أندي موكرجي: لماذا تتعثر الهند في ضمان سلامة الغذاء والدواء؟

ضعف التنظيم والإجراءات التنفيذية يؤدي إلى تعريض 1.4 مليار نسمة للخطر، مع تدهور الأوضاع أكثر بسبب النزعة القومية المتطرفة

time reading iconدقائق القراءة - 13
مزارع يحمل حفنة من الأرز بين يديه في سوق للحبوب في أمبالا، الهند - الشرق/بلومبرغ
مزارع يحمل حفنة من الأرز بين يديه في سوق للحبوب في أمبالا، الهند - الشرق/بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

العثور على سكر في أطعمة الحبوب التي يتناولها الأطفال، ومبيدات حشرية في التوابل! لماذا لا تستطيع الهند الحفاظ على سلامة الغذاء؟

في أي دولة نامية، يتجه الاتهام عادة إلى ضعف التنظيم والرقابة الشكلية. وهنا في الهند، تتجه الإدانة الرئيسية إلى هذه العوامل أيضاً مضافاً إليها جشع الشركات.

ومع ذلك، انضم إلى هذه الصورة لبضعة أعوام عنصر الكبرياء الوطني أو القومي –والوجه الآخر له الذي يتمثل في القلق من الازدراء الدولي– ليرفع المخاطر التي يتعرض لها 1.4 مليار مواطن وعدد كبير ممن يعيشون في المهجر.

تواجه شركة "نستله" مشكلة جديدة بعد أن طوت مؤخراً فقط صفحة فضيحة عمرها تسع سنوات تتعلق بمكرونة ماجي. فقد قالت مجموعة استقصائية سويسرية إن بعض منتجات أغذية الأطفال التي تبيعها شركة المنتجات الاستهلاكية العملاقة في آسيا وأفريقيا تحتوي على مستويات عالية من السكر المضاف. وأوضحت المجموعة في تقرير أن الهند كانت من بين الدول التي احتوت فيها عينات من غذاء الأطفال "سيريلاك" على مادة التحلية التي تسبب الإدمان.

وعلى صعيد آخر، حظرت الجهات التنظيمية في سنغافورة وهونغ كونغ بعض التوابل الهندية التي تحظى بشعبية لدى المستهلكين المحليين والمتوفرة أيضاً خارج البلاد. فقد تبين أنها تحتوي على مستويات غير آمنة من أكسيد الإيثيلين، وهو مادة مسرطنة معروفة تنتقل إلى الطعام من مواد التبخير. وحسبما أفادت وكالة رويترز في 27 أبريل، تخضع أنواع توابل الماسالا الهندية الآن للفحص في إدارة الغذاء والدواء الأميركية. وقالت كل من شركتي "إم دي إتش" (MDH) و"إيفرست" (Everest)، وهما العلامتان الخاضعتان للفحص، إن أنواع التوابل آمنة تماماً.

النعرة القومية وضعف الرقابة

ما يثير الدهشة في كل هذا هو رد فعل المسؤولين الهنود. فقد نددت هيئة سلامة الأغذية والمعايير في الهند بالتقارير الإخبارية التي ربطت بين فضيحة التوابل والتخفيف الذي أجري مؤخراً على الحدود القصوى المسموح بها لمتبقيات المبيدات بمقدار 10 أضعاف. وقالت الهيئة التنظيمية إن البلاد لديها أكثر المعايير صرامة، على الرغم من أن الآخرين يعتقدون خلاف ذلك.

كذلك يمثل ضعف الرقابة مشكلة في البلاد. فقد اكتشفت الشرطة توابل مغشوشة "مصنوعة من أوراق الشجر والأرز العفن، والذرة الرفيعة الفاسدة، ونشارة الخشب، ورؤوس الفلفل الحار، وأحماض، وزيوت رديئة" عندما داهمت مؤخراً مصنعين في دلهي، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "تايمز أوف إنديا".

وتصاحب المخاوف المتعلقة بسلامة الأغذية مخاوف أخرى تتعلق بالأدوية الجنيسة، التي تعد الهند أكبر مورد لها في العالم. فقد تسبب دواء السعال الذي يحتوي على مادة "ثنائي إيثيلين غلايكول" في قتل الأطفال في أسواق التصدير في دول نامية مثل غامبيا وأوزبكستان. أما في الداخل، فقد حدث تسمم جماعي للأطفال بالأدوية الملوثة بمادة ثنائي إيثيلين غلايكول في عدة مناسبات. ومع ذلك، فإن أي انتقاد يُنظر إليه من منظور النزعة القومية، كما قال دينيش ثاكور، وهو أحد المبلغين عن الأدوية غير الآمنة، لزميلتي روث بولارد.

أزمة "نستله" ومكرونة "ماجي" الهندية

وسط هذه الظروف، قد يصبح الضرر الواضح غير مرئي، وقد تبدو التهديدات غير الموجودة حقيقية. خذ على سبيل المثال أزمة "ماجي" في عام 2015. فقد حظرت الهند مبيعات أكبر علامة تجارية للمكرونة في البلاد، وأجبرت الشركة على حرق 35 ألف طن من المخزون. وانهارت الأرباح السنوية لشركة "نسله إنديا" بالهند بأكثر من النصف. فعلى أي شيء استندت تلك المعركة بأكملها؟

كانت هيئة سلامة الأغذية قد التقطت عشرات من عبوات مكرونة "ماجي" من متجر في ولاية أوتار براديش في شمال الهند الذي ينعدم فيه القانون ويعمه الفساد، ووجدت أن نسبة الرصاص فيها تتجاوز الحدود المسموح بها وقررت أن لديها أدلة كافية لوقف تداولها.

