في عام 2020، وللمرة الأولى منذ 69 عاماً، تجاوزت صادرات الولايات المتحدة من الطاقة حجم وارداتها. لم تظهر كل الأرقام الخاصة بعام 2021 بعد، لكن كل شيء يشير إلى فائض أكبر في مجال الطاقة. يبدو أن الرحلة الطويلة التي بدأت خلال أزمة النفط عام 1973 مع "مشروع الاستقلال" للرئيس ريتشارد نيكسون، قد انتهت وبلغت هدفها المتمثل في "تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة".
مع ذلك، فإنه وبينما تغزو روسيا أوكرانيا، وتهدد بتعطيل إمدادات النفط العالمية، نجد الأمريكيين بدلاً من أن يحتفلوا باستقلال الطاقة لديهم، غاضبين من ارتفاع أسعار البنزين، حتى إن البعض يجادل بأن هذه الأسعار مرتفعة للغاية لأن الرئيس جو بايدن "دمر استقلالية الطاقة الأمريكية". معظم الجمهوريين يقولون ذلك، لكن بعض المشرعين الديمقراطيين كانوا يضغطون على البيت الأبيض (دون جدوى حتى الآن) للحد من صادرات النفط والغاز لخفض الأسعار في الداخل. وفي الوقت ذاته، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها، مقيدون بثروات روسيا من النفط والغاز في ردود أفعالهم على هجومها على أوكرانيا.
اقرأ أيضاً: بايدن يوقف تصاريح النفط في ظل ارتفاع أسعار البنزين بسبب أزمة أوكرانيا
لذا، ربما لم يكن استقلال الطاقة كما كان يجب أن يكون عليه، أو ربما إن كنت مُصدراً صافياً للطاقة، ليس بالضرورة أن يعني ذلك أنك مستقل تماماً في مجال الطاقة.
اقرأ المزيد: الولايات المتحدة تدرس الإفراج عن احتياطيات النفط
مقياس الاعتماد على الطاقة
من المؤكد أن إنتاج طاقة أكثر مما تستهلك، هو التعريف القياسي لاستقلال الطاقة. على سبيل المثال، لدى وكالة الإحصاء التابعة للاتحاد الأوروبي "يوروستات"، مقياس يسمى "الاعتماد على الطاقة"، وهو ببساطة يحسب الواردات الصافية كنسبة مئوية من استخدام الطاقة. كانت مالطا أكثر دول أوروبا اعتماداً على الطاقة في عام 2020، بنسبة بلغت 97.6%. وحلّت ألمانيا، وهي مستورد كبير للغاز الطبيعي الروسي، بنسبة 63.7%. قبل خمسة عشر عاماً، بلغ صافي واردات الولايات المتحدة من الطاقة 29.1% من استهلاك الطاقة. الآن، وبفضل طفرة الإنتاج المحلي للنفط والغاز الطبيعي بفضل تقنيات التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي، أصبحت هذه الواردات سلبية.
اقرأ أيضاً: إغلاقات كبرى في مصافي التكرير الأمريكية تفزع سوق البنزين
لكن الرئيس نيكسون، والرئيس جيمي كارتر، وغيرهما من المدافعين عن استقلالية الطاقة عبر العقود، وضعوا في الاعتبار أكثر من مجرد هذه الحسبة البسيطة. قال نيكسون في عام 1973 إنه قلق بشأن "الحفاظ على قدرتنا على لعب دورنا المستقل في الشؤون الدولية". كان كارتر قلقاً في عام 1977 من أن "ينفد البترول" في العالم، ما من شأنه أن يعيث فساداً في الاقتصاد إن لم تبذل جهود متضافرة للحفاظ على الطاقة والتوصل إلى مصادر جديدة. يقع معظم الحديث عن استقلال الطاقة ضمن هذين الموضوعين، واللذين سأعرفها على أنهما:
- التحرر من القوة الأجنبية
- التحرر من الأضرار الاقتصادية
أحياناً يتوافق هذان الهدفان، وأحياناً لا يتوافقان. ستتمتع ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى بقدر أكبر من حرية المناورة بشأن أوكرانيا لو لم تكن تعتمد كثيراً على الغاز الطبيعي الروسي، ولكن من دونه، كانت هذه الدول ستدفع الكثير مقابل الطاقة على مدى العقود القليلة الماضية. لا تسعى البلدان ذات الموارد المحدودة من الطاقة عموماً إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، لأنها يمكن أن تحقق نتائج اقتصادية أفضل من خلال الواردات، ومن المؤكد أن الاعتماد الشديد على الوقود الأحفوري من الخارج لم يحبط الصعود الاقتصادي لليابان والصين. البلدان التي لديها الكثير من موارد الطاقة بشكل عام، لا تسعى جاهدة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي أيضاً، لأنها يمكن أن تحقق نتائج اقتصادية أفضل من خلال التصدير.
إنه تحقيق التوازن، إذ لا يتوضح المستوى الأمثل للاعتماد أو الاستقلال، ولا يصبح ثابتاً بمرور الوقت. ثم مرة أخرى، يبدو أن قرار ألمانيا عام 2011 بإغلاق كل محطات الطاقة النووية كان خطوة واضحة (وخاطئة بشكل واضح) بعيداً عن استقلال الطاقة، ما قلل من تحررها من القوة الأجنبية والضرر الاقتصادي.
