بلومبرغ
أُطلق على قمة المناخ "كوب 29"، المنعقدة في باكو بأذربيجان، اسم "قمة التمويل"، حيث إن هدفها الرئيسي هو التوصل إلى اتفاق طموح جديد بشأن التمويلات المرتبطة بالمناخ من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة.
إلا أن هذه التسمية يجوز إطلاقها على أي من قمم الأمم المتحدة السابقة لزعماء العالم تقريباً؛ فانصب الاهتمام في محادثات "كوب 26" في غلاسغو على ضم المؤسسات الاستثمارية إلى المعركة ضد الاحترار العالمي، وكُللت إنجازات القمة التي عُقدت في العام التالي بشرم الشيخ في مصر بتأسيس صندوق لمساعدة الدول النامية على مواجهة الآثار المدمرة لتغير المناخ. وفي قمة العام الماضي "كوب 28"، أعلنت الإمارات تدشين صندوق بقيمة 30 مليار دولار لتمويل مشروعات خفض الانبعاثات بالشراكة مع "بلاك روك" و"تي بي جي" (TPG) و"بروكفيلد أسيت مانجمنت" (Brookfield Asset Management).
سواء كانت العملة مانات أذربيجاني، أو درهماً إماراتياً، أو جنيهاً إسترلينياً، أو دولاراً أميركياً، تعود كل قمم المناخ إلى مناقشة النقطة نفسها؛ حجم التكلفة ومن سيدفعها.
هدف تمويلي جديد
يشير ذلك إلى أن الخلاف في باكو سيدور حول ما يطلق عليه اسم "الهدف الجماعي المحدد" لتمويل العمل المناخي، فهو الطموح الجديد لفترة ما بعد 2025 الذي يُفترض أن يحل محل الهدف المحدد في 2009 لتوفير 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية بحلول 2020، حيث اتضح أن الهدف السابق كان محل خلاف، إذ لم يتحقق حتى 2022، ولا يمثل إلا جزءاً ضئيلاً من حجم التمويل اللازم.
حتى لو تم تحديد الهدف الجديد بنحو تريليون دولار سنوياً، كما تقترح بعض الدول الأشد تأثراً بتغير المناخ، لن يمثل ذلك إلا جزءاً ضئيلاً؛ حيث تشير بيانات بحث جديد، نشرته شركة المحاماة "إيه آند أو شيرمان" (A&O Shearman) هذا الأسبوع، إلى وجود فجوة استثمار سنوية تبلغ 6 تريليونات دولار حتى 2030، لخفض انبعاثات الاقتصاد العالمي بالمعدل المطلوب بمقتضى اتفاقية باريس للمناخ، بخلاف تكلفة التأقلم مع عالم أكثر احتراراً وأشد تقلباً.
لا يمكن زيادة التمويل من المليارات إلى التريليونات إلا بإشراك القطاع الخاص، ورغم أن قمة "كوب 28" في دبي جذبت عدداً من أكبر قيادات "وول ستريت"، ومنهم مدير صندوق التحوط الملياردير راي داليو والرئيس التنفيذي لشركة "بلاك روك" لاري فينك، يُتوقع أن تحظى قمة "كوب 29" باهتمام أقل بكثير.
زيادة التمويل عبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص
في قمة هذا العام، أرسلت بنوك من بينها "جيه بي مورغان" و"دويتشه بنك" و"باركليز" وفوداً إلى أذربيجان، مع ذلك، ضمت هذه الوفود أعضاء من فرق الاستدامة، بدلاً من كبار المسؤولين التنفيذيين.
لفت أدير ترنر، المدير السابق للجهة التنظيمية المالية في المملكة المتحدة والذي يرأس حالياً لجنة تحول الطاقة، إلى أن هذا ربما يكون الاختيار المناسب، نظراً للطابع الفني الأكبر لمحادثات العام الجاري، وأن جهات التمويل الحاضرة "ستقتصر على المستعدين للتعامل مع من يقومون ببناء منظومة الطاقة الجديدة فعلياً، بدلاً من الأشخاص الذين يدلون ببيانات رنانة".
واستطرد أن الفرص الأكبر في باكو قد لا تتمثل في "هذه البيانات السياسية الرنانة. فلن نتمكن من زيادة الحزم في بيان (التحول عن الوقود الأحفوري)، لكن ما يمكننا تحقيقه هو التوصل إلى نتائج ملموسة حول التقنيات"، مثل التعهد بزيادة سعة بطاريات التخزين والربط بين شبكات توزيع الكهرباء.
