الحرارة الشديدة تضر بصحتنا العقلية

مع ارتفاع درجات الحرارة، يتعين على أدمغتنا أن تعمل بجهد أكبر لتنظيم عمل أجسادنا وكذلك نفسياتنا

time reading iconدقائق القراءة - 7
امرأة تجلس بمفردها على كرسي في المياه وسط درجات حرارة مرتفعة - المصدر: بلومبرغ
امرأة تجلس بمفردها على كرسي في المياه وسط درجات حرارة مرتفعة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

سجل كوكب الأرض يوم الاثنين الماضي مستوى مرعباً من الحرارة: فقد وصلت درجات الحرارة العالمية إلى أعلى مستوى مسجّل لها في التاريخ، محطمةً بذلك الرقم القياسي المسجل قبل يوم واحد فقط. ومن المتوقع أن يكون 2024 أكثر الأعوام سخونةً منذ قرون. وأصبحت موجات الحر أسخن وأطول وأكثر تواتراً مما كانت عليه في الستينيات.

يدرك معظمنا حالياً أن الحرارة الشديدة سيئة لصحتنا، ما يجعل القلب والرئة والكلية وأعضاء أخرى تعمل بجهد أكبر. ولكن في كثير من الأحيان نتجاهل الضرر الأكثر خفوتاً والأقل وضوحاً الذي يخلفه الحر على عضو حيوي آخر؛ وهو دماغنا.

فالحرارة الشديدة لا تجعلنا غريبي الأطوار ومزعجين فحسب، بل إنها قد تجعل من الصعب علينا التفكير بوضوح وأن نكون منتجين في العمل. كما تضر بصحتنا العقلية، ما يؤدي إلى تفاقم اضطرابات المزاج الشائعة مثل القلق والاكتئاب وكذلك الحالات النادرة مثل الفصام وإيذاء النفس. ومع كل عام يشهد ارتفاعاً في الحرارة، تستحق هذه القضية المزيد من الوقت والاهتمام.

عادةً، يحافظ جزء من أدمغتنا يسمى "تحت المهاد" على أجسامنا عند درجة حرارتها الداخلية الطبيعية (بالنسبة لمعظم الناس، تبلغ نحو 98.6 درجة فهرنهايت أو 37 مئوية). لكن الدماغ البشري لديه قدر محدود من الطاقة لتكريسها لهذه المهمة، كما توضح كيم ميدنباور، عالمة الأعصاب المتخصصة في تأثيراتها على النواحي الاجتماعية والإدراكية والبيئية في جامعة ولاية واشنطن، تقول إنه في يوم شديد الحرارة، "يبدو أن أحد الأشياء الأولى التي تختفي هو الأداء الإدراكي الأعلى"، مما يُصعّب عملية الانتباه ويُضعف الذاكرة العاملة (قدرة البشر على معالجة المعلومات وتتبعها في الوقت الفعلي).

تكلفة باهظة

بالنسبة للبعض، هذه التكلفة باهظة. فكبار السن والأطفال الصغار والأشخاص الذين يتناولون أدوية معينة للفصام أو الاكتئاب ومن يعانون من حالات طبية أو إعاقات معينة يجدون صعوبة أكبر في تنظيم درجة الحرارة.

ربط أحد تحليلات مطالبات التأمين الصحي التجاري على مدار عقد الأيام الأكثر حرارة بزيادة في زيارات غرف الطوارئ المرتبطة بمجموعة واسعة من حالات الصحة العقلية. وكان معدل زيارات غرف الطوارئ أعلى في الأجزاء الشمالية من الولايات المتحدة، مما يشير إلى حاجة المدن في تلك المناطق لتكييف بنيتها التحتية بشكل أفضل لمساعدة الناس عندما ترتفع درجات الحرارة، كما تقول أمروتا نوري سارما، الأستاذة المساعدة في قسم الصحة البيئية في كلية الصحة العامة بجامعة بوسطن، والتي قادت البحث. كما أن الحاجة لفهم ما يحرك هذه الزيارات، ومن هم الأكثر عرضة للخطر، أمر بالغ الأهمية للاستعداد والوقاية.

أيضاً، ارتبطت موجات الحر بارتفاع خطر الانتحار. ففي تقرير "مراجعة المرونة المناخية" للندن الذي صدر هذا الشهر، لاحظ مسؤولو العاصمة البريطانية أن خطر الانتحار أعلى مرتين في المملكة المتحدة عندما تكون درجة الحرارة 32 درجة مئوية مقابل 22 درجة مئوية (90 درجة فهرنهايت مقابل 72 درجة فهرنهايت).

