سعى الحزب الحاكم في اليابان إلى إيجاد شخصية مختلفة لقيادة البلاد، لكن قد يجد نفسه أمام خيارات أكثر تعقيداً مما كان يتوقع.
بينما يتنافس تسعة مرشحين لخلافة رئيس الوزراء الحالي، تقلصت المنافسة لتشمل ثلاثة مرشحين فقط: ساناي تاكايشي، المحافظة والمؤيدة لسياسات "أبينوميكس"، وشينجيرو كويزومي الوريث السياسي ذي الشعبية الكبيرة لكنه عديم الخبرة، والمتمرد الشهير شيجيرو إيشيبا الذي يخوض محاولته الخامسة والأخيرة للوصول إلى السلطة.
في سعيه لإيجاد بديل لرئيس الوزراء المنتهية ولايته فوميو كيشيدا، وتقديم وجه جديد لقيادة الانتخابات المقبلة، لم يكن بإمكان الحزب الديمقراطي الليبرالي أن يطلب خيارات أفضل. فكل واحد من هؤلاء المرشحين الثلاثة يتبع نهجاً مختلفاً عما كان متبعاً في الماضي. تاكايشي ستكون أول امرأة تتولى منصب رئيس الوزراء، فيما سيمثل كويزومي ذو الـ43 عاماً تحولاً بين الأجيال. أما إيشيبا، فهو يعكس قبول الحزب لمرشح كان يعتبر خارج السرب معظم مسيرته السياسية.
ومع ذلك، إذا نظرنا إلى رؤساء الوزراء في اليابان خلال الأعوام الأخيرة، سنجد أن كل واحد من هؤلاء المرشحين يواجه مخاطر كبيرة. ولنتجاهل من يقولون إن الاختيار غير مهم طالما أن الحزب الديمقراطي الليبرالي سيبقى في السلطة، لأن رئيس الوزراء ربما لا يملك قوة تعادل تلك التي يتمتع بها رئيس الولايات المتحدة، لكنه قادر على إحداث تغييرات جوهرية في سياسات الحزب، وهذا تمكن ملاحظته بدءاً من السياسات النقدية الجذرية التي تبناها شينزو آبي وصولاً إلى جهود كيشيدا لتعزيز التحالف مع الولايات المتحدة.
سياسات تاكايشي
لنبدأ بتاكايشي، وزيرة الأمن الاقتصادي والمؤيدة لسياسات التيسير النقدي المعروفة باسم "أبينوميكس". إنها واحدة من أبرز الداعمين للسياسات الخارجية المتشددة التي ينتهجها حزبها السياسي، وهذا يثير القلق. ويظهر هذا على وجه الخصوص في العلاقات المحسنة مع كوريا الجنوبية، التي عمل كيشيدا على تعزيزها، حيث قد تتعرض هذه العلاقات للخطر إذا تولت تاكايشي. كما أن التوترات مع الصين قد تتفاقم، خاصة في ظل الأحداث الأخيرة مثل مقتل تلميذ ياباني، وتوغل حاملة طائرات صينية في المياه اليابانية.
تشتهر تاكايشي بدعمها لزيارات ضريح "ياسوكوني" في طوكيو، الذي يحيي ذكرى قتلى الحرب اليابانيين، بمن فيهم أولئك الذين أُدينوا كمجرمي حرب، وهو تقليد قد تستمر في اتباعه إذا أصبحت رئيسة للوزراء. وكانت آخر زيارة لرئيس وزراء إلى هذا الضريح قد قام بها شينزو آبي في ديسمبر 2013، وأثارت تلك الزيارة توترات دبلوماسية، ومقاطعات من قبل الصين، بل وتوبيخاً نادراً من الولايات المتحدة.
تعهدت تاكايشي في برنامجها السياسي بخلق بيئة تسمح للبلاد بـ"تكريم من فقدوا حياتهم في خدمة السياسات الوطنية"، في إشارة غير مباشرة إلى ضريح ياسوكوني.
