الأزمة السياسية التي أطاحت برئيس الوزراء الباكستاني عمران خان من منصبه لم تكن تتعلّق فقط بفشل أجندته لمكافحة الفساد وسوء إدارة الاقتصاد الذي وصل فيه التضخم حتى 13%، والذي قاد البلاد إلى احتجاجات معارضة استمرت على مدى شهور. بل إن هذه الأزمة أيضاً، كالعديد غيرها من الأزمات السياسية في باكستان، مرتبطة بالطاقة وأسعار الصرف.
فعلى مدى عقود، أدّى الاعتماد الشديد على الطاقة المستوردة في البلاد إلى عرقلة مسيرة النمو فيها. وللخروج من نمط الركود المُزمن، تحتاج باكستان إلى المزيد من الطاقة لقطاعاتها الصناعية والمنزلية ولقطاع النقل.
سيناريو متكرر
في كل مرة كان يحدث فيها ذلك في الماضي، كان ارتفاع فاتورة الوقود الأحفوري المستورد يقود إلى أزمات دورية في ميزان المدفوعات بالبلاد. فيما تُعتبر خطة الإنقاذ التي طرحها صندوق النقد الدولي، والمتوقع أن تطبّق على نطاق واسع في غضون أشهر، هي الخطة رقم 19 بالنسبة لباكستان منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي.
صندوق النقد الدولي يوافق على صرف مليار دولار لباكستان
هذه المشكلة التي تعاني منها باكستان معروفة منذ سنوات. وكان رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف خطّط لتقليص اعتماد قطاع الكهرباء على الغاز المستورد وزيت الوقود من خلال توفير أسطول من المحطات النووية وفحم الليغنيت. وعلى النقيض من ذلك، ألغى خان عدداً من مولدات الفحم تلك، وتعهّد بمضاعفة إنتاج الطاقة الكهرومائية لزيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة في البلاد إلى 60% من مزيج توليد الطاقة.
خطط طموحة
مع ذلك، فقد أدى فشل سياسات دعم طاقة الرياح والطاقة الشمسية إلى حرمان باكستان من أرخص مصدر للطاقة محلياً. وحتى يتم إصلاح ذلك، تستمر البلاد في عيش حالة من الارتباك تقودها من كارثة اقتصادية إلى أخرى.
مع ذلك فإن التحدي المتمثل في توفير الطاقة لخامس أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، لا يعني أن خطط الطاقة في باكستان ينقصها الطموح. وفقاً لأحدث خطة حكومية لنظام الطاقة، من المتوقع أن ينخفض الغاز الطبيعي المُسال المستورد الذي يوفر حالياً خُمس مصادر التوليد للشبكة، إلى الصفر تقريباً بحلول عام 2030، حيث يتم تحويل الغاز إلى القطاعات المنزلية والصناعية.
بسعر هو الأدنى عالمياً.. باكستان توقع صفقة لشراء الغاز القطري لـ10 سنوات
أما الطاقة المائية، التي تمثّل حالياً نحو ثلث المزيج، سترتفع حصتها إلى 50% أو 92 غيغاواط، خلال الفترة نفسها. ومن الناحية النظرية، سيؤدي ذلك إلى انخفاض الحصة المستوردة من طاقة الشبكة إلى 12% من نحو 41% من إجمالي الطاقة.
الطاقة المائية المُتقلبة
في هذا الإطار، تكمن المشكلة الأساسية في الاعتماد المفرط على الطاقة الكهرومائية. فمن المعروف أن السدود في باكستان معرضة لتقلبات الأمطار الموسمية، حيث تسبّب انخفاض منسوب المياه الصيف الماضي في انقطاع التيار الكهربائي لمدة سبع ساعات في اليوم أو أكثر. وكان أحد الأسباب الرئيسية لحالات قصور الشبكة في الصين أواخر العام الماضي هو موسم هطول الأمطار الخفيف المماثل، والذي دفع توليد الطاقة المائية في أكتوبر إلى الانخفاض بنسبة 12% مقارنة مع العام السابق، ما أدى إلى العودة لتعدين الفحم في البلاد.
وفي محاولة لاحتواء مثل هذا الوضع، لن يكون أمام باكستان خيار سوى زيادة واردات الوقود الأحفوري لتعويض النقص، وهو ما يجبر الحكومة على الاختيار بين انقطاع التيار الكهربائي ومفاقمة أزمة العملة. وعلى المدى الطويل، قد يكون لتغيّر المناخ كذلك تأثيرات غير متوقعة على توافر المياه التي تغذيها الأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا، وهو الأمر الذي يقلل بشكل أكبر من موثوقية السدود.
الحلقة الأضعف.. الشمس والرياح
في معادلة الطاقة هذه، تبقى الطاقة الشمسية والرياح تمثّل الخاسر الأكبر بها. فعلى الرغم من التكاليف التي تنخفض بمقدار الثلثين عن الفحم المحلي والتي تقلّ حتى عن الطاقة الكهرومائية، إلا أنها من المتوقع أن تشكّل نسبة محدودة للغاية تصل إلى نحو 10% من مزيج الطاقة حتى أواخر عام 2030. ومضاعفة هذه الحصة بمرتين أو حتى ثلاث من شأنه تنويع توليد مصادر الطاقة المحلية وتوفير الدعم للطاقة الكهرومائية دون الوصول إلى المستويات التي تمثّل فيه تقلباتها مشكلة بالنسبة للشبكة.
باكستان تقطع الكهرباء عن المنازل والمصانع إثر نقص الوقود
مصادر الطاقة المتجددة ستضمن أيضاً ألا تتسبّب باكستان، وهي واحدة من أكثر الدول عُرضة لمخاطر تغيّر المناخ في ظل وجود عدد من أكثر المدن تلوثاً في العالم بها، بأضرار طويلة الأمد لسكانها وبيئتها.
ويتعيّن على رئيس الوزراء الجديد شهياز شريف، خلال مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي، أن يدرس التراجع عن الضرائب المدمرة للطاقة المتجددة والتي تم فرضها كجزء من المحادثات السابقة، وبدلاً من ذلك، أن يتم استبدال دعم الوقود الذي تم تقديمه الشهر الماضي، بدعم يُمنح مباشرة للأسر ذات الدخل المنخفض. كما يتعين على الرئيس تقديم مقترحات لتركيب طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وبيع مولدات الطاقة الأحفورية الباكستانية كوسيلة لتمويل إغلاقها المبكر التي تأتي ضمن آلية تحوّل الطاقة التابعة لبنك التنمية الآسيوي.
نموذج الهند
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة أن تنظر إلى نموذج الاستثمارات التي قام بها موكيش أمباني، ثاني أغنى رجل في آسيا، على الحدود في ولاية غوجارات الهندية. حيث تمكّنت مصفاة "جامناغار" النفطية التابعة لشركة "ريلاينس إندستريز" (Reliance Industries) من تخفيف معاناة واردات الهند النفطية على الحساب الجاري للبلاد، ما وفّر تدفقاً من صادرات المنتجات النفطية لتعويض وارداتها من النفط الخام. وهو يخطط الآن لاستثمار 78 مليار دولار في مشاريع الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة هناك للاستفادة من أفضل موارد العالم من طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
مثل هذا الطموح يمكنه في نهاية المطاف أن يحوّل الطاقة من مسؤولية أبدية مترتبة على باكستان، إلى مصدر قوة لها. ويتعين على السياسيين الذين لا يريدون أن تنتهي حياتهم المهنية بسبب إحدى الأزمات الاقتصادية المزمنة في البلاد أن يأخذوا هذا الأمر في اعتباراتهم.