مثل أزمة سائقي السيارات البريطانيين؛ يبدو أنَّ أسواق الطاقة تقوم على المبالغات في القول حالياً، وسنحتاج إلى أكثر من ذلك للتغلُّب على الشتاء.
ولا يرقى منتجو النفط في منظمة الدول المصدِّرة للنفط، إلى جانب حلفائهم الذين يشكِّلون معاً مجموعة "أوبك +" الأكبر، إلى مستوى مهمتهم المتمثِّلة في "ضمان استقرار أسواق النفط".
و برغم أنَّهم يتحدَّثون عن تأمين الإمدادات الكافية، إلا أنَّهم لم يُتبعوا أقوالهم بأفعال، وهو ما ساعد في رفع أسعار النفط إلى مستويات لم نشهدها منذ عام 2014، وهو ما يهدد بترك المستهلكين يعانون من نقص في النفط، تماماً في الوقت الذي يحصل فيه الطلب على دفعة أخرى من الشركات والمرافق التي تتحوَّل إلى حرق النفط بدلاً من الغاز الذي ارتفعت أسعاره أيضاً إلى مستويات قياسية.
نقص إمدادت النفط
وانظروا إلى بطء وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان وزملائه في منظمة "أوبك" في استعادة إمدادات النفط التي خفَّضوها العام الماضي.
وبرغم الدلائل على ضرورة ضخها المزيد من النفط لاستيفاء الطلب؛ قرَّرت المجموعة يوم الإثنين الماضي المضي قدماً في خطتها المتمثِّلة في إضافة 400 ألف برميل يومياً فقط إلى المعروض العالمي من النفط في بداية نوفمبر.
ويتفق كل تحليل اطَّلعت عليه، بما في ذلك تحليل المجموعة نفسها، على أنَّ ذلك ليس كافياً للحيلولة دون المزيد من التراجع بحلول نهاية العام في المخزونات القليلة بالفعل.
ونتيجة لذلك؛ قفزت أسعار النفط، ووصل خام غرب تكساس الوسيط القياسي إلى أعلى مستوى في سبع سنوات.
تهدئة الأسعار
وفي ظلِّ ارتفاع البترول لأعلى مستوى في سنوات عديدة، وأزمة معروض الغاز الطبيعي التي تلوح في الأفق في أوروبا وآسيا، كان الروس والأمريكيون هم من حاولوا الاستجابة للأسواق.
قال نائب وزير الطاقة الروسي، بافيل سوروكين، يوم الخميس، إنَّ "أوبك +" لا ينبغي أن تسمح للأسعار في سوق النفط أن ترتفع بإفراط، وإلا ستُدمر الطلب، مضيفاً أنَّ السوق متوازنة عند سعر 45 إلى 60 دولاراً للبرميل، لكن ربما كان يتعيّن على رئيسه أن يجادل في هذه النقطة بقوة أكبر في اجتماع يوم الإثنين.
في اليوم السابق، سعى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى تهدئة الارتفاع في أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا، وأشار إلى أنَّ بلاده يمكن أن تُعزز عمليات التسليم إلى مستويات قياسية.
واقترح نائب رئيس الوزراء، ألكسندر نوفاك، أنَّ الاعتماد السريع من قبل الاتحاد الأوروبي لخط أنابيب "نورد ستريم 2" المثير للجدل - الذي سينقل الغاز عبر بحر البلطيق مباشرة إلى ألمانيا، ويتجنَّب العبور عبر جميع تلك البلدان المزعجة بينهما - سيكون أحد الطرق لتحقيق ذلك .
في المقابل كانت الدبلوماسية الهادئة للرئيس، جو بايدن، غير فعَّالة تماماً بقدر تغريدات سلفه الغاضبة في إقناع المجموعة بتغيير مسارها، ولجأت وزيرة الطاقة الأمريكية، جينيفر غرانهولم، إلى حلول أخرى، وأثارت احتمال الإفراج عن الخام المخزَّن في احتياطي النفط الاستراتيجي للمساعدة في خفض أسعار الوقود، مضيفة أنَّها لا تستبعد إمكانية إعادة فرض حظر على التصدير.
وتراجعت أسعار النفط لاحقاً، مما قضى على جميع مكاسبها السابقة.
عودة ارتفاع الأسعار
لكنَّ الانخفاض لم يدم طويلاً، فقد قالت وزارة الطاقة الأمريكية، إنَّه لا توجد خطط للإفراج عن النفط الخام من احتياطي النفط الاستراتيجي، وإنَّ المحللين ينظرون (وهم على حقٍّ إلى حدٍّ كبير) إلى حظر التصدير على أنَّه يأتي بنتائج عكسية.
ثم، خمِّنوا ماذا حدث؟ انتعشت الأسعار؛ فَمَحت الانخفاض السابق في غضون ساعات.
ولم تقدِّم كل هذه الكلمات سوى راحة قصيرة، إذ ينبغي أن تليها الأفعال.
وهو ما يعيدنا إلى سائقي السيارات البريطانيين، عندما لم تؤدِّ التأكيدات المتكررة من حكومة بريطانيا بأنَّه لا يوجد نقص في الوقود، ولا يوجد ما يدعو للقلق؛ إلا إلى تعزيز الذعر.
ولم يبدأ الوضع في الهدوء إلا بعد زيادة عدد سائقي التوصيل من خلال دعوة الجيش للمساعدة، كما طالبت في مقال لي هنا.
ضرورة زيادة المعروض
وإذا كانت "أوبك+" جادة في تحقيق الاستقرار في سوق النفط، فيتعيّن عليها استخدام اجتماعاتها الشهرية لإدارة العرض بمرونة أكبر، مما يعني أنَّه يجب أن تكون مستعدَّة للتخلي عن بعض حذرها، وزيادة الإنتاج بأكثر مما كان يُخطط له في الأصل عندما يكون هناك نقص واضح في المعروض في السوق.
إذا لم يضخ منتجو النفط مزيداً من الخام في السوق؛ فربما ينبغي على الولايات المتحدة أن تحذو حذو الصين، وتخفِّض احتياطياتها الاستراتيجية.
وبدون المزيد من البترول والغاز، سيتعيّن علينا جميعا لفلفة أنفسنا بالملابس كي نظلَّ دافئين في الشتاء القادم.