زعمت "نستله" أنها اختبرت أكثر من 1000 عينة من المكرونة ووجدت أنها آمنة. إلا أن حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي ذات النزعة القومية المتطرفة كانت قد دخلت للتو عامها الثاني، وكان بابا رامديف، معلم اليوغا الملتحي ذو الرداء البرتقالي والمقرب من النظام الجديد، يروج لعروضه من الصابون العشبي إلى شراب الورد كبدائل أفضل للمنتجات الراسخة من الشركات الغربية متعددة الجنسيات مثل "يونيليفر" و"نستله". وفي نوفمبر 2015، عندما كانت "ماجي" على وشك العودة إلى رفوف المتاجر بعد أن ألغت المحكمة الحظر عليها، أطلقت شركة "باتانجالي" (Patanjali)، التي يملكها بابا رامديف، مكرونة مصنوعة من القمح ووصفتها بأنها خيار أفضل صحياً، على الرغم من أنها لم تحصل على الموافقات اللازمة من الجهة المنظمة للأغذية.

اتضح أن الخوف من التسمم بالرصاص في المكرونة "ماجي" لم يكن له أي أساس من الصحة قبل أشهر، عندما ظهرت كميات كبيرة من المخزون الذي جرى استدعاؤه في متجر البقالة الهندي في الحي الذي أسكن فيه في سنغافورة. فقد وجدت الدولة في سنغافورة أنها آمنة، وسمحت باستئناف الاستيراد. (أتذكر أنني كنت أتناول المكرونة المصنوعة في الهند).

السكر في أغذية الأطفال وتحمل المسؤولية

يشكل السكر في أغذية الأطفال تحدياً مختلفاً تمتد جذوره إلى مطالب المساهمين الناشطين بالتصويت على الأثر الصحي لمنتجات "نستله" في جميع أنحاء العالم. فقد نفت الشركة أي "ازدواج في المعايير" التي تستخدمها عند النظر للأطفال الرضع في الدول الغنية وفي الدول الفقيرة، وقالت إنها تتخلص تدريجياً من أنواع السكر المضافة في جميع أنحاء العالم إلى "حليب الأطفال الرضع". ومع ذلك، وسط وعود الهيئة التنظيمية الهندية بالتحقيق في جميع منتجات أغذية الرضع، لا تستطيع "نستله" استبعاد تصعيد النزاع في سوق كبيرة سببت لها مشكلة وعاقبتها من قبل.

وقد تعاقبها عقاباً شديداً مرة أخرى. فالمواقف التي يعتقد فيها أن الشركات تلحق ضرراً بواحد أو أكثر من أصحاب المصلحة "تظهر في حياة كل علامة تجارية مرة واحدة على الأقل"، كما أوضح لي شايليندرا براتاب جاين، أستاذ التسويق في جامعة واشنطن في سياتل. وقال إن المهم في ذلك هو أن يعترف القائمون على العلامة التجارية بمشاعر العملاء الغاضبة ومعاناتهم والاستجابة لذلك بسرعة.

استخدم جاين هذه الحادثة كدراسة حالة، إلى جانب حالات أخرى أحدث مثل أزمة الطائرة بوينغ "737 Max"، في كتاب تحت الطبع بعنوان "إدارة تجاوزات العلامات التجارية" (Managing Brand Transgressions)، والذي اشترك في تأليفه مع شاليني سارين جاين، أستاذة الإدارة في جامعة واشنطن في تاكوما.

ويقول جاين: "لم يكن في مكرونة ماجي أي زيادة في نسبة الرصاص عن الحدود المسموح بها، ومع ذلك، ولأن شركة (نستله إنديا) تأخرت في قبول تحمل المسؤولية، كان على رؤساء الشركة في أربع دول مختلفة والرئيس التنفيذي للشركة العالمية أن يتدخلوا قبل توقف هذه الادعاءات بعد بيان بطلانها.

وعلى النقيض من ذلك، في أزمة عقار تايلينول المسكن للآلام عام 1982، قام شخص مجهول مثير للمشاكل بحقن مادة السيانيد في بعض الأقراص، وتوفي سبعة أشخاص. ومع ذلك أنقذت شركة (جونسون آند جونسون) علامتها التجارية من خلال تحمل المسؤولية وسحب المنتج بسرعة والدخول في تواصل مستمر ومفتوح مع المستهلكين والهيئات التنظيمية والموظفين ووسائل الإعلام".

تطور إيجابي في الهند

في تطور إيجابي بدأت المحاكم على الأقل في اتخاذ إجراءات صارمة ضد ذلك الهراء القومي الفارغ. فقد اضطرت "باتانجالي"، شركة الطب التقليدي الهندي (الأيورفيدا)، إلى نشر اعتذار علني مؤخراً بعد أن انتقدت المحكمة العليا في الهند رامديف بسبب طرح علاجاته العشبية وترويجها على أنها "حلول ناجعة" لأمراض مثل السكري والسمنة والربو. وفي عام 2020، صدم معلم اليوغا المجتمع الطبي بتسويق دوائه المعروف باسم "كورونيل" (Coronil) كعلاج لفيروس كوفيد-19.

إن الضرب على الأصابع، أو التوبيخ الشديد، قد يوقف بعض السلوكيات الفظيعة. ولضمان ألا تباع أغذية أو أدوية للهنود إلا إذا كانت عالية الجودة – وكذلك التي يبيعها الهنود للعالم - هناك حاجة ماسة إلى فرض لوائح تنظيمية قوية يدعمها نظام مراقبة جيد التمويل على مستوى البلاد.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

نيودلهي

7 دقائق

34°C
غبار
العظمى / الصغرى 34°/34°
16.7 كم/س
40%