تتوخى الدول المنتجة للنفط الحذر. فبصرف النظر عن التفاؤل بشأن الأسعار الذي كان يُنظر إليه في بادئ الأمر؛ فإن الخلاف في قلب منظمة البلدان المصدِّرة للنفط "أوبك"، ونقص المعلومات الذي أوجدته يهدد بدفعها إلى حالة من الفوضى الشاملة.
عندما فشل تحالف "أوبك+"، الذي يتألف من 23 دولة، مراراً وتكراراً في التوصل إلى اتفاق بشأن زيادة الإنتاج في بداية هذا الشهر، أثيرت حالة من القلق في السوق بشأن احتمالية معاناة العالم من نقص إمدادات النفط.
وضعت المملكة العربية السعودية وروسيا، القائدان الفعليان، وأكبر منتجين بالتحالف، خطةً لرفع مستهدف إنتاج المجموعة بمقدار 400 ألف برميل في اليوم بشكل شهري حتى نهاية العام، وربما تستمر لفترة زمنية أطول من ذلك. ولتحقيق نتائج أفضل، أراد البلدان تمديدَ اتفاق خفض الإنتاج حتى نهاية عام 2022، بدلاً من الموعد المتفق عليه سابقاً في إبريل 2022.
الجزء الأول بدا بسيطاً. فقد اتفق أعضاء "أوبك"، البالغ عددهم 13، وحلفاؤهم على ضرورة ضخِّ المزيد من النفط لتلبية الطلب المتزايد مع تعافي العالم من الوباء. لكن لم تحظَ فكرة تمديد الاتفاقية على تأييد الجميع، على الأقل ليس في صيغتها الحالية.
الأسعار تتأثر بـ"اللايقين"
رفضت الإمارات العربية المتحدة الموافقة على تمديد الاتفاق إذا لم يعالج التحالف ما تعتبره انخفاضاً غير عادل في نقطة الأساس المرجعية الخاصة بإنتاجها.
كذلك، رفضت الملكة العربية السعودية المساس بنقطة البداية، والأهم من ذلك أنَّها لن توافق على زيادة الإنتاج دون تمديد الاتفاق. وألقت باللوم على الإمارات في عرقلة اتفاق ضخِّ النفط الإضافي الذي سيحتاجه السوق في الأشهر المقبلة.
وانتشرت أخبار الفشل في السيطرة على أسعار النفط، فقد وصل خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي إلى أعلى مستوى له منذ عام 2014.
يتزايد الطلب على النفط بوتيرة متسارعة، مع بدء تخفيف المزيد من الدول من الهند إلى المملكة المتحدة للقيود المفروضة للتصدي لتفشي وباء كورونا.
وتتوقَّع الوكالة الدولية للطاقة أن يرتفع استهلاك العالم للنفط بمقدار 3.1 مليون برميل يومياً بين الربعين الثاني والثالث، مع إضافة 1.35 مليون برميل يومياً في الربع الرابع.
على الرغم من أنَّه لا بدَّ أن تسود حالة التفاؤل القصوى حيال الأسعار، لكنَّ فشل "أوبك+" ترك فراغاً تمَّ ملؤه بمخاوف هبوطية. فقد تراجع خام غرب تكساس الوسيط بمقدار 6 دولارات للبرميل، في اليوم التالي لبلوغه أعلى مستوياته في ستة أعوام ونصف العام.
وفي ظلِّ عدم تحديد موعد اجتماع جديد يضمُّ مجموعة المنتجين بأكملها مرة أخرى؛ فإنَّ الصفقة الحالية تظل كما هي، مما يعني عدم زيادة الإنتاج حتى مايو 2022.
لكن لا أحد يرى أنَّ هذا الأمر يعتمد عليه. حتى إذا لم تنسحب الإمارات من "أوبك"، أو تشرع في زيادة الإنتاج - قالت إنَّها لن تفعل ذلك، على الأقل ليس الآن- فإنَّ الدول المنتجة لن تلتزم على الأرجح بأهدافها الإنتاجية عندما يحتاج العملاء بوضوح إلى مزيد من النفط الخام.
لا تريد الدول المنتجة أيضاً العودة إلى مفهوم الحرية للجميع الذي أعقب الانهيار الأخير في علاقتهم في مارس 2020، لكنْ هذا ما يخاطرون بتكراره.
المصالح المشتركة ستوحد الصف
كان انتعاش الأسعار هذا العام مدعوماً بالاتحاد الاستثنائي لتحالف "أوبك+". وتكمن إحدى نقاط القوة في مصداقية الصفقة، فقد عقدت المجموعة اجتماعات دورية لتعديل أهداف الإنتاج حتى وصلت إلى التعافي الذي كان في بادئ الأمر أبطأ من المتوقَّع.
والآن، تحتاج إلى أن تظلَّ على القدر نفسه من الفطنة في زيادة الإنتاج بسرعة أكبر من المتوقَّع في السابق. خاصة أنَّها مهددة بمواجهة مخاطر حقيقية خارجة عن السيطرة إذا لم تتمكَّن من التوصُّل إلى حلٍّ وسط.
وحتى يتم التوصُّل إلى حل؛ سيتمُّ التدقيق في كل معلومة، وكل تصريح وزاري، وكل مذكرة يطلقها محللو النفط، وستتفاعل الأسواق مع أقل تغيير يحدث. لذلك لا تتفاجأ إذا وجدت الشائعات تتناثر على "تويتر" وتقول، إنَّ حرب الأسعار قادمة. هذا ما يفعله الخلاف، فهو يخلق ظروفاً خصبة لعدم اليقين والتكهنات.
لهذا السبب، إن لم يكن غيره؛ فإنَّ من مصلحة البلدين المشتركة إيجاد قاسم مشترك، ورسالة واحدة فريدة. فكلما طال الوقت للتوصُّل لهذا الأمر، أصبحت سوق النفط أكثر مخاطرةً بالنسبة للمستثمرين المراهنين على صعودها.