كيف تتأقلم مع وظيفة تتعارض مع قيمك الشخصية؟

تحذير من تحول الضغوط الصغيرة إلى مشكلات كبيرة مع مرور الوقت وتقويض الهوية الشخصية للموظفين

time reading iconدقائق القراءة - 13
ثمن المساومة على قيمنا - المصدر: بلومبرغ
ثمن المساومة على قيمنا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

ربما يطالبك رئيسك بإبداء ردود فعل أقسى مما تعتقد أن الأمر يستحق. ربما قبلت العمل في عطلات نهاية الأسبوع بعد الاستسلام للضغط -مرة ثانية- خلال الوقت الوحيد المتوافر لديك لتقضيه مع طفلك. أو ربما وافقت على تحميل برمجيات مراقبة لتعقب الموظفين، وهو أمر يجعل غالبية المتخصصين في تكنولوجيا المعلومات يشعرون بعدم الراحة على حد قولهم.

بالنسبة إليهم فإن هذه اللحظات تتجاوز كونها مزعجة فحسب، ما يجعلهم بصفة خاصة يدخلون في صراع مع أنفسهم وكأن أحدهم يحمل مرآة وينظر إليها قائلاً: أنا شخص يصرخ في مرؤوسيه. أنا شخص يعتبر العمل أهم من طفله. أنا شخص يتجسس على الموظفين.

ضغوط صغيرة ومشكلات كبيرة

في كتابهم الجديد، "تأثير الضغوط الصغرى: كيف تتراكم الأمور الصغيرة وتخلق مشكلات كبيرة- وماذا يجب أن نفعل حيال ذلك (The Microstress Effect: How Little Things Pile Up and Create Big Problems— and What to Do About It)، يبين روب كروس وكارين ديلون أنه عندما تنطوي الوظائف على مهام تشكل تحدياً للقيم الشخصية للموظفين، فإنها تؤدي لضغوط جزئية بتقويضها لإحساسهم بالهوية الشخصية. يمكن أن يستنزف الناس تدريجياً. (ملاحظة: كانت ديلون محرراً لهارفارد بيزنس ريفيو عندما بدأت العمل هناك في أواخر العقد الأول من القرن الحالي).

كانت الضغوط الصغيرة حاضرة على الدوام، لكن يوجد عنصران بالنسبة للعمل المعاصر يجعلانها أشد تفشياً حالياً، وهما التكنولوجيا التي تتيح وصول العملاء الغاضبين والرؤساء كثيري الطلبات للموظفين ليل نهار، وهي وظائف لا تحتاج لبذل الوقت والجهد فقط، بل تحتاج لالتزامات عاطفية شديدة والافتقار لوجود حدود بين ما هو شخصي وما هو مهني.

حالياً، يطمح كثير من الأشخاص إلى أن توفر حياتهم المهنية لهم الحس المجتمعي والهوية الشخصية التي حظوا بها خلال يوم من الأيام عبر المنظمات الدينية والنوادي الاجتماعية.

يمكن أن تساهم البيئة السياسية الاستقطابية حالياً في تحدي الهوية الشخصية أيضاً، عن طريق جعل صراعات عديدة تبدو وكأنها إما الحصول على كل شيء أو خسارة كل شيء. ربما لم يستمتع الموظفون مطلقاً بالعمل مع عميل ثبت لديهم أن معتقداته السياسية عدائية، أو التمسك بتطبيق سياسة إجازة وضع يعتقدون أنها شحيحة بصورة مُهينة. لكن فعل ذلك حالياً لا يُعد فقط أمراً مُحبطاً، بل يثير شعوراً بالتواطؤ.

موقف سياسي

سلطت ميغان ريتز، الأستاذة بكلية "هولت الدولية" للأعمال في المملكة المتحدة والتي تدرس نشاط الموظفين، الضوء على المشكلة المحيرة المتمثلة في أن الإبقاء على الأوضاع القائمة بحد ذاته يشكل نوعاً من الموقف السياسي مشيرة إلى أنه "لا يمكن اعتبار ذلك منفصلاً عن العمل السياسي.. التقاعس عن التحرك عبارة عن عمل سياسي مثله مثل اتخاذ تحرك".

تكمن المشكلة قطعاً في أنه من غير الممكن تغيير الوظائف كلما اصطدمت فيها مهمة عمل مع قيم شخصية. وتتضمن غالبية الوظائف درجة معينة من الحلول الوسط الأخلاقية. ويعترف ديلون بأنه "ليس هناك شركة مثالية".

