في ميناء بولاية فلوريدا، أنزل خفر السواحل الأمريكي ما قيمته 1.4 مليار دولار من الكوكايين والماريجوانا، وهي كميات تمَّت مصادرتها في منطقة البحر الكاريبي، وشرق المحيط الهادئ. هذه الحمولة، كانت ثمرة نحو 30 حادثة وعملية ضبط من جانب الولايات المتحدة، وكندا، وهولندا، أما زنتها فبلغت حوالي 60 ألف رطل (27.2 طن) من الكوكايين وحده.
لا، لم يكن هذا مشهداً من مسلسل "ميامي فايس" (Miami Vice)، بل هو أمر واقع حدث الأسبوع الماضي.
يتمُّ وضع اليد على شحنات ضخمة من المخدرات في البحر، وهي في طريقها إلى الولايات المتحدة وأوروبا. في عام 2019، ضبطت السلطات الأمريكية السفينة "غايان" (Gayane)، وهي سفينة حاويات يبلغ طولها 1000 قدم ومسجَّلة في ليبيريا، في حين كانت تدخل محطة بحرية في فيلادلفيا في نهاية رحلة امتدت 9300 ميل من تشيلي. وجرت خلال العملية مصادرة 40 ألف رطل (18.1 طن) من الكوكايين، بقيمة 1.3 مليار دولار.
تجارة ضخمة
إنَّها أرقام مذهلة، حتى لأولئك الذين شاركوا في عمليات اعتراض شحنات المخدرات. ما الذي يدفع نحو التوجه إلى إرسال شحنات ضخمة من المخدرات، وكيف ستتعامل السلطات الأمريكية مع ذلك؟
في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما ترأست القيادة الجنوبية للولايات المتحدة (التي تتحمَّل مسؤولية عسكرية عن نصف الكرة الغربي جنوب الولايات المتحدة)، كانت إحدى أهم الفرق هي فرقة العمل المشترك بين الوكالات الجنوبية، التي يقع مقرّها الرئيسي في كي ويست بولاية فلوريدا، التي تستند إلى مشاركة الحكومة الأمريكية بأكملها، بقيادة خفر السواحل مع دعم كبير من وزارة الدفاع، ووزارة العدل، وإدارة مكافحة المخدرات والجمارك، ودوريات الحدود، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ووكالة المخابرات المركزية. ترفرف أعلام 20 دولة أخرى أمام منشأة "كي ويست"، وتمثِّل جهات ارتباط دول في أمريكا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي، وأوروبا.
على مرِّ السنوات، حسَّن المهرِّبون الذين ينقلون الكوكايين من منطقة الإنتاج، كولومبيا والإكوادور وشمال البيرو بشكل أساسي، جهودهم، ومثل أي عمل مزدهر؛ زادوا محاولاتهم للتهريب بشكل كبير. في العقود السابقة، كانوا عادةً يستخدمون العديد من الرحلات الصغيرة على متن الطائرات الخفيفة والقوارب فائقة السرعة، وحتى شبه الغواصات. لقد استولوا على واحدة من هذه الأخيرة (يشار إليها غالباً في التقارير الصحفية، بشكل خاطئ، بالغوَّاصات)، وهي تحمل 10 أطنان من الكوكايين، ووضعوها على العشب أمام مقر القيادة الجنوبية في ميامي كجائزة تذكارية.
برغم استمرار هذه الأنواع من العمليات، إلا أنَّ الحركة تتجه أكثر نحو استخدام الثغرات في صناعة للنقل، مع تخزين شحنات أكبر بكثير في سفن حاويات ضخمة متجهة إلى الولايات المتحدة وأوروبا. ونظراً لوجود أكثر من 5000 سفينة شحن رئيسية على مستوى العالم تنقل 25 مليون حاوية (تُعرف تقنياً باسم الحاويات النمطية 20 قدماً)، و11 مليون حاوية تصل سنوياً إلى الولايات المتحدة وحدها؛ فإنَّ تحديد موقع تلك التي تحوي بداخلها مخدرات، يعدُّ بمثابة البحث عن إبرة في كومة قش.