إنتاج أكبر من الاستهلاك
تبدو الولايات المتحدة حالة فريدة من نوعها. فقد صعدت إلى التفوق الاقتصادي العالمي في النصف الأول من القرن العشرين، بالاعتماد الكامل تقريباً على الفحم المحلي والنفط والغاز، الموارد التي كانت بدورها تُستهلك محلياً. تتوافر إحصاءات النفط الخام الأمريكية الشهرية منذ عام 1920، وهي تحكي القصة جيداً، بما في ذلك التطور الكبير بعد الحرب العالمية الثانية، عندما لم يعد الإنتاج المحلي يواكب الطلب.
الآن عادت الولايات المتحدة إلى إنتاج نفط أكثر بقليل مما تحتاج إليه، ولا تزال واردات النفط الخام أعلى بكثير من الصادرات، لكن صافي صادرات المنتجات البترولية المكررة أكثر من كافٍ لإلغاء ذلك. مع ذلك، لا تزال غير مستقلة تماماً من مصدري النفط في الخارج. كما أوضح ليام دينينغ، الكاتب في "رأي بلومبرغ" مؤخراً، حيث قال: تستورد مصافي تكرير النفط في ساحل الخليج جنوبي الولايات المتحدة، والتي بنيت للتعامل مع النفط الخام الثقيل من فنزويلا، الكثير من النفط من روسيا مؤخراً، لأن العقوبات الأمريكية لا تسمح لها بالاستيراد من فنزويلا. بشكل عام، تتحدد أسعار النفط في الأسواق العالمية التي يمكن للولايات المتحدة، بصفتها منتجاً رئيسياً، التأثير فيها لكن ليس السيطرة عليها. لا توجد علاقة ملحوظة، على سبيل المثال، بين تحركات الميزان التجاري للبترول في الولايات المتحدة، وأسعار البنزين التي يدفعها الأمريكيون.
أسباب ارتفاع الأسعار
لذا الجواب هو لا. أسعار البنزين ليست مرتفعة الآن لأن جو بايدن "دمر استقلالية الطاقة الأمريكية". إنها مرتفعة بشكل أساسي، لأن الانهيار في الطلب على الطاقة في بداية جائحة كورونا تسبب في قيام منتجي النفط في جميع أنحاء العالم بتقليص الضخ والاستثمار. كذلك، قد تبقى هذه الأسعار مرتفعة، لأن شركات التنقيب تتخوف من زيادة الاستثمار بالنظر إلى (1) التجربة الأخيرة المؤلمة و(2) الجهود التي تبذلها إدارة بايدن والحكومات الأخرى حول العالم لتحويل استخدام الطاقة بعيداً عن الوقود الأحفوري.
هذه هي الجهود التي يشير إليها منتقدو بايدن بحديثهم عن تدمير استقلالية الطاقة، حيث لم تأت هذه التهمة بالكامل من الفراغ. لكن، يمكن القول إن تثبيط استخدام الوقود الأحفوري لصالح مصادر الطاقة المتجددة وغيرها من مصادر الطاقة غير المنتجة لثاني أكسيد الكربون، يعد خطوة نحو زيادة استقلالية الطاقة على المدى الطويل. يفرض حرق الوقود الأحفوري أضراراً اقتصادية من خلال الاحتباس الحراري، بينما تساعد طاقة الرياح والطاقة الشمسية المولدة محلياً في تقليل الحاجة إلى واردات الطاقة. وهكذا من جديد، أدت طفرة التكسير الهيدروليكي في العقد الماضي إلى المزيد من الحاجة إلى تقليل واردات الطاقة إلى الولايات المتحدة، وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، حيث حل الغاز الطبيعي محل الفحم في توليد الكهرباء، مع زيادة في انبعاثات الميثان، وهو غاز آخر من غازات الدفيئة، كمنتج ثانوي لجميع عمليات الحفر. إن استقلال الطاقة أمر معقد!
الأهداف الاقتصادية
ربما يكون هذا المفهوم أقل خطورة من ناحية الطلب. إذا تمكنت من إيجاد طرق لتحقيق أهدافك الاقتصادية بطاقة أقل، فأنت بحكم التعريف أقل اعتماداً على الطاقة. منذ أزمات النفط في السبعينيات، تمكنت الولايات المتحدة من خلال المكاسب في الكفاءة والتحولات الاقتصادية، من إيجاد طرق لتوليد المزيد من الناتج المحلي الإجمالي لكل وحدة من الطاقة المستهلكة.
إذا كان هذا الشرح المبسّط يبدو مجرداً للغاية، فإليكم طريقة أخرى أسهل للنظر إلى الظاهرة نفسها إلى حد ما.
تراجعت حصة الإنفاق الاستهلاكي الأمريكي على الطاقة إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق في الأشهر القليلة الأولى من الوباء، ورغم انتعاشها لاحقاً، إلا أنها لا تزال أقل من أي وقت قبل عام 1998 (وأجل، هذه الإحصاءات تعود فقط إلى عام 1959، لكني لا أرى كيف يمكن أن تكون حصة محفظة الطاقة أقل من أي وقت مضى، على الأقل ليس إذا حسبت طعام الخيول والوقت الذي تقضيه في قطع الأخشاب كمصروفات طاقة). كان هذا أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى حدوث ركود حاد بنسبة 50% في أسعار البنزين في عامي 1973 و1974، بينما ترافق ارتفاع مماثل خلال العام الماضي مع نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 5.5%. إنه نوع من الاستقلال في مجال الطاقة، حتى لو لم يكن الأمر كذلك تماماً، لأن أحداثاً خارجية تفرض نفسها مجدداً على الأسعار عند مضخة البنزين.