خطوة "بوتين" التالية.. إثارة اضطرابات اجتماعية في أوروبا

الساسة لا يعطون اهتماماً كافياً لرسائل الكرملين.. وهناك جهد حقيقي لتأجيج الأوروبيين ضد حكوماتهم

time reading iconدقائق القراءة - 19
فلاديمير بوتين - AFP
فلاديمير بوتين - AFP
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

تومض جميع المؤشرات الخاصة بأوروبا باللون الأحمر، حيث تتزايد التحذيرات بشأن الركود الاقتصادي في فصل الشتاء بصوت أعلى، وتتراجع العملة الموحدة، بينما تقع سوق الطاقة بالفعل في أزمة، إلا أن الحكومات الأوروبية لا تزال متأخرة بثلاث خطوات، ويعود ذلك إلى حد كبير لأنها تقضي الكثير من الوقت في التكهن بالخطوات التالية لروسيا. في حين يتعيّن عليها بدلاً من ذلك أن تولي اهتماماً أكبر لما تسعى موسكو لتحقيقه وهو: الاضطرابات الاجتماعية.

في الأسبوع الماضي، كتب ديمتري ميدفيديف، الذي كان يوماً ما أملاً ليبرالياً لروسيا، والذي تحوّل إلى واحد من أكثر الأصوات تشدداً ضد أوكرانيا، منشوراً مطولاً عبر قناته على "تيليغرام" (Telegram) حثّ فيه المواطنين الأوروبيين على الاحتجاج على الإجراءات "الغبية" لحكوماتهم أي (العقوبات) ومعاقبتهم عليها (أي التصويت ضدهم).

وأشار إلى أن الأوروبيين يريدون علاقات أوثق مع روسيا إلا أنهم مُضلَّلون بالسياسات السخيفة، بينما تريد روسيا التعاون مع شعوب أوروبا. وكتب "لا تصمتوا ... روسيا تستطيع سماعكم". انتهى "ميدفيديف" بالقول إن الجو دافئ في روسيا، وهي لكمة رخيصة ضد أوروبا مع دخولها فصل شتاء يتّسم بندرة الطاقة بسبب نقص الإمدادات الروسية على وجه التحديد.

انتشر هذا المنشور في إيطاليا، حتى انتهى به المطاف على الصفحات الأولى من صحيفتي "لا ريبوبليكا"، و"كورييري ديلا سيرا"، وهما صحيفتان وطنيتان رائدتان. واتهمت الصحيفتان "ميدفيديف" بالتدخل في الحملة الانتخابية الجارية قبل انتخابات الشهر المقبل. في حين ذهب اليسار الإيطالي إلى أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن روسيا تريد إثارة التوتر الاجتماعي. وقال اليمين، الذي يتصدر استطلاعات الرأي حالياً ويُتّهم غالباً بالتساهل مع الكرملين، إن الانتخابات سيقررها الإيطاليون وليس الروس.

ومع ذلك، فقد ربط ماتيو سالفيني، رئيس حزب الرابطة اليميني المتطرف، العقوبات بأزمة تكلفة المعيشة، ما يشير إلى أن هناك حاجة إلى حل دبلوماسي لحماية الأسر الإيطالية والابتعاد عن موقف ماريو دراجي المتشدد ضد روسيا.

في الحقيقة، ليس سراً الآن أن روسيا تريد فرض مواجهة كاملة ضد العقوبات من خلال سلاح الطاقة، حيث يعتقد الكرملين أن الأوروبيين سيستسلمون في نهاية المطاف، وهو يضع استراتيجية ذات شقين لتحقيق ذلك. من ناحية، فإنه يحافظ على عدم اليقين بشأن إمدادات الغاز، إذ لا يتعين على روسيا قطع التدفقات بالكامل لإحداث أضرار، ومجرد التفكير في فصل الشتاء بدون الغاز الروسي يكفي لإحداث الفوضى.

تشير العديد من المؤشرات إلى أن "بوتين" يفوز في أسواق الطاقة. من ناحية أخرى، فإن روسيا مشغولة في غضون ذلك بتأجيج الاضطرابات الاجتماعية، وهذا جوهر صخب "ميدفيديف." كما تحدث الرئيس فلاديمير بوتين أيضاً عن "الانتحار الاقتصادي" للغرب، وضخّمت الروبوتات الروسية الرسالة من خلال المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي.

روسيا تغازل آسيا بعقود نفطية طويلة الأجل استباقاً لحملة ضغط غربية

الجدير بالذكر أن أوروبا لا تولي اهتماماً كافياً لرسائل روسيا في زمن الحرب، إذ تغمر الحسابات التابعة لروسيا شبكة الإنترنت برواية الكرملين حول كل شيء بدءاً من إعادة فتح خط أنابيب "نورد ستريم 2"، وحتى العقوبات. ومنذ بداية الحرب، نشر الدبلوماسيون الروس ووسائل الإعلام الحكومية تغريدات حول اعتماد أوروبا على الغاز الروسي أكثر من تغريداتهم حول اعتقادهم أن أوكرانيا تتعاطف مع النازيين (الذريعة الأصلية لروسيا للغزو)، وفقاً لبحث أجراه "التحالف من أجل تأمين الديمقراطية" (Alliance for Securing Democracy) في "صندوق مارشال الألماني" (German Marshall Fund) الذي يتتبع المعلومات المضلِّلة الروسية.