أشار دانيال حنا، المدير العالمي للتمويل المستدام وتحول الطاقة في "باركليز"، والذي سافر إلى باكو لحضور القمة، إلى أنه "يتطلع لمناقشة التقدم المحرز في تمويل العمل المناخي، على أن نعترف بضرورة التعاون للتقدم بشكل أكبر سرعة وأكثر ذكاءً في توسيع نطاق الموجة المقبلة من تقنيات المناخ، والاستثمار في التأقلم، وإيجاد نماذج جديدة للشراكة بين القطاعين العام والخاص لزيادة التمويل الموجه إلى دول الجنوب العالمي".
دور أكبر لبنوك التنمية
يرى ترنر، الذي أجرى مقابلة مع "بلومبرغ غرين" في أول أيام "كوب 29"، أن "الأمر الأشد أهمية في باكو هو إعطاء دور أكبر لبنوك التنمية"، وفي الوقت المناسب، أعلنت أكبر بنوك التنمية متعددة الأطراف في العالم يوم الثلاثاء، عن هدف جديد لجمع 120 مليار دولار سنوياً لتمويل العمل المناخي في الدول النامية بنهاية العقد الجاري، ما يمثل زيادة كبيرة عن قيمة 75 مليار دولار التي جُمعت في 2023.
ويمكن لبنوك التنمية متعددة الأطراف استخدام ميزانياتها لتقليل المخاطر على جهات الاستثمار الخاصة، التي تنتج عن تخصيص الأموال للتقنيات الناشئة والدول، حيث ترتفع تكلفة التمويل بشدة بسبب مخاطر الائتمان المرتفعة نتيجة الفساد.
قالت كارا وليامز، المديرة العالمية للحوكمة البيئية والمجتمعية والمؤسسية والمناخ والاستدامة في شركة "ميرسر" (Mercer): "العديد من المؤسسات الاستثمارية هي صناديق استئمان لأصول التقاعد، وواجبها التركيز على الأرباح، والعديد من مشروعات المناخ لا يتوافق مع هذا الغرض دون قدر من مشاركة المخاطر أو بعض الضمانات. نأمل في رؤية الإعلان عن اتفاقيات بشأن مزيد من الشراكات بين القطاعين العام والخاص في (كوب 29) لتقليل المخاطر على الاستثمارات وزيادة سهولة تخصيص رأس المال الخاص لمشروعات التمويل المستدام".
تابع ترنر أنه في ظل تعرض العديد من حكومات الدول المتقدمة لضغوط على المالية العامة، ينبغي أن يكون تقديم مساهمة بسيطة لدعم بنوك التنمية متعددة الأطراف إنجازاً يسهل تحقيقه، "فحجم المال اللازم لزيادة مصادر تمويل البنك الدولي قليل نسبياً عند مقارنته بمجالات أخرى، لذا ينبغي أن ينطوي الأمر على منفعة متبادلة".
تأثير ترمب على العمل المناخي
بالطبع، تندر الإنجازات التي يسهل تحقيقها في مجال المناخ، ويتضح ذلك مع عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض بشكل خاص، حيث استهان أكثر من مرة بتغير المناخ، ودعم الوقود الأحفوري في الوقت نفسه.
وقال روب دو بوف، كبير المحللين في "بلومبرغ إنتليجنس"، إنه بالحديث عن ترمب، فهو يعد أحد القوى الدافعة الرئيسية لمعارضة اليمين لاستراتيجيات الحوكمة البيئية والمجتمعية والمؤسسية، إلى جانب شركات النفط الكبرى وجماعات الضغط التابعة لها.
واستطرد أنه في ظل عودته للبيت الأبيض حالياً، يتوقع الخبراء أن يقضي على الحوكمة البيئية والمجتمعية والمؤسسية، ما يعني إلغاء قواعد لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية الخاصة بإفصاحات الشركات وصناديق الاستثمار، واشتراطات وزارة العمل على صناديق التقاعد.
ويُتوقع أن تفرض الإدارة الجديدة قيوداً على اقتراحات المساهمين بشأن الحوكمة البيئية والمجتمعية والمؤسسية التي تُقدم خلال موسم التصويت على القرارات في الشركات، "الخلاصة أن إدارة ترمب تتلهف لإنهاء هذه المبادرات المرتبطة بالحوكمة البيئية والمجتمعية والمؤسسية".