تحديات كويزومي السياسية
أما بالنسبة لكويزومي، فهو يزور ضريح طوكيو بشكل متكرر، تيمناً بوالده الإصلاحي جونيتشيرو كويزومي، الذي كان يزور الضريح كل عام أثناء توليه منصب رئيس الوزراء، بما في ذلك في الأيام الأخيرة من ولايته خلال ذكرى هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية. وبالرغم من أن شينجيرو لم يوضح بعد ما إذا كان سيواصل هذه التقاليد، فإن العام المقبل يصادف الذكرى الثمانين لنهاية الحرب، وبالتالي تصبح هذه المسألة محل اهتمام خاص.
وزير البيئة السابق تُثار حوله العديد من التساؤلات، لا سيما بسبب قلة خبرته السياسية. وهذه النقطة تجلت بوضوح خلال حملته الانتخابية عندما تعثر في عقبات تسبب بها بنفسه. فعلى سبيل المثال، دعا إلى إصلاحات في قوانين العمل لتسهيل فصل العمال، وهي خطوة ضرورية من وجهة نظره، لكنها منحت خصومه الفرصة لتصويره باعتباره خادماً لمصالح الشركات الكبرى. وواجه صعوبة في الرد على هذه الادعاءات، مما أفسح المجال لانتشار شائعات لا أساس لها (مثل ادعاء خاطئ بأنه يريد رفع سن التقاعد)، مما أضر بشعبيته التي كانت مرتفعة ذات يوم في استطلاعات الرأي.
إضافة إلى ذلك، يفتقر كويزومي إلى الخبرة في السياسة الخارجية، مما يثير القلق خاصة في وقت قد تشهد فيه الساحة الدولية عودة الخطاب العدائي الذي أطلقه دونالد ترمب في ثمانينيات القرن الماضي ضد اليابان، وذلك إذا عاد إلى البيت الأبيض.
مواقف إيشيبا المثيرة للجدل
نظراً للطبيعة التبادلية التي يعتمد عليها ترمب في صفقاته، فقد يتفهم حديث شيجيرو إيشيبا عن إعادة توازن العلاقة بين طوكيو وواشنطن. ومع ذلك، قد لا يحظى هذا التوجه بقبول بعض الأطراف في واشنطن، خاصة مع تزايد أهمية طوكيو في الاستراتيجية الأميركية لاحتواء الصين. ويُعرف إيشيبا جيداً في الأوساط الدفاعية، لكن دعوته لمراجعة اتفاقية وضع القوات بين الولايات المتحدة واليابان لتحقيق المساواة بين البلدين في هذا المجال، بجانب اقتراحه إنشاء "ناتو آسيوي"، يثير بالفعل قلق واشنطن.
بالإضافة إلى ذلك، تدور أحاديث متحفظة حول المخاطر التي قد تواجه اليابان حال حدوث غزو صيني لتايوان، فضلاً عن تصريحات تفيد أن اليابان ليست مجبرة على التحالف فقط مع الولايات المتحدة أو التقارب مع الصين، فمثل هذه الأفكار تثير قلق البعض ممن رحبوا بموقف طوكيو الأخير كأبرز حليف آسيوي للولايات المتحدة.
تُثار أيضاً تساؤلات حول رؤية إيشيبا الاقتصادية حتى في أفضل أيامه، إذ أجد صعوبة في التوفيق بين بعض مواقفه، مثل وضع إنهاء الانكماش على رأس أولوياته، في الوقت الذي يدعو فيه إلى رفع أسعار الفائدة من قبل بنك اليابان لخفض الأسعار.
تيارات اقتصادية مختلفة
مع ذلك، لا يقتصر الافتقار إلى الرؤية الاقتصادية على إيشيبا وحده. فكل مرشح من الثلاثة يمثل تياراً مختلفاً من الفكر الاقتصادي التقليدي للحزب الديمقراطي الليبرالي، إلا أن خططهم جميعاً تفتقر إلى الوضوح والشمول، فالليبرالي كويزومي يرى أن النمو يأتي من خلال الإصلاحات الشاملة، وتاكايشي تفضل زيادة الإنفاق الحكومي، وإيشيبا يتبني نهجاً مالياً حذراً.
على الرغم من الحديث المستمر حول القضايا الاجتماعية مثل السماح للمتزوجين بالاحتفاظ بألقاب عائلية منفصلة، والتي تهيمن على نقاشات الحملات الانتخابية، فإن مصير رئيس الوزراء القادم سيتحدد بناءً على أدائه الاقتصادي. وربما يكون التغيير جيداً، لكن الحذر مطلوب فيما تتمنى.