بلومبرغ
يصف البعض "الاقتصاد التشاركي" بأنه مصطلح مبهج، وفي الوقت الذي يقوم رجال الأعمال المهيمنين على السوق بالبيع والشراء والإيجار، يسعى الآخرون في الاقتصاد التشاركي إلى تسهيل الأمور وبناء الثقة، حسب تعبيرهم.
ويوفر حاملو راية الاقتصاد التشاركي مثل شركة "أوبر تيكنولوجيز آي إن سي" (Uber Technologies Inc) وشركة "إير بي إن بي آي إن سي" (Airbnb Inc)، وصولًا سهلًا ورخيصًا إلى المنتجات والخدمات، التي ما كانت لتستخدم دون تحمل أعباء الملكية.
ويزعم المعجبون بهذه الشركات القائمة على الاقتصاد التشاركي أن من شأنه جلب منافع اجتماعية، مثل بناء المجتمع وتحقيق المساواة، فيما يتنبأ المشككون فيه أنه قد يؤدي إلى انخفاض الأجور ورفع تكلفة المنازل وتقويض قواعد الصحة والسلامة وتعريض النساء للمضايقة والإهانة، حيث جاء في أحد عناوين مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" (Harvard Business Review) عام 2015 أن: "الاقتصاد التشاركي أبعد ما يكون عن المشاركة".
الوضع الحالي
بدأ الرابحون والخاسرون من الاقتصاد التشاركي يظهرون للعيان، ومن بين الرابحين كانت الشركات التي تعمل في مجال النقل حسب الطلب (الذي يندرج تحت الاقتصاد التشاركي) مثل شركات "أوبر" و"ليفت" (Lyft Inc) و"ديدي تشوشينج" (Didi Chuxing) الصينية و"إير بي إن بي" (Airbnb) الناشئة لتأجير المنازل أو مشاركتها.
بينما غابت معظم الأفكار الغريبة والسخيفة في هذا المجال، وانهارت شركات خدمات توصيل الطعام مثل شركات "مابل" (Maple) و"سبريغ" (Sprig) و"سبون روكت" (SpoonRocket Inc) إلى جانب شركة "ووشيو" (Washio Inc) لغسيل الملابس وكيّها.
في الوقت ذاته، تجنبت أنجح الشركات القائمة على هذا النظام (رغم أنها لا تزال في معظمها خاسرة) استخدام مصطلح "الاقتصاد التشاركي" مؤخرًا.
وأقرت شركة "أوبر" من جانبها بانخفاض الوقت الذي يقضيه سائقو السيارات المحترفون المتفرغون خلف المقود إلى النصف تقريبًا. أما فيما يتعلق بالتمويل، فقد بلغ الاقتصاد التشاركي ذروته خلال الربع الثالث من 2015، العام الذي صرف فيه المستثمرون ما قيمته 8.3 مليار دولار على الاقتصاد القائم على الخدمات عند الطلب.
وحافظت شركة "أوبر" على صدارتها في جمع الأموال بأكثر من 15 مليار دولار وحدها، ورغم أزمة العلاقات العامة التي تعاني منها، إلا أن الشركة التي حققت 20 مليار دولار من الحجوزات في المجمل خلال 2017 لا تزال تهيمن على معظم القطاع، وبات الآن الأمر متوقفا على رئيسها التنفيذي "دارا خسروشي" (Dara Khosrowshahi)، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "إكسبيديا آي إن سي" (Expedia Inc)، لإخراج الشركة من المأزق الناتج عن الهفوات الأخلاقية.
خلفية الموضوع
برزت فكرة النظام الاقتصادي المتميز الذي تجسده المشاركة على الأقل منذ نشرت إحدى الأبحاث الأكاديمية عام 1978 عن مشاركة السيارات تحت عنوان "بنية المجتمع والاستهلاك التعاوني"، فما الجديد إذًا؟ إنها الهواتف الذكية.
وصعد الاقتصاد التشاركي عام 2008، عندما قدمت شركة "أبل" (Apple Inc) متجر تطبيقاتها الخاص، ما أدى إلى سهولة تأمين الشريك التجاري في غضون دقائق، ثم تأسست في العام نفسه شركة "تاسك رابت" (TaskRabbit Inc) وأصبحت إحدى أولى الشركات القائمة على الاقتصاد التشاركي؛ لربطها بين الباحثين عن عمل وغيرهم ممن يرغبون بتجنب القيام بالأعمال المنزلية، مثل تنظيف الخزان من الأسماك الميتة.
وساهمت الابتكارات مثل الأنظمة الحاسوبية المتوافرة عبر شبكة الإنترنت والظروف الاقتصادية في توسع هذا المجال، عبر تزايد عدد الأشخاص الباحثين عن عمل في الأنظمة الاقتصادية الضعيفة منذ اندلاع الأزمة المالية. ومع إصدار الهواتف الذكية، صار من الأسهل على الشركات إدارة القوى العاملة باستخدام البرامج المتطورة للتنظيم والأمور اللوجيستية والاتصالات، بجانب مراقبة أداء العمال من خلال أنظمة التصنيف.
الجدل الدائر
يرى معارضو الاقتصاد التشاركي أنه يجعل من الموظفين عبيدًا نظرًا لعدم تمتعهم بحق الحصول على التأمين الصحي أو الأمان الوظيفي، فضلًا عما يقود إليه هذا النوع من المعاملات من تفاقم في عدم المساواة، بحيث تصبح الشقق التي تتم "مشاركتها" في المدن الكبرى على سبيل المثال غير متاحة للمستأجرين على المدى الطويل، ما يؤدي إلى نقص المساكن وارتفاع أسعار الإيجارات.
كما يحتج المنافسون من مشغلي الفنادق وسيارات الأجرة في الوقت نفسه على استخدام الشركات الناشئة في وادي السيليكون لرأس المال المغامر من أجل دعم التكاليف، ما يمنحها ميزة غير عادلة.
قد يكون ذلك هو الحال في شركة "أوبر" التي خسرت عام 2016 ما يقرب من 2.8 مليار دولار باستثناء عملياتها في الصين بينما نجحت شركة "إير بي إن بي" في تحقيق الأرباح. وتُسهل الشركات القائمة على الاقتصاد التشاركي على العمال ذوي الأجور المنخفضة تعزيز أجورهم، بحيث يُمكن لهم استغلال الوقت والمصادر خير استغلال.
وعلى سبيل المثال: لماذا نقيم فندقًا جديدًا في وقت يمتلك فيه الناس غرفًا يمكن لهم الاستغناء عنها؟، ونظرًا لخضوع الشركات القائمة على الاقتصاد التشاركي للجهات الرقابية، باتت مثلها مثل غيرها من الشركات الأخرى. وفي هذا السياق، قامت شركة "إير بي إن بي" بتسوية قضية مع ولاية سان فرانسيسكو ووافقت على تسجيل المضيفين في ولاية نيويورك في قاعدة للبيانات، في حين يخضع سائقو شركة "أوبر" لرقابة مفرطة في نيويورك ولندن.
ومن ناحية أخرى، تثير صفقات مثل دمج شركة "أوبر" لعملياتها في الصين مع شركة "ديدي تشوشينج" (Didi Chuxing) الصينية وهدنتها مع شركة "ياندكس إن في" (Yandex NV) في روسيا سؤالًا عما إذا كان تقاسم الاحتكارات أو تشاركها سمة من سمات الاقتصاد في المستقبل.