بلومبرغ
قالت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إن وقف "نورد ستريم 2" بمثابة مغامرة محفوفة بالمخاطر حالياً، بعد أن اكتمل بناء خط الأنابيب، بنسبة تزيد على 90%، والمقرر أن ينقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا.
يمثل موقف الإدارة الأمريكية تحولاً في اللهجة، جاء عندما أوقفت الولايات المتحدة فرض عقوبات على الشركة التي تشرف على بناء خط الأنابيب.
التنازل عن العقوبات
في تقرير مقدم إلى الكونغرس يوم الأربعاء، قالت وزارة الخارجية الأمريكية، إن شركة "نورد ستريم 2 آي جي" ورئيسها التنفيذي، ماتياس وارنيغ، يشاركان في نشاط خاضع للعقوبات بموجب القانون الأمريكي، لكن الإدارة سترفع أو تتنازل عن العقوبات لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
وقال مسؤول بالإدارة الأمريكية في تصريحات صحفية، إن فرص وقف استكمال خط الأنابيب بعيدة بشكل متزايد، وأشار إلى أن الرئيس، جو بايدن، يريد تجنب المواجهة مع ألمانيا والحلفاء الأخرين بالاتحاد الأوروبي الذين يدعمون المشروع.
أوضح المسؤول، أن إلغاء العقوبات سيمنح الوقت لإجراء مزيد من المناقشات، وأن الولايات المتحدة تأمل في أن تعالج ألمانيا مخاوفها، وتتفهم أن خط الأنابيب بمثابة نعمة لروسيا ويقوض أمن الطاقة أوروبياً.
قالت الإدارة الأمريكية في التقرير المقدم إلى الكونغرس، إن الإبقاء على العقوبات "سيؤثر سلباً على علاقات الولايات المتحدة مع ألمانيا، والاتحاد الأوروبي، والحلفاء، والشركاء الأوروبيين الآخرين".
الحفاظ على العلاقات مع أوروبا
أضافت الإدارة، أن التعاون الوثيق مع أولئك الحلفاء ضروري لمحاربة جائحة كوفيد-19 و"مواجهة السلوك الخبيث من جانب روسيا والصين وإيران".
وقال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، في بيان يوم الأربعاء "معارضتنا لخط أنابيب (نورد ستريم 2) ثابتة.. على الرغم من أننا قد لا نتفق دائماً، تظل تحالفاتنا قوية، وموقفنا يتماشى مع التزامنا بتعزيز علاقاتنا عبر الأطلسي باعتبارها مسألة تتعلق بالأمن القومي".
ترحيب ألماني
من جهته، قال وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، الأربعاء، في برلين، إن قرار الولايات المتحدة بالتنازل عن بعض عقوبات خط الغاز "خطوة بناءة".
أضاف ماس للصحفيين، أن ألمانيا ستواصل المحادثات مع الولايات المتحدة "على نحو بنّاء قدر الإمكان" لمحاولة تخفيف المخاوف بشأن المشروع.
فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أربع سفن في أحدث جولة من العقوبات على خط الأنابيب، إلى جانب كيانات من بينها خدمة الإنقاذ البحرية المملوكة للحكومة الروسية. لكن إلغاء العقوبات المفروضة على "نورد ستريم 2" و"وأرنيغ"، وهو مواطن ألماني، مسألة جديرة بالاهتمام.
يتجنب رفع العقوبات تصعيد المواجهة مع حكومة المستشارة أنغيلا ميركل، ويتماشى مع هدف "بايدن" المتمثل في العمل عن كثب مع الحلفاء على الرغم من الخلافات.
جاء رفع العقوبات عن "نورد ستريم 2" قبل وقتٍ قصير من موعد لقاء وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، على هامش اجتماع مجلس القطب الشمالي في أيسلندا، إذ يستعد الجانبان لعقد قمة في الأسابيع المقبلة بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.
اعتراضات في الكونغرس
أثارت التحركات الأخيرة غضب أعضاء الكونغرس من كلا الحزبين، اللذين يريدان إيقاف خط الأنابيب. وقال بعض أعضاء الكونغرس من الحزبين، إن خط الأنابيب يجعل الدول الأوروبية أكثر اعتماداً على روسيا ويكافئ بوتين على حساب مخاوف الأمن القومي. وقال السيناتور جيمس ريش، عن ولاية أيداهو، أكبر الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، في بيان، إن "قرار الإدارة الأمريكية برفع العقوبات التي فرضتها على شركة "نورد ستريم 2 إيه جي" والرئيس التنفيذي للشركة ماتياس وارنيغ، بدعوى المصالح الوطنية للولايات المتحدة، بمثابة قرار خاطئ".