بصفة خاصة عندما يستثمر شخص ما كثيراً في وظيفته، فمن الأسهل عليه التماشي مع المطالب التي تجعله يشعر بعدم الراحة. في نهاية الأمر، لا تُعد هذه تجاوزات أخلاقية جسيمة، حيث لا يُطلب من أحد في هذا الموقف ارتكاب جريمة. رغم ذلك، يمكن أن تتراكم حالة الإرهاق مع مرور الزمن. كما أوضح أحد المديرين الذين قابلهم كروس وديلون، قائلاً: "تحولت لأحد هؤلاء الأشخاص الذين لم أكن أحبهم من ذي قبل. ولا أدري كيف جرى هذا التحول".

أولويات واضحة

ذلك هو السبب، خلال عقد المؤلفين لمقابلات مع 300 شخص اعتبرتهم منظماتهم من ذوي الإنجازات الكبيرة، في أن الأسعد بينهم كانوا هم الأشخاص من ذوي الأولويات "الواضحة بشدة"، ما جعل من السهل وضع حدود فاصلة لا يرغبون في تخطيها.

تخلى أحد الخاضعين للدراسة عن وظيفة بـ500 ألف دولار أميركي تشمل الراتب والمكافآت لأنها تضمنت نقلاً لمكان يتعارض مع نوعية الحياة التي يرغب في عيشها، والتي تستمد جذورها من العائلة والأصدقاء والمجتمع. أخبر كروس وديلون أنه غير نادم على الحصول على وظيفة أقل ربحاً.

عثر آخرون على أساليب تجعل وظائفهم هادفة بصورة أكبر بتبنيهم مبادرات إضافية. في مثال على ذلك، أُحبطت إحدى المشاركات في المقابلات مع ديلون وكروس عندما أخبرها رئيسها بصورة حاسمة أن وظيفتها الوحيدة تتمثل برفع قيمة حاملي الأسهم، واستطاعت جعل العمل يبدو أكثر تحفيزاً عن طريق دورها الرائد في برنامج إرشاد الشركة. على نفس المنوال، بإمكان الموظف الذي يشعر بالانزعاج من البصمة الكربونية للشركة أن يدعو إلى عمليات إصلاح.

لا تخلو هذه المقاربة من بعض المخاطرة قطعاً، إذ إن كل شخص لديه قدر محدود من التأثير في مكان العمل. لكن "ريتز" أخبرتني أنها عندما تلتقي بالموظفين المحبطين بسبب فشل محاولاتهم لإحداث تغيير، تجد أنه باستطاعتهم دائماً كشف أمر إضافي يمكن تجربته –أمر مختلف أو أكثر نجاعة– سيجعل رسالتهم أشد إقناعاً.

رغم ذلك، سيكون هناك أوقات الخيار الأفضل فيها هو المغادرة. ربما يبدو ترك وظيفة مصدراً دائماً للضغوط الصغيرة وكأنه فشل شخصي، كما لو كنت قد سمحت لها بالانتصار عليك. ولكن يمكنك الاستفادة مما تعلمته لإيجاد صاحب عمل جديد يتوافق مع قيمك بدرجة أكبر. عملت مع أشخاص كثيرين لا يخططون للحصول على إجازة رعاية طفل، لكنهم يبحثون بصورة حثيثة عن أصحاب عمل يوفرون سياسات توظيف سخية نظراً لما ترمز إليه.

خارج مكان العمل

سواء استمر شخص ما في عمله أو غادره، يقترح "ديلون" السعي وراء مصادر لتحقيق الرضا بعيداً عن مكان العمل. تشكل الصداقات والهوايات والتمارين الرياضية مجموعة أمور تجعلنا ثابتين وتساعدنا على الوصول لرؤية مستنيرة.

لا يرتبط هذا فعلاً بتحقيق التوازن بين العمل والحياة بل يرتبط بجعل العمل مجرد عنصر واحد من الهوية الشخصية. يُعد ذلك نوعاً من تنويع المحفظة بحيث لا نعلق الأمر بالكامل على بيئة العمل فقط بل نربطه بجوانب متعددة في حياتنا.

ربما ينبغي أن أذكر أنه من خلال دراسة "كروس" و"ديلون"، أظهر 10% فقط من أصحاب الإنجازات الذين أجروا معهم مقابلات قدرة على تجاوز الضغوط التي يتعرضون لها. سألتها: هل هذا يعني أن بقية الأشخاص فشلة؟ قال "ديلون": "كانت لديهم أساليب فطرية في التأقلم معها لكن أعتقد أننا كلنا قادرون على فعل ذلك".

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

واشنطن

1 دقيقة

1°C
سماء صافية
العظمى / الصغرى /
13 كم/س
70%
الآراء الأكثر قراءة