وفي هذا الصدد، يقول جوزيف بودنار، الذي أجرى البحث، إن الهدف هو تقويض العقوبات الأوروبية وتهدئة الدعم الشعبي لأوكرانيا من خلال تقديمه على أنه عبء على مستويات المعيشة. وقال إن تكرار احتجاجات السترات الصفراء ليس فقط في فرنسا، ولكن أيضاً في جميع أنحاء أوروبا سيكون "سيناريو أحلام الكرملين".

فضلاً عن ذلك، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات في فبراير لإسكات التضليل الروسي من خلال إغلاق وسائل الإعلام مثل "آر تي"– "روسيا اليوم" سابقاً– و"سبوتنيك"، لكن المسؤولين يعترفون أنه من الصعب مواجهة كل جهود الدعاية على شبكة الإنترنت.

في الواقع، فإن الاضطرابات الاجتماعية تُعتبر احتمالاً حقيقياً هذا الشتاء، وهو احتمال يجب أن تستعد له الحكومات الأوروبية بدلاً من تجميل الحقائق.

كما أن الأرقام تتحدث عن نفسها، حيث تُقدِّر ألمانيا أن متوسط ​​فواتير الأسرة قد يرتفع بما يتراوح بين 500 إلى 1,000 يورو هذا الشتاء، وقد تكون هذه التقديرات متحفظة. كذلك حذّرت "وكالة الشبكة الفيدرالية الألمانية" (German Federal Network Agency) المستهلكين بالفعل من تخصيص الأموال لمواجهة رسوم إضافية. أما بالنسبة للأسر ذات الدخل المنخفض، فقد يفرض ذلك خياراً مستحيلاً بين شراء الطعام أو الوقود. وقلّل المستشار الألماني أولاف شولتس من أهمية المخاطر، ملمحاً إلى أن لدى ألمانيا موارد مالية لتخفيف أية ضربة.

لكن في حين أن هذا قد يكون صحيحاً بالنسبة لأكبر اقتصاد في منطقة اليورو، فإن الصورة المالية تختلف اختلافاً كبيراً عبر بقية أوروبا.

على سبيل المثال، اختار الفرنسيون وضع حد أقصى للأسعار وتوجيه الخسائر من خلال "إلكتريسيتيه دو فرانس" (Électricité de France)، وهي شركة الكهرباء التي أصبحت في طريقها إلى التأميم الكامل. وحذّر صندوق النقد الدولي من مثل هذه الإجراءات واسعة النطاق، داعياً بدلاً من ذلك إلى إتاحة إغاثة مستهدفة للأسر ذات الدخل المنخفض.

لكن هناك حسابات سياسية مهمة هنا، حيث يريد "ماكرون" تجنّب الاضطرابات التي حدثت في عام 2018 بسبب ضريبة الديزل، ويريد تحييد مارين لوبان كمرشح للطبقة العاملة. وبهذا المعنى، فهو يشتري السلام الاجتماعي.

بالإضافة إلى ذلك، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تواجه جمهورية التشيك وسلوفاكيا والمجر ركوداً إذا قطعت روسيا إمدادات الغاز، كما تقول دول مثل بلغاريا، وهي من أوائل الدول التي أوقفت شركة "غازبروم" (Gazprom) التعامل معها في أبريل بعد أن رفضت الدفع بالروبل، إنها ستضطر إلى استئناف المحادثات مع روسيا. والشغل الشاغل هو أن الغاز الروسي سيأتي بنفوذ سياسي- وهذا من شأنه أن يُفسِد الكثير من العمل الذي قام به الاتحاد الأوروبي منذ بدء الحرب.

وكما أظهرت الأزمات السابقة، فإن أوروبا ذات الأداء غير المتناغم تكون عبارة عن اتحاد لا يعمل، وإن الاتحاد الأوروبي يكون في أفضل حالاته عندما يعمل بشكل مشترك ومُنسق. وفي حين يُركِّز البنك المركزي الأوروبي على محاربة التضخم، يجب أن يفكر القادة الأوروبيون في عوامل الاستقرار السياسي، حيث يحتاج الاتحاد إلى إجراء مناقشة حول تقاسم الأعباء على المدى القصير لتقليل الألم على فواتير الأسرة، والتمويل طويل الأجل للحصول على الاستقلال في مجال الطاقة.

من جانبها، قالت جمهورية التشيك، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي لبقية العام، إنها ستطرح هذه القضية بالفعل على الطاولة. ولا ينبغي لأي شخص آخر إضاعة المزيد من الوقت. فالشتاء على وشك أن يضرب القارة مثل "حمّام بارد".

في حال فشلت أوروبا في تقديم حل شامل لمواطنيها الذين يواجهون ضغوطاً مالية، فإن التأثير على النسيج الاجتماعي للقارة سيكون هائلاً، وسوف يصبّ ذلك في أيدي مديري الدعاية الروسية. وفي الأسبوع الماضي، أشار إيمانويل ماكرون، أثناء إشادته بتحرير "بورم-ليه-ميموزاس" من الاحتلال النازي، إلى أن للحرية ثمناً، وهو ثمن يستحق الدفع. لكن يجب أن يكون عادلاً أيضاً.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

موسكو

11 دقائق

0°C
غيوم متفرقة
العظمى / الصغرى /
22.1 كم/س
66%
الآراء الأكثر قراءة