من جانبها، قالت السيناتور الديمقراطية، جين شاهين، من نيو هامبشاير، في بيان، إن "استكمال خط الأنابيب "نورد ستريم 2" يشكل تهديداً للمصالح الأمنية الأمريكية واستقرار شركائنا في المنطقة.. يجب أن تتمسك الإدارة (الأمريكية) بالتزامها تجاه الكونغرس. يجب استخدام كل خيار متاح لمنع اكتمال بناء خط الأنابيب".
لم ترغب المتحدثة باسم "نورد ستريم 2" في التعليق على أي تأثيرات محتملة لإجراءات العقوبات الأمريكية على المشروع.
ارتياح في روسيا
قد يكتمل خط الأنابيب بالفعل خلال 2021، بحسب تصريح لوزير الطاقة الروسي نيكولاي شولجينوف في مقابلة مع مجلة الوزارة الداخلية مؤخراً.
كما أفادت وكالة "إنترفاكس" الروسية في وقت سابق نقلاً عن "ماتياس كروس"، القنصل العام الألماني في يكاتيرينبورغ، رابع كبرى المدن الروسية، أنه لم يتبق سوى 80 كيلومتراً من خط الأنابيب المزدوج.
اكتمل بناء 95% من خط الأنابيب بحلول نهاية مارس وفقاً للشركة التي تقف وراء المشروع. في ذات التوقيت، كان من المقرر بناء أو مد حوالي 121 كيلومتراً منها 93 كيلومتراً في المياه الدنماركية وحوالي 28 كيلومتراً في المياه الألمانية.
أثارت تقارير رفع العقوبات عن "نورد ستريم 2" ارتياحاً في روسيا، إذ ارتفعت أسهم شركة "غازبروم" بنسبة 4%. وقال المحللون في" بي سي إس غلوبال ماركتس" إن الموقف الأمريكي الأكثر ليونة بشأن "نورد ستريم 2" إيجابي للسهم. تغير أداء الأسهم قليلاً في موسكو يوم الخميس.
إدارة أمريكية جديدة
بدأ بناء خط الأنابيب في عام 2018 وأصبح مصدراً رئيسياً للخلاف بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، وخاصة ألمانيا، خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب.
اتخذ بايدن بشكل أساسي نفس موقف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، معتبراً أن المشروع يقوّض الأمن الأوروبي من خلال ربط القارة بشكل وثيق بموسكو.
لكن بايدن حذّر أيضاً من معاقبة حلفاء مثل ألمانيا بسبب "نورد ستريم 2"، في إطار محاولة أوسع لإصلاح الطريقة التي تمارس بها الولايات المتحدة الدبلوماسية، وتعالج بعض الخلافات مع الدول الأخرى بسبب نهج ترامب "أمريكا أولاً" في السياسة الخارجية.
قال المسؤولون الأمريكيون أيضاً، إن خياراتهم كانت محدودة للغاية نظراً لأن خط الأنابيب قطع شوطاً متقدماً عندما تولى بايدن منصبه.
وترى كاتيا يافيمافا، الباحثة البارزة في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، أن الموقف الأمريكي الجديد يمثل "لحظة جيدة ليس فقط لـ"نورد ستريم 2"، ولكن أيضاً للعلاقة بين الولايات المتحدة وألمانيا وروسيا".
وأضافت، أن "فرض عقوبات على "نورد ستريم 2" لن يوقف المشروع ولكنه سيزيد من التوترات الأمريكية مع روسيا، في الوقت الذي يبدو أن كلا البلدين يبحث على الأقل عن منع تدهور علاقتهما".
ضغوط الكونغرس
تعرضت الإدارة الأمريكية لضغوط من المشرِّعين من كلا الحزبين لعرقلة مشروع "غازبروم"، ومقرها موسكو، بعد تقرير صادر بتفويض من الكونغرس في فبراير، ذكر أن سفينة واحدة-فورتونا التي ترفع العلم الروسي- خاضعة للعقوبات.
يقول المدافعون عن اتخاذ إجراء في الكونغرس، إن القانون الأمريكي يتطلب فرض عقوبات ضد أي كيان أجنبي، ساعد في بناء خط الأنابيب. يرون أيضاً أنه بينما قد تسعى الولايات المتحدة لتخفيف التوترات مع ألمانيا، فإنها تخاطر بعزل الحلفاء الآخرين، مثل أوكرانيا وبولندا ودول البلطيق.
يساعد خط الأنابيب الذي يبلغ طوله 1230 كيلومتراً ألمانيا على تأمين إمدادات منخفضة التكلفة نسبياً من الغاز وسط انخفاض الإنتاج الأوروبي.
كما أن خط الأنابيب جزء من جهود "غازبروم" الروسية المستمرة منذ عقود لتنويع خيارات التصدير إلى أوروبا حيث تبتعد المنطقة عن الطاقة النووية والفحم.