تخيل رئيساً أمريكياً تفاوض على صفقة تسمح لروسيا بإكمال خط أنابيب غاز طبيعي بقيمة 11 مليار دولار إلى ألمانيا، على الرغم من الاعتراضات الشديدة من أوكرانيا وبولندا وكلا الحزبين في الكونغرس.
يبدو كأنه يشبه دونالد ترامب، أليس كذلك؟ لكنه في الواقع جو بايدن، الرجل الذي هزم ترامب في انتخابات 2020 جزئياً من خلال حملته الانتخابية التي كانت تقول إن شاغل منصب الرئاسة آنذاك كان يسهل استغلاله من قِبل روسيا.
هذه هي المفارقة الكبرى لاتفاق بايدن مع ألمانيا لإسقاط العقوبات الأمريكية على مشروع خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2". وهذا الاتفاق هو السبب في أن الجمهوريين يحاولون وضع خطة اللحظة الأخيرة لإفشال الصفقة.
استرضاء موسكو
يتضمن الاتفاق النهائي عدداً قليلاً من المغريات بالنسبة إلى أوكرانيا، التي ستخسر مليارات الدولارات من العائدات لأن خط الأنابيب لا يمر بأراضيها. هناك التزام لمساعدة أوكرانيا على التنويع في الطاقة الخضراء.
وهناك بند ينص على أن الولايات المتحدة وألمانيا ستدرسان العقوبات إذا استخدمت روسيا خط الأنابيب سلاحاً طاقة ضد أوروبا. لكن في نهاية المطاف، استرضى بايدن موسكو ولم يحصل على أي شيء في المقابل. هذا واضح لعدة أسباب. بدايةً، انظر إلى البيان الصادر عن وزارة الخارجية الروسية: "لم تستخدم روسيا قَط إمدادات الطاقة أو قضية نقل الغاز سلاحاً، ولا تنوي القيام بذلك في المستقبل". ستكون هذه بمثابة أخبار جديدة للأوكرانيين الذين عانوا من قطع الغاز في يونيو 2014، بعد بضعة أشهر من غزو القوات الروسية ووكلائها لبلدهم.
أوروبا معرضة للابتزاز الروسي
حتى فيكتوريا نولاند، وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية في إدارة بايدن، تعتقد أن خط أنابيب "نورد ستريم 2" قد يُعرّض الدول الأوروبية لابتزاز روسيا في مجالات الاقتصاد والطاقة.
قالت الشيء نفسه في جلسة اعتمادها في وقت سابق من هذا العام. وأكدت خلال جلسة استماع هذا الأسبوع في مجلس الشيوخ أن "خط الأنابيب سيئ".
هذا هو أيضاً رأي الحكومة الأوكرانية، فقد أجرت صحيفة "بوليتيكو" هذا الأسبوع مقابلة مع المستشار الرئاسي ميخائيل بودولاك، الذي قال: "(نورد ستريم 2) هو أداة محددة لروسيا لتعظيم الفرص لزعزعة استقرار دول أوروبا الشرقية".
اعتراض أوكرانيا وبولندا
يشير البيان المشترك الصادر عن وزيرَي الخارجية الأوكراني والبولندي إلى نقطة مماثلة، إذ يقول إن قرار إدارة بايدن بوقف معاقبة الكيانات التي تبني خط الأنابيب لا يؤدي إلا إلى تعميق الأزمة السياسية والأمنية التي أثارتها روسيا.
اللافت للنظر في هذا الانتقاد العلني هو أنه يأتي بعد أن أرسلت وزارة الخارجية الأمريكية مستشاراً كبيراً إلى كييف، ألا وهو ديريك شوليت، لإقناع الحكومة الأوكرانية بالموافقة على الصفقة للسماح لمشروع خط الأنابيب بالاستمرار.
قبل أربع سنوات، توقع أعضاء من كلا الحزبين في أمريكا الكارثة التي تلوح في الأفق، المتمثلة في رفع رئيس للعقوبات المفروضة على قطاع الطاقة الروسي قبل أن يسحب الكرملين قواته من أوكرانيا ويعيد شبه جزيرة القرم، التي ضمها إلى روسيا في عام 2014.
الكونغرس قد يتدخل
أقر المشرّعون قانون "مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات"، الذي تضمن بنداً جديداً سمح للكونغرس بإبطال تنازل الرئيس عن الأمن القومي في معظم تشريعات العقوبات الحديثة.
في ذلك الوقت، كان من المفترض أن يكون هذا بمثابة رقابة على ترامب، الذي اتهمه الديمقراطيون بالتواطؤ مع روسيا للفوز في انتخابات عام 2016.
اتضح أن ترامب دعم النهج المتشدد تجاه خط أنابيب "نورد ستريم 2"، وكذلك فعل عديد من الآخرين في الحزب الجمهوري وعديد من الديمقراطيين.
على سبيل المثال، ساعد السناتور تيد كروز من ولاية تكساس في كتابة وإقرار تشريع عقوبات جديد في عامَي 2019 و2020، استهدف خط الأنابيب على وجه التحديد، بدعم من الديمقراطيين والبيت الأبيض.
مناورة الجمهوريين
حالياً، يفكر بعض المشرّعين الجمهوريين، بقيادة السناتور بات تومي من ولاية بنسلفانيا، في مناورة لديها حظوظ نجاح ضئيلة، تهدف إلى إلغاء الصفقة مع ألمانيا. فهم يشعرون أنه بحسب قانون "مكافحة أعداء أمريكا" فإن الإدارة ملزمة معاقبة "نورد ستريم 2 آي جي"، الشركة الفرعية التي تتخذ من سويسرا مقراً لها والتي تشرف على خط الأنابيب، ولا ينبغي أن تكون الإدارة حرة في التنازل عن مثل هذه العقوبات على الفور، كما فعلت في الماضي.
كما أخبرني مكتب تومي: "بصرف النظر عن الخيارات السياسية الخاطئة لإدارة بايدن، فإن الرئيس ملزم اتباع القانون الحالي.. ومعاقبة شركة (نورد ستريم 2 آي جي)".
ليس من الواضح ما إذا كانت هذه المناورة ستنجح، لكن في كلتا الحالتين فإنها تظهر كم كان موقف الحزب الديمقراطي تجاه روسيا خلال سنوات ترامب أجوف. فالرجل الذي هزم ترامب في عام 2020 يقوم حالياً بعكس سياسته التي اتسمت بصرامة أكثر ضد روسيا.