تكتيكات وإستراتيجيات
للتعامل مع النهج الجديد للمهرِّبين المتمثِّل في التوسُّع، تحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى تحديث استراتيجيتهم وتكتيكاتهم.
من الناحية الاستراتيجية، يجب على الجميع أن يفهموا أنَّه لا يمكن حل المشكلة من خلال عمليات مكافحة المخدرات التي تكلِّف مليارات الدولارات فقط. يتطلَّب الأمر نهجاً من ثلاثة أجزاء: العمل مع الدول الشريكة في أمريكا الجنوبية لتقليل جانب العرض، من خلال تدمير المحاصيل، وتشجيع المزارعين على زراعة منتجات مختلفة؛ و القيام بحملة مكافحة أكثر تعقيداً ترفع التكاليف على أباطرة المخدرات؛ وتقليل الطلب في السوق في الولايات المتحدة والدول الغنية الأخرى، قبل كل شيء.
في ما يتعلَّق بالتكتيكات، تحتاج الولايات المتحدة إلى وضع تقنيات تسمح بمسح أسرع، وأكثر أماناً للحاويات ومحتوياتها؛ وتعيين المزيد من موظفي الجمارك عند نقاط الإنطلاق في الخارج؛ مع زيادة في المعلومات البشرية، لا سيَّما لجهة اختراق عصابات المخدرات وشبكات الشحن؛ وأنظمة مراقبة محسَّنة فوق الموانئ، خصوصاً الأقمار الصناعية والطائرات من دون طيار.
كل هذا مكلف، ولكن يمكن توفير المال العام من خلال تعاون القطاعين العام والخاص مع صناعة الشحن. لكل شركة نقل بحري مصلحة خاصة في ضمان نزاهتها، وسلامة حمولاتها وطواقمها. على سبيل المثال، يمكن لشركات الشحن أن تستثمر في بعض التقنيات الجديدة الموضَّحة أعلاه عن طريق تجميع الأموال للبحث والاستخدام. ولشركات التأمين الكبيرة أيضاً دور في هذه اللعبة، وقد تدعم مثل هذه الجهود.
يكمن الجزء الأصعب من المعادلة في إبطاء تدفُّق المخدرات في جانب الطلب في الولايات المتحدة، أكبر سوق في العالم. ويمكن لبرامج علاج الإدمان الفيدرالية والخاصة بالولايات، التي تعدُّ جزءاً من مشاريع قوانين البنية التحتية التي تنتقل عبر الهيئات التشريعية، أن تساعد في هذا المجال. يجب علينا بالتأكيد النظر في تقنين الماريجوانا وتنظيمها على نطاق أوسع، وهو الأمر الذي ما يزال يشكِّل جزءاً كبيراً من الشحنات غير المشروعة. لقد تضاعفت الجرعات الزائدة من المخدرات في الولايات المتحدة تقريباً خلال العقد الماضي، حتى في ظل الحظر الذي أبقى 250 طناً من الكوكايين بعيدة عن الشوارع كل عام.
توسيع منطقة التغطية
لا تحتاج الولايات المتحدة إلى المزيد من عمليات المداهمة الرئيسية ذات النقطة الواحدة فحسب؛ بل إلى تكثيف التغطية واسعة النطاق في منطقة بحر الكاريبي وخارجها، التي لا يمكن توفيرها إلا من خلال المنظمات متعددة الوكالات، مثل فرقة العمل المشترك بين الوكالات الجنوبية.
قال الأدميرال كريغ فالر، القائد الحالي للقيادة الجنوبية، للكونغرس: "هذه المنطقة منطقتنا، وهي مرتبطة بشكل مباشر بنا في كل مجال، لكنَّها تواجه على ما يبدو أزمة لا يمكن التغلُّب عليها، تتمثَّل في المخدرات غير المشروعة التي تقتل عشرات الآلاف من الأمريكيين كل عام". وقال لي بشكل خاص: "إنَّ المنظمات الإجرامية العابرة للحدود التي تقف وراء ذلك، هي مجموعات قوية تزعزع استقرار الحكومات في المنطقة، وتقتل الناس هنا في الولايات المتحدة".
إنَّها أزمة بكل معنى الكلمة. أما المساعدة على إنهائها، فتبدأ من البحر.