أما المصابون بالفصام فمعرضون على نحو غير متناسب لخطر الوقوع فريسةً لتأثيرات الحرارة الشديدة. فنحو 8% من الوفيات التي حدثت خلال ظاهرة "القبة الحرارية"، والتي تتسبب فيها منطقة ضغط جوي مرتفع في طبقات الجو العليا بحبس هواء المحيط الساخن أسفل منها كما لو كانت غطاءً أو قبةً، عام 2021 في كولومبيا البريطانية كانت بين المصابين بالفصام، وهي المجموعة التي تضم أقل من 1% من السكان هناك. تحاول ليف يون، عالمة الاجتماع في جامعة كولومبيا البريطانية في فانكوفر، تشخيص الأسباب المعقدة لتلك الوفيات. وتقول إن عوامل متعددة لها تأثير واضح في هذا الصدد، ومنها العجز النفسي (الأداء السلوكي والمعرفي والانفعالي) والضعف الاجتماعي (عدم القدرة على تحمل الضغوط والصدمات المتعددة). ومن أعراض الفصام هو عدم الوعي بحالة الجسم، حيث يكون من الصعب معرفة مدى سخونتك أو برودة جسمك. علاوة على ذلك، غالباً ما يتناول المصابون بالفصام أدوية يمكن أن تعرض قدرة الجسم على تنظيم درجة الحرارة للخطر.

ما الحل إذاً؟

فما الحل إذاً؟ إن الحد من تأثير تغير المناخ على الصحة العقلية سوف يتطلب بعض الإصلاحات البنيوية الواضحة، سواءً أكانت سياسةً تهدف إلى إبطاء الاحتباس الحراري العالمي، أو معالجة المحددات الاجتماعية للصحة، أو إدخال تحسينات على تصميم المدن لتقليل النقاط الساخنة الخطيرة.

تحتاج المستشفيات إلى معرفة متى تتوقع تدفق المرضى، وفي الوقت نفسه، هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود للحد من الطلب، سواء من خلال معالجة احتياجات الصحة العقلية قبل أن يصل شخص ما إلى نقطة الأزمة، وضمان حصول الناس على الموارد وسط موجة الحر. وهذا ينطبق بالأخص على المصابين بالفصام، الذين قد يكونون عادةً أقل استفادة من الموارد العامة مثل مراكز التبريد.

ويمكن إجراء العديد من التغييرات الصغيرة في الوقت الحالي. فعلى سبيل المثال، تدريب القوى العاملة في مجال الصحة العقلية لتكون أكثر وعياً بمخاطر الحرارة والذي يمكن أن يشجعهم على التحقق من الفئات الأكثر ضعفاً، وربط المرضى بمزيد من الموارد، وتوعيتهم بشأن الأدوية التي يتعاطونها ومتى تكون أكثر خطورةً عندما ترتفع درجات الحرارة.

ويمكننا جميعاً أن نحدث فرقاً أيضاً. تقول يون: "تجد أبحاث متزايدة أن العزلة الاجتماعية عامل بالغ الأهمية" في التنبؤ بمخاطر أعلى للحرارة الشديدة على شخص ما. كانت مدينة فانكوفر تروج لـ "أدوات التبريد"، وهي عبارة عن حقيبة مادية تحتوي على أشياء يمكن أن تساعد الناس على البقاء آمنين في الحرارة. لكنها تقول إن مسؤولي الصحة العامة باتوا يدركون على نحو متزايد أن العلاقات الاجتماعية مهمة بالقدر نفسه.

تقول نوري سارما إن مسألة اعتماد الفرد على مجتمعه أم لا هي من  أفضل المؤشرات على المرونة. وتضيف "غالباً ما تكون هذه الروابط الاجتماعية هي التدابير الأكثر حماية التي نتخذها".

فالاطمئنان على الأصدقاء، والاستماع إلى سلسلة الرسائل النصية العائلية، ومراقبة جيرانك الذين يعيشون بمفردهم؛ هذه الأفعال الصغيرة يمكن أن يكون لها تأثير كبير على أكثر الأفراد ضعفاً في مجتمعاتنا.

ومع استمرار هذا الصيف الحار، فإن هذه الأمور تستحق التذكر.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

واشنطن

6 دقائق

9°C
غيوم متناثرة
العظمى / الصغرى /10°
11.1 كم/س
68%