على مدى العقد الماضي، عاشت صناعة النفط في كندا مقولة "مع أصدقاء مثل هؤلاء، من يحتاج إلى أعداء" وصدقتها كحقيقة واقعة. فإلى جنوبها يوجد طريق تصدير واضح وعميل ضخم في الولايات المتحدة. لكن المحاكم والساسة الأميركيين منعوا مد خطوط أنابيب نفط جديدة، مما خنق الصناعة في الشمال.
كلف ذلك شركات النفط الكندية إيرادات بمليارات الدولارات، مما أخّر نمو الصناعة. ومع امتلاء خطوط الأنابيب الحالية، كان لا بد من نقل أي براميل إضافية عبر السكك الحديدية المكلفة، مما خفّض قيمتها. وفي أسوأ مرحلة في أواخر 2018، بيع الخام الكندي بخصم 50 دولاراً للبرميل عن النفط الأميركي.
مخرج من الأزمة
بعد سنوات من الضياع، شق قطاع النفط الكندي حالياً طريقاً لحل أزماته، غير أن هذا الطريق مكلف للغاية. فمقابل 35 مليار دولار كندي (26 مليار دولار أميركي)، مدت الحكومة، وليس القطاع الخاص، خط أنابيب يربط حقول النفط في ألبرتا بميناء بالقرب من فانكوفر على ساحل المحيط الهادي، وهو الآن على وشك الانتهاء. وإذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، فمن الممكن بدء تشغيله قبل يونيو. ومع ذلك، يجب أن يضيق الخصم على النفط الكندي.
والجديد والمهم في خط الأنابيب هو أنه سيكون أول منفذ مهم لكندا لتصدير نفطها إلى ما هو أبعد من جارتها الجنوبية. فعند الوصول إلى المحيط الهادي، سيكون النفط الكندي قادراً على التدفق عبر الناقلات إلى أسواق الطاقة المتنامية في آسيا، ومنها الصين.
وعندما أمم رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو المشروع في 2018، وصفته حكومته بأنه "فرصة مالية قوية". وكانت الخطة تقضي بأن تقوم الدولة بمد خط الأنابيب الجديد، المسمى "ترانس ماونتين إكسبانشن" (Trans Mountain Expansion) أو "تي إم إكس" (TMX)، ومن ثم بيعه مرة أخرى لمستثمرين من القطاع الخاص، على أمل تحقيق ربح. وبالنظر إلى الأمر من هذا المنظور، فإن خط الأنابيب كان خطأً فادحاً ممولاً من جيوب دافعي الضرائب.
حماقة مالية
تجاوزت مشكلات خط أنابيب "تي إم إكس" أزمة التكاليف، حيث لا يساوي سوى قدر بسيط مما أنفقته الحكومة على مده. تحدث إلى أي شخص في هذا القطاع، وسيقول لك تقديرات توضح أن قيمته تتراوح بين 10 مليارات و25 مليار دولار كندي. خذ القيمة الوسطى، واحسبها بالدولار الأميركي، فستجد أنها تقارب 10 مليارات دولار–أي ما يعادل نحو 250 ألف دولار لكل كندي. ونظراً لأن من أشرف عليه هو رئيس الوزراء المحب للطبيعة والمراعي للبيئة على ما يبدو، فيمكن القول إن هذه تعتبر صدقة حكومية لصناعة النفط.
وعلى الرغم من تكلفته الهائلة، فلدى "تي إم إكس" ميزتان قد تعوضان هذه الحماقة المالية. الأولى هي أنه من المحتمل أن يضيق الفارق بين الخامين الكندي والأميركي، مما يزيد الإيرادات لجميع المشاركين في صناعة النفط-وهذا يشمل حكومات المقاطعات التي تأخذ العوائد أو الريع. ومدى تضييق الخصم هو موضع نقاش ساخن. ففي المتوسط، بلغ سالب 17 دولاراً للبرميل بين 2010 و2024. والإجماع هو أن هذا سيتجه الآن نحو سالب 10 دولارات للبرميل. ويجب الإشارة هنا إلى أن مشروع "تي إم إكس" ربما يعني أن الفارق لن يكون كبيراً للغاية بعد الآن، فقد اتسع في وقت من الأوقات إلى سالب 40 دولاراً للبرميل، بل وإلى سالب 50. والميزة الثانية هي أنه من المفترض أن يعمل الخط على تسهيل الاستثمار في الإنتاج الجديد، مما يزيد الإيرادات الضريبية.
وهذا مهم: فكندا هي رابع أكبر منتج للنفط في العالم، إذ تضخ أكثر من أي عضو في تجمع "أوبك+" باستثناء السعودية وروسيا. وعلى الرغم من العقبات جميعها، فقد ضاعفت الشركات الكندية إنتاجها تقريباً خلال العقدين الماضيين، ويجري الآن إنتاج المزيد من النفط.
2024.. عام واعد للإنتاج
بعد الركود الذي شهده العام الماضي، من المنتظر أن يرتفع إنتاج النفط الكندي العام الجاري بنحو 200 ألف برميل يومياً، وهو ما يتوافق مع متوسط النمو السنوي في ذروته بين عامي 2010 و2015. وإذا تحققت هذه الزيادة، فسيصل إنتاج النفط الكندي هذا العام إلى متوسط سنوي 6 ملايين برميل يومياً، وهو رقم قياسي.
غير أن معدل النمو في 2024، في جانب منه يشكل سراباً. فقد قلصت أعمال الصيانة المكثفة وحرائق الغابات الإنتاج العام الماضي، لذا فإن الزيادة ستكون عبارة عن مزيج من النمو الفعلي والانتعاش لمرة واحدة. ومع ذلك، فإنه يشير إلى أنه عندما تظهر سعة خطوط أنابيب جديدة، سيكون لدى منتجي النفط الكنديين خيارات سريعة لزيادة الإنتاج. وبدلاً من الاستثمار في المشروعات الضخمة الجديدة، تعمل الشركات على توسيع عملياتها الحالية إلى المناطق المجاورة، وهي طريقة أسرع وأرخص للنمو.
وعند جمع النفط الأميركي والكندي الإضافي معاً، فإن الحليفين في أميركا الشمالية سيشكلان ربع الإنتاج العالمي في 2024. واسمحوا لي بأن أؤكد على هذا: ربع النفط العالمي سيأتي من كندا والولايات المتحدة هذا العام.
فكر في حجم تلك الحصة من السوق، والآن فكر في سياسات تغير المناخ-والسياسات-التي ينتهجها كل من جاستن ترودو والرئيس الأميركي جو بايدن، وستجد حينها أن الفرق شاسع بين ما دعا إليه كل منهما في حملته الانتخابية-مثل الاستثمار الأخضر وانتقال الطاقة–وبين الواقع على الأرض.
مشكلة السعة
تعادل السعة المتوقعة 200 ألف برميل إضافية يومياً من النفط الكندي في 2024، أي نحو 15% من الطلب المتزايد على النفط المتوقع هذا العام. وعلى هذا النحو، فهي عنصر مهم في التوازن العالمي بين العرض والطلب. فكلما زاد نمو إنتاج كندا، قل المجال المتاح للسعودية وحلفائها في "أوبك+".
وربما لا يستمر النمو في إنتاج النفط الكندي طويلاً. فبدلاً من عقود من الزمن، فكر في سنوات. يضيف "تي إم إكس" أيضاً حوالي 600 ألف برميل يومياً من قدرة النقل. وسيكون جزء منه ممتلئاً بالنفط الذي يتدفق اليوم إلى الولايات المتحدة عبر السكك الحديدية. فيما ستستحوذ زيادة الإنتاج في 2024 والعامين التاليين على جزء قليل آخر. وبحلول 2025 أو 2026، يعتقد الكثيرون في الصناعة بأنه سيكون هناك القليل من سعة خطوط الأنابيب المتبقية. والمشكلة على حد تعبير روري جونستون، محلل السلع الأساسية المقيم في تورونتو، ستكون العثور على خطوط أنابيب فارغة.
فمن المرجح أن يكون "تي إم إكس" هو آخر خطوط أنابيب النفط الكندية الكبرى. وبمجرد امتلائه، يجب أن يجد أي خام كندي إضافي طريقه إلى السوق عبر السكك الحديدية. وعلى مدى العامين أو الأعوام الثلاثة المقبلة، سيشهد سوق النفط آخر زيادة كبيرة في إنتاج النفط الكندي. ومع ذلك، وبعد المعاناة من مصاعب لسنوات، ينبغي الاحتفال بعام 2024 في حقول النفط في ألبرتا باعتباره عام النمو الوفير... وربما الأخير في هذا الإطار.