مدن صينية مبيعات الأراضي في الأيام والأسابيع الأخيرة، بعد فشل نظام المزاد، الذي تمَّ تجديده، في تحقيق التأثير المطلوب المتمثِّل في تقييد الأسعار. كانت هذه أحدث محاولات التوقف والعودة الدورية في بكين لتهدئة سوق الإسكان في العام الجاري.
تضمَّنت تلك المحاولات أيضاً حديثاً متجدداً حول إدخال ضريبة ممتلكات متكررة، وهو إجراء تمَّت مناقشته منذ فترة طويلة، واكتسب زخماً جديداً، إذ أعطى الرئيس شي جين بينغ أولوية للحد من عدم المساواة. لا تتوقَّع أن تبلغ هذه الجهود الكثير، على الأقل على المدى القصير.
اقرأ أيضاً: إجراءات الصين الصارمة تجاه عمالقة التكنولوجيا والعقارات لمصلحتك... كيف ذلك؟
منذ أكثر من عقد من الزمان، قال مدير صندوق التحوُّط الأمريكي، جيم تشانوس، إنَّ الصين كانت تسير في "حلقة مفرغة إلى الجحيم"، بسبب اعتماد الاقتصاد على العقارات لتحقيق النمو. كان "تشانوس" بعيداً في تنبؤاته بأنَّ فقاعة الملكية قد تنفجر في وقت مبكر من عام 2010، ومع ذلك، في السنوات الفاصلة، ازدادت الاختلالات بشكل واضح. وبرغم تجنُّب الانهيار؛ فإنَّ الصين لم تقترب من التخلص من إدمانها على العقارات. في الواقع، يبدو أنَّ اعتمادها عليها قد ازداد.
فقاعة عقارية
برغم تحذير "شي" بأنَّ: "الإسكان مخصص للعيش فيه، وليس للمضاربة"، ومناشدات الحكومة المنتظمة للبنوك لتقليص الإقراض العقاري، وزيادة تدفُّق الائتمان إلى الشركات الصغيرة، فقد ارتفعت حصَّة الأموال الموجَّهة إلى القطاع العقاري.
وارتفعت القروض العقارية إلى أكثر من 27% من إجمالي الإقراض باليوان، من أقل من 20% قبل عقد من الزمن، وفقاً لبيانات بنك الشعب الصيني. علاوةً على ذلك؛ تعدُّ هذه التقديرات بالتأكيد أقل من الحقيقة، على الأقل وفقاً لمنظِّم البنوك الرئيسي في البلاد، الذي يجب أن يعرف ذلك. و كتب غو شوكينغ، رئيس لجنة تنظيم البنوك والتأمين الصينية، العام الماضي أنَّ الحصة الحقيقية للقروض المتعلِّقة بالممتلكات أقرب إلى حدٍّ كبير إلى 39%، أو 70 تريليون يوان (10.8 تريليون دولار).
تطفو على قمة هذا المحيط من الصناديق فقاعة ذات أبعاد ملحمية، ستطغى بسهولة، و بمقاييس مختلفة على تصاعد ما قبل الأزمة المالية العالمية في قيم العقارات الأمريكية (التي انفجرت مع مثل هذه العواقب الكارثية)، أو الطفرات غير المستدامة في البلدان الأوروبية، مثل إيرلندا وإسبانيا. يمكن مقارنتها مع فقاعة العقارات اليابانية في الثمانينيات، التي ساعدت في إرسال البلاد إلى "عقد ضائع" واحد على الأقل عندما انفجرت أخيراً في أوائل التسعينيات.
اقرأ أيضاً: فورة أسعار العقارات عالمياً تُنذر بتكرار فقاعة 2008
هناك مقياسان يوضِّحان مدى التوسُّع والزيادة في الأسعار. ففي المدن الرائدة، تكون الأسعار المتعلِّقة بمتوسط الدخل أعلى من تلك الموجودة في المدن الكبرى العالمية، مثل: لندن، أو نيويورك، أو سيدني، إذ غالباً ما يُنظر إلى التقييمات على أنَّها باهظة الثمن، وفقاً لموقع "نومبيو" (Numbeo)، وهو موقع لجمع بيانات تكلفة المعيشة.
تكون عوائد الإيجارات غالباً أقل من نصف المتاح في تلك الأسواق، برغم ارتفاع معدلات الفائدة في الصين نسبياً. ويبلغ معدل إقراض بنك الشعب الصيني لمدة عام 4.35%، في حين أنَّ سعر الفائدة لدى الاحتياطي الفيدرالي الامريكي يتراوح بين 0%، و0.25%، والمعدل الأساسي لبنك إنجلترا هو 0.1%.
يمكن القول، إنَّ الصين مختلفة بسبب تطورها، وارتفاع الدخل السريع، وانخفاض مستويات مديونية الأسر، برغم أنَّ هذه العوامل، التي ساعدت في دعم الطلب على العقارات على مدى العقدين الماضيين، بدأت في الانحسار بدرجات متفاوتة.
يصمم "شي" على إيجاد مجتمع أكثر مساواة، ولديه سبب وجيه للرغبة في إعادة تشكيل سوق الإسكان، الأمر الذي ساهم في تفاقم عدم المساواة في الصين. ستكون هذه المهمة أسهل بكثير إنْ لم تكن التقييمات على هذا المستوى المرتفع غير المستقر. يخاطر التغيير الأساسي بآثار متتالية من خلال النظام المالي والاقتصاد، علماً أنَّه قد تصعب السيطرة عليهما.
لننظر إلى ضرائب الممتلكات المتكررة، التي تفضِّلها معظم البلدان المتقدِّمة، إذ يعدُّها الاقتصاديون عادلة، ومنخفضة التكلفة، وفعَّالة نسبياً. لدى الصين ضرائب على المعاملات، لكن لا توجد ضريبة منتظمة على القيمة المقدَّرة للممتلكات، باستثناء البرامج التجريبية في مدينتي شنغهاي وتشونغتشينغ التي كانت مساهمتها ضئيلة في تحصيل الإيرادات منذ إدخالها في عام 2011.
إنَّ طرح مثل هذه الضريبة على نطاق واسع يجب أن يأخذ في الاعتبار التأثير المحتمل على المالكين والعرض. في ظلِّ عائدات منخفضة للغاية، وعدم وجود ضرائب مستمرة لدفعها؛ يختار العديد من المستثمرين إبقاء شققهم شاغرة.
مساكن فارغة
كان لدى الصين أكثر من 60 مليون مسكن فارغ منذ عام 2017، ويصل هذا المعدل في أكبر المدن (المستويات من 1 إلى 3) إلى 17% أو أكثر، وفقاً لبحث كينيث روغوف من جامعة هارفارد، ويوانتشين يانغ من جامعة تسينغهوا في عام 2017. ومن شأن إجبار المستثمرين على دفع ضريبة منتظمة أن يزيد من تكلفة الاحتفاظ بالعقار، مما يعطيهم حافزاً لبيع أو تأجير ممتلكاتهم. من شأن ذلك أن يعزز العرض، ويؤدي إلى انخفاض الأسعار والإيجارات، ويضغط على المطوِّرين المثقلين بالديون، ويحتمل أن يؤدي إلى تباطؤ نشاط البناء والاقتصاد.
اقرأ أيضاً: الصين تعلّق الموافقات الجديدة على صناديق التمويل العقاري
بمجرد أن تتعرَّض الوظائف والنمو للتهديد، فمن المحتمل أن يغيّر ذلك قواعد اللعبة. وبما أنَّ سلالة "دلتا" تلقي بثقلها على الاقتصاد الآن، فقد لا تكون نقطة التحوُّل بعيدة جداً. لدى صانعي السياسة في الصين خطط ورؤى طويلة الأجل، لكنَّهم يستجيبون أيضاً بطريقة عملية ومتكررة للظروف المتغيرة، وهو ما أسماه الزعيم الراحل دينغ شياو بينغ: "عبور النهر من خلال الشعور بالحجارة". سواء أعجبك ذلك أو لا، ماتزال الحكومة بحاجة إلى توسيع صناعة العقارات، حتى لو كانت صناعة تتحدى الجاذبية منذ سنوات.
كيف تشعر بالحجارة عندما لا تكون قدماك على الأرض؟ ثم، كما ينصح "داني"، كلُّ ما يمكنك فعله هو التمسُّك